كيف تذُب عن عرضك؟
فقال له صاحبه: وما ضرُّك أن تكسب الحسنات ويأثموا؟! فرد عليه: وما ضرك أن تكسب الحسنات ويسلموا؟!
الحمد لله الذي أحلَّ الحلال برحمته، وحرَّم الحرام بحكمته، وأسبغ علينا حلل فضله ونعمته، والصلاة والسلام على الرسول الهادي لسبل الهدى والرشاد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
مرَّ أقطع الأنف مع أعور العين في طريق، فقال أحدهما لصاحبه: لعلنا نفترق! فقال الآخر: ولم؟ قال: حتى لا يقع الناس فينا.
فقال له صاحبه: وما ضرُّك أن تكسب الحسنات ويأثموا؟! فرد عليه: وما ضرك أن تكسب الحسنات ويسلموا؟!
بهذا المفهوم الرشيد ينبغي أن يعيش المسلم، يدفع عن نفسه مقالة السوء، ويذُب عن عرضه الغيبة، بعدم إيراد نفسه موارد التهم ومواطن الطعن، ورحم الله عبدًا دفع الغيبة عن نفسه.
وتأمل ذلك الموقف العجيب الذي مرَّ به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما خشي من الشيطان أن يقذف في قلب صاحبيه شرّا!
فعن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة رضي الله عنها مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: « »، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري؛ برقم: [2035]).
وتدبر ذلك التوجيه الكريم من ذلك النبي العظيم صلى الله عليه وسلم في حفظ العرض من الطعن فيه والكلام عليه بأمر يظنه البعض منا في زمن البعد الكبير من الجم الكثير عن النصوص الشرعية، يظنونه خور وضعف، ومهانة ودناءة، وما هكذا تورد يا سعد الإبل!
وكم تعجب من أقوام يضعون أنفسهم في أماكن الشبه، ويوردون أنفسهم موارد الفتن، ويحشرون أنفسهم فيما ليس لهم، ثم يقول قائلهم: لماذا تحدث الناس عني؟! أين حسن الظن بي؟ أين الذب عن الأعراض؟
وهي أسئلة مشروعة لمن حفظ نفسه، ودفع مقالة السوء عنه، ومنع تلبيس إبليس وأغلق مداخله على الناس، ولكن التفت إلى ذاتك، وراقب حركاتك، فإنما البلاء منك، فأنت من أعطى الشيطان السلاح ليضعه في أيدي من وقع فيك وتعدى عليك، وتذكر دائمًا: إذا اشرت لأخيك بأصبع الاتهام، أرجوك انتظر، وانظر ليدك التي أشرت بها، فكم من أصبع في يدك يشير إليك أنت؟! إنها ثلاثة أصابع، فكفّ النفس عن مواطن الريب، واحجب نفسك عن أماكن التهم، لتسلم، وتغنم!
- التصنيف:
- المصدر: