بين خروج جيش قتيبة وطغيان الغرب واليهود اليوم
قصة أعظم محاكمة عرفها التاريخ! بين جيش المسلمين وكهنة سمرقند..
مقارنة بين جيوش المسلمين في عصر الفتوحات وسيادة العالم، وبين جيوش الغرب واليهود في عصر الانحطاط وتذيل قائمة الأمم..
حدث في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه:
حينما أتى الجيش الإسلامي بقيادة قائد محنك خبير هو قتيبة بن مسلم -يرحمه الله رحمه واسعة-، أتوا على مشارف سمرقند أمر الجيش بأن يتجه للجبل خلف المدينة؛ لكي لا يرى أهل سمرقند جيش المسلمين فيتحصنوا، وهجم على المدينة بكتائب الجيش من خلف الجبال، وكأنهم إعصار من شدتهم وسرعتهم، وإذا بهم وسط سمرقند فاتحين لها ومهللين بذكر الله لم يملك أهل المدينة إلى الاستسلام التام، هرب الرهبان إلى المعبد الكبير وسط الجبال، واختبأ أهل سمرقند في بيوتهم لا يخرجون خوفًا من المسلمين واستقر الوضع للمسلمين.
فبدأ بعض أهل سمرقند الخروج من منازلهم لجلب الماء والطعام، وكانوا يرسلون أطفالهم الصغار للقيام بهذه المهام، وكان المسلمين لا يتعرضون لهم بل كانوا يساعدونهم بالنقل، وكان الأطفال يدخلوا على أهلهم بكل بشاشه وسعادة محملين بالطعام والماء، فبدأ الاطمئنان والسكينة يدخل قلوبهم، وما هي إلا مدة قصيرة إلا ورجع الناس لمحلاتهم ومزارعهم وممتلكاتهم، فوجودها كما هي لم ينقص منها شيء، وبدأت الحياة الطبيعية تسير بين المسلمين وأهل سمرقند بالتجارة، ووجدوا المسلمين أمناء في تجارتهم لا يكذبون ولا يغشون ولا يظلمون، وزاد هذا الإعجاب بأن تشاجر اثنان واحد من أهل سمرقند وآخر من المسلمين، ذهبوا للقاضي فحكم القاضي للسمرقندي.
فوصل الخبر للرهبان الهاربين في المعبد الذي بالجبل، فقالوا إذا كان هذا قضائهم عادل فلا بد من وجود حاكم
عادل، فأمروا أحد رجالهم بأن يذهب لحاكم المسلمين ويخبره بما حدث، فذهب هذا الشاب حتى وصل إلى
دمشق وكان ممتلئ بالخوف، ورأى قصر كبير وقال في نفسه إن هذا هو قصر أميرهم، ولكن رأى الناس
تدخل وتخرج بدون حاجب ولا رقيب! تشجع ودخل وكان هذا هو المسجد الأموي المرصع بالأحجار الكريمة
والزخارف الإسلامية والمآذن الشامخة، والناس ركع سجود وأخذ يتأمل هذا المكان الرائع، ورأى المسلمين
يصفون صفوف متساوية مرتبه وهو مندهش من هذه الأعداد تصطف بهذا السرعة.
فقام بعد الصلاة وخروج المسلمين من المسجد وتوجه إلى أحد المسلمين وسأل عن قصر الخليفة فقال له:
أين أميركم؟ فقال له: هو الذي صلى بنا أما رأيته؟! قال: لا، قال له المسلم: ألم تصلي معنا؟ قال: وما
الصلاة؟ قال المسلم: هي طاعة وعبادة لله عز وجل وحده لا شريك له وترك الفحشاء والمنكر، قال له
المسلم: ألست بمسلم؟ قال: لا. فتبسم المسلم وقال له: ما دينك؟ قال: على دين كهنة سمرقند. قال: وما
دينهم؟ قال: يعبدون الأصنام. قال له المسلم: نحن مسلمون نعبد الله عز وجل ولا نشرك معه أحدًا.
فوصف له منزل أمير المؤمنين، ذهب الشاب على الوصف فوجد منزل من طين قديم، ووجد رجل بجوار
الجدار يصلح الجدار وثوبه مليء بالطين، فرجع للمسلم بالمسجد وقال له أتهزأ بي؟ أسألك عن أميركم
ترسلني لشخص فقير يصلِح الجدار؟! فقام المسلم مع الشاب حتى وصل لبيت عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين وقال له: هذا هو الأمير الذي يصلِح الجدار، فقال الشاب يا رجل لا تهزأ بي ثانيًا، قال المسلم والله هذا هو، فصُعِق الشاب وهو يتذكر كهنتهم المتكبرين على الناس.
وبينما هو مندهش يتأمل أتت امرأة مع ابنها وكانت تطلب من أمير المؤمنين أن يزيد عطائها من بين مال
المسلمين لأن أبنائها كثر، فجأة يقوم ابن المرأة ويضرب ابن أمير المؤمنين، تخاصما على لعبة صغيرة، وشق رأسه وأخذ الدم ينزف فهرعت زوجة عمر للولد حملته وصرخت على المرأة، فخافت المرأة وارتعبت بما فعل ولدها الصغير بابن أمير المؤمنين، ثم دخل عمر البيت ولف رأس ابنه، وخرج للمرأة وهدّأ من رَوعها وطمأنها وأخذ اللعبة من ابنه وأعطاها لولد المرأة ثم قال لها اذهبي للخازن وقولي له أن يرفع عطائك!
فقالت زوجة أمير المؤمنين: يضرب ابنك ثم ترفع لها المال وتهدي لابنها اللعبة؟!
قال عمر لقد أرعبتيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل أن يروع مسلمًا» (صحيح الترغيب:2806). ثم أكمل إصلاح الجدار.
وكان الشاب السمرقندي ينظر إلى ما يراه بتعجب شديد، وهنا اجترأ وتقدم بخطى بطيئة إلى عمر بن عبد
العزيز وسأله: أنت أمير المسلمين؟ فقال الأمير نعم وما شأنك؟ فقال يا أمير المؤمنين إني صاحب مظلمة، فردّ عليه الخليفة على من تشتكي؟ فقال الفارس: على قتيبة بن مسلم، فعلِم الخليفة إنها ليست شكوى بين اثنين، فأكمل الفارس شكواه: أرسلني كهنة سمرقند فأخبروني أنه من عادتكم أنكم عندما تفتحون أي بلد تخيرونهم بين ثلاثة أمور، أن تدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب..
قال الخليفة: نعم. هذه عادتنا، ومن حق تلك البلاد أن تختار بين الثلاثة..
قال الشاب وليس من حقكم أن تقرروا وتفاجئوا وتهجموا؟
قال الخليفة: نعم. فليس من عادتنا أن نفعل ذلك والله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك، ورسولنا الكريم نهانا عن الظلم.
فقال الشاب أما قتيبة بن مسلم لم يفعل ذلك، بل فاجأنا المسلمون بجيوشهم.
لما سمع الخليفة ذلك لم يصدر أمر، فليس من عادته أن يسمع لطرف واحد، فلا بد أن يتأكد.
فأخرج ورقة صغيرة وكتب فيها جملة من سطرين، فأغلقها وختم عليها، وقال الخليفة أرسلها لوالي
سمرقند وهو سيرفع عنكم المظلمة.
انطلق هذا الشاب من دمشق إلى سمرقند قاطعًا مسافة شاسعة في الصحاري والجبال وهو يقول: ورقة ماذا ستفعل ورقه أمام سيوف قتيبة بن مسلم المقاتل الشرس، حتى وصل إلى سمرقند وأعطاها للكهنة فقالوا له: أعطها للوالي ليقضي ما في الورقة..! ذهب الشاب وأعطاها للوالي..
استغرب والي سمرقند وتعجب من الرسالة ولكنه يعرف ختم أمير المؤمنين، فتأكد أنها منه، فتحها..
فكان فيها الآتي: "من أميرالمؤمنين إلى والي سمرقند السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نصِّب قاضيًا يحكم بين كهنة سمرقند وقتيبة بن مسلم، وكن أنت مكان قتيبة"، لم يشأ الخليفة أن يرجع قتيبة ويشغله عن فتوحاته، وإن رأى القاضي غير هذا الأمر فنفذوه، لم يستطع الوالي فعل شي إلا أن يفعل كما كتب في ذلك السطرين. فعيَّن القاضي سريعًا.
لكن أمَرَ القاضي أن يُستدعى قتيبة لحرصه على العدل، وخاف أن تخفى أمورًا على الوالي لا يعرفها إلا قتيبة، فحدد لهم يوم غد في المسجد يجتمع الكهنة، ثم أمر القاضي بجمع الناس وبحضور قتيبة قائد أقوى جيش يصول الأرض، كان قتيبة بن مسلم قد أكمل المسير للصين في فتوحاته الإسلامية فأتاه أمر القاضي بالرجوع، حينما رجع بعد مسيرة يومين متواصلة..
قالوا: خاف الكهنة عندما علموا بوصول قتيبة وأخذوا يتصببون عرقًا.
دخل قتيبة المسجد وضع سيفه وخلع نعله، ثم امتثل أمام القاضي، قال له القاضي اجلس بجوار خصمك.
هنا بدأت المحكمة: فقام الكاهن وقال: قتيبة بن مسلم دخل بلادنا بدون إنذار، كل البلاد أعطاها إنذار وخيارات دعوة للإسلام أو الجزية أو الحرب، إلا نحن هجم علينا بدون إنذار.
التفت القاضي للقائد الفاتح قتيبة بن مسلم ما تقول، هذه شكوى عليك؟
فقال قتيبة: أصلح الله شأن القاضي فالحرب خدعة، هذا بلد عظيم عقبة أمامنا وكل الذين كانوا مثله كانوا يقاومون ولم يرضوا بالجزية، ولم يرضوا بالإسلام، وهؤلاء لو قاتلناهم بعد الإنذار سيقتلون فينا أكثر مما نقتل فيهم، وبحمد الله بهذه المفاجأة حمينا المسلمين من أذى عظيم والتاريخ يشهد -تاريخ من قبلهم-، ولما فتحنا بلادهم العظيمة ما ورائهم كان سهل، نعم فاجأنهم لكن أنقذناهم وأدخلناهم الإسلام.
فقال القاضي: يا قتيبة! هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ فرد قتيبة لا. فاجأتهم لما حدثتك به من خطرهم.
فقال القاضي: يا قتيبة لقد أقررت، وإذا أقـرّ المدعي عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نَصَرَ الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل، والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهادًا في سبيل الله، ما خرجنا لنملك الأرض ونحتل البلاد ونعلو فيها بغير حق.
ثم أصدر هذا القاضي حكمه:
"حكمتُ أن تخرج جيوش المسلمين جميعًا من هذا البلد ويردوه إلى أهله ويعطوهم الفرصة ليستعدوا للقتال، ثم يخيروهم بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، فإن اختاروا الحرب كان القتال، وأن يخرج جميع المسلمين كافه من سمرقند خِـفـافـًا كما دخلوها -أي بلا مكاسب تجارية- وتُسلم المدينة لأهلها، وذلك تطبيقًا لشرع الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم".
بدأ المسلمون يخرجون من المدينة حتى القاضي قام وخرج من أمام الكهنة!
لم يصدق الكهنة هذا، وأخذ أهل سمرقند ينظرون للمسلمين حتى خرجوا وخلت المدينة من المسلمين!
ثم قال الشاب للكهنة والله إن دينهم لهو الحق أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ونطق الكهنة الشهادة ودخلوا الإسلام.
القصة ثابنة في كتاب تاريخ سمرقند وغيرها من دواوين التاريخ الصحيحة فلتراجع في مظانها
تلك هي قصة أعظم محاكمة عرفها التاريخ!
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
Sad Kamel
منذ