والله ستنجلي
المتأمِّل في أحوال المسلمين اليوم، يرى بوضوحٍ ما وصلوا إليه من تشرُّد وانكسار، وذلٍّ وعار، هجمَت عليهم المصائبُ بحَدِّها وحديدها، وأقبلَت الفتنُ والمحن بخَيلِها ورجِلها، تواترت الآلام، وتتابعَت الأسقامُ، وغرقَت أمة الإسلام في الضعف والشقاق والهوان، فِتَن بُليت فيها السرائر، وظهرت منها خبايا الضمائر، جراحٌ عميقة، ومؤامرات تُحاك تلو المؤامرات، وخِضَمٌّ موَّار من الفتن والأخطار.
المتأمِّل في أحوال المسلمين اليوم، يرى بوضوحٍ ما وصلوا إليه من تشرُّد وانكسار، وذلٍّ وعار، هجمَت عليهم المصائبُ بحَدِّها وحديدها، وأقبلَت الفتنُ والمحن بخَيلِها ورجِلها، تواترت الآلام، وتتابعَت الأسقامُ، وغرقَت أمة الإسلام في الضعف والشقاق والهوان، فِتَن بُليت فيها السرائر، وظهرت منها خبايا الضمائر، جراحٌ عميقة، ومؤامرات تُحاك تلو المؤامرات، وخِضَمٌّ موَّار من الفتن والأخطار.
ولكن مهما ادلهمَّت الأيام، وتجمّعَت المصائب الجسام، والأهوال العظام، يظلُّ هناك شعاعُ نور مُشرق أبدَ الدهر بين حالك الظلام، بشَّرنا بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: « » (متفق عليه).
إنَّ انتصار هذه الطائفة لن يكون بالسُّلطة ولا بالمال، وإنما بالثبات على دِين الله، والانتصار له بطبيعة الحال.
إن هذه الأمة منصورةٌ مهما تكالب عليها الأعداء، وقتَّلوا وأبادوا، ودبَّروا لها وكادوا؛ فبشائر النصر تلوحُ في الأُفق، ووَعْد الله عز وجل بالنصر والتمكين واقعٌ لا محالة.
فما من محنة إلا وتتلوها مِنحة، وبعد الليل يبزغُ الفجر، وبعد العسر يأتي اليسر، وبالصبر لا شكَّ يلزم النصر، إن سنة التداول الحضاري - الذي هو نهوضُ الحضارات وسقوطها، وارتفاع الأمم وهبوطها - ثابتةٌ لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، مصداقًا لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].
فشِدَّةٌ يعقبها رخاء، وهزيمة يَتلوها نصر، وطغيان يزيله عدلٌ، والمسلم بين هذا وذاك متقلِّب بين مقامَي الشكر والصبر، وهذه من مقامات العبودية الخالصة.
فالشِّدةُ والرَّخاء، والقبض والبَسْط، والسرور والحزن، والسرّاء والضرّاء يتعاقبون فينا بإرادته سبحانه؛ ليُصلح شأنَ عبادِه، فيدالون مرَّة ويدال عليهم مرة، فالأيام دُوَل، تارة يَغلب المسلمون، وتارة ينحسر المدُّ الإسلامي وتكون الغلبة والهيمنة لعدوِّهم، وعندئذ يتميَّز الطيب من الخبيثِ، والصالحُ من الطالح، ويتبين من أخلص في عبادته ممن يعبد اللهَ على حرف.
إن الهزيمة الحقيقية هي الهزيمة التي تنبعُ من داخل النفس الإنسانية، حين تترك أثرها يأسًا وقنوطًا من رحمة الله، وتَسَخُّطًا من أقدار الله، وكللاً وملالاً عن إكمال الطريق الموصلة إلى النصر الذي وعد به الله جلَّ وعلا.
والله عز وجل لا يَعجل بعجلةِ أحد، لا مبدِّل لكلماته، ولا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحُكمه، لا يبتلي أحدًا إلا بحِكْمة، ولا يعافي أحدًا إلا بحكمَة، علِمها من علم، وجهلها من جهل، فما أصابنا لم يكن أبدًا ليخطئنا، وما أخطأَنا ما كان ليصيبنا؛ فكلُّ شيء عنده بمقدار، هو الذي يهب الحياةَ، ووحدَه قادرٌ أن ينزعها، لا بإرهاب الطغاة وتسلُّط الجبابرة والعتاة، وإن كانوا مجرَّد أسباب تُحرّكها يد الأقدار.
إن الفرج والنصر ما كان ليسعى إلينا إلا حين نسعى نحن إليه، ونتقدَّم نحوه، متوكّلين على ربّنا، آخذين بأسباب عزَّتنا وتمكيننا، وليكن قدوتَنا في تحمُّل الشدائد والصبر على المصائب نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم؛ حيث أوذِي في نفسه وأهلِه فلم يزده كلُّ هذا إلا ثناءً على ربِّه، ورغبة في قربه، وزيادة في حبِّه، فأعلى مقامَه ورفعَ ذكرَه.
لن يدوم بلاء أبدًا، ومهما طال فحتمًا إلى زوال، وإنما علينا تنفيذ قوله صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
إن النصر ليس كلمةً تُقال، أو أمنيات تخطر على البال، ليس بالشعارات ولا الأحلام، ولا بالتمنِّي ولا الأوهام، وإنما تكاليف وأحمال ثقال، جهاد يحتاج إلى صبر، وإخضاع للنفس وقَهْر، وهو مع هذا ليس ضربًا من المستحيل، ولا شيئًا فوق طاقتنا، ولكنه فقط يحتاج إلى ثبات قلب، وقوةِ إرادة، وصدقِ عزيمة.
إن الله عز وجل ما ابتلانا ليعذِّبنا، ولا ليهلِكنا، ولا ليذلَّنا، حاشاه سبحانه، ولكنَّ القيم والموازين لم تكن لتستقيم إلا في جوٍّ المِحَن والابتلاءات التي تَصهر النفوس فتُطهرها، وتزيل الغشاوةَ عن عيونها وقلوبها فتُبصر الحقَّ، وينجلي لها الطريق على امتداد الأفق.
ابتلانا ربنا سبحانه ليختبرنا ويمحِّصنا ويبلوَنا أنشكرُ أم نكفر، ونصبر أم ننفر؟ ابتلانا ليكفِّر من سيئاتنا، ويُعلِي قدرنا، ويرفع درجاتنا؛ « » (رواه مسلم).
ابتلانا ليتعرَّف إلينا ونعرفه حقَّ معرفته؛ فتارة يبتلينا بالنِّعم لنعرف إحسانَه وبرَّه، وتارة يبتلينا بالمحن لنعرف عظمته وقهره، وهو في كلِّ هذا كريمٌ معنا لطيف بنا.
والبلاء في هذه الدنيا سنَّة ماضية كتبها اللهُ على عباده من قَديم الأَزَل، شِئنا أم أبينا.
وإن اختلفَت وسائل الابتلاء وتعددَت باختلاف الزمان والمكان، فإنها تبقى واحدةً في أهدافها وأغراضها ومقوّماتها؛ قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]، وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186]، وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: 35]، فالإنسان مسلمًا أو كافرًا، لا يخلو من التعرُّض لأنواع البلاء، فوطِّنوا أنفسَكم على الصبر الجميل.
إن النصر من ربِّنا سبحانه لا يكون إلا لهؤلاء الذين حقَّقوه في واقعهم، والتزموا منهجَ ربهم، وغيَّروا ما بأنفسهم.
فلا يتنزَّل النصرُ على النائمين الغافلين، ولا المنحرفين التائهين، ولا الضالين اللاهين؛ وإنما على المؤمنين الملتزِمين، الثابتين على منهج ربِّهم والمحافظين.
فلا نصر دون تَحكيم هذا الدين، واتِّباع سيِّد المرسلين، حينها فقط يُدرك التمكين؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
لن يغيِّر اللهُ ما بنا حتى نغيِّر ما بأنفسنا، ونُري اللهَ عز وجل من أنفسنا خيرًا، حين تمتلئ نفوسُنا ثقةً بالله، واستشعارًا من أعماق النفوس باستعلاء دينه، وهيمنة منهاجه، وأن الإسلام وحدَه مصدر العزَّة والتمكين.
حين ترَك المسلمون طاعةَ ربِّهم، وتوجيهات نبيِّهم، وأخلُّوا بالأعمال الصالحة، حين استبدلوا منهج الغرب بشريعتهم، وخلعوا لباسَ التقوى والكرامة من قلوبهم؛ أَدال اللهُ عليهم بتسلط الكفار والمنافقين؛ ليردَّهم إلى حظيرة الإيمان.
ولكن ليس معنى وعده سبحانه بالنصر، وأنه قادمٌ لا محالة؛ أن نخلدَ إلى الراحة والسكون، ونركن للدَّعة والهدوء، ونختار النوم واللهو والغفلة، فإنما نحن محاسَبون عمَّا قدَّمنا لدين الله، ومراعاتنا لعهد الله، ومسؤولون عن الدَّور الذي بذلناه لتحقيق هذا النصر المنشود.
استقيموا على أمر ربِّكم، كما أمركم، واستقبلوا الخيرَ والثمار الحاصلة لكم؛ قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16].
ولو صَدقوا وما في الأرضِ نهرٌ *** لأجرينا السماءَ لهم عُيونا
وأخضعنَا لِمُلكهمُ الثُريَّا *** وشيَّدنا النجومَ لهم حصونا
[شعر: محمد إقبال]
لكن حين يتخلَّف النصر، ويتأخَّر موعود الله لنا؛ علينا حينها مراجعة أنفسنا، وإصلاح ما بها مِن خَلَل حتى تستقيمَ على أمر ربها وتثوبَ إلى رشدها، فيكرمها بتحقيقِ ما وعدها.
ويجب أن نعلم أنه حين يتأخَّر النصر فإنَّما هذا لحكمة؛ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37]، ويعرّي زيف الباطل أمام جلالِ الحقِّ، ويقوى صِلة الأمَّة بالله عز وجل وحده، حين تعلم أنه لا مَلاذ ولا منجى منه إلا إليه، فتستقيم على جادَّة الطريق، وتنتظر النصرَ من ربها سبحانه وتعالى.
يمحِّص الله عز وجل عبادَه، فيزداد المؤمنون قوةً في الإيمان، ويزداد في معدنهم البريق واللمعان بصقلهم في المحن على مدى الأزمان، بينما تخورُ قُوى المنافقين ويرتدُّون على أعقابهم ناكصين، فلا بد إذًا من البلاء قبل التمكين، وتمييز الطيبين من الخبيثين، حتى يُنقَّى الصفُّ المسلم من أدعياء الدين.
والله عز وجل مع علمه بهؤلاء وأولئك، فإن عدله قد اقتضى أن لا يحاسبَهم بمجرَّد علمه بهم، فيبتليهم ليكشفهم في عالم الواقع، فيأخذهم حينها بما استعلن من أمرهم، وبما أظهروه من أفعالِهم، وليكشف أيضًا حقيقتَهم للعيان؛ فلا يظل الناس مخدوعين في صفاتهم وأحوالِهم، بل يفضح نفاقَهم ويكشفُ سترَهم ويُظهر زيفهم؛ ليأخذ الناسُ حذرهم، ويعتبروا بهم وبما يقع لهم.
وحكمةٌ أخرى من تأخير النصر: أن الله عز وجل لو أدام النصرَ والغلبة للمؤمنين، والظَّفر في كل موضع وحين، لطغَوا وتكبّروا، وركنوا إلى الدنيا، فيَبْلوهم قليلاً بالهزيمة لتنكسرَ نفوسهم، ويرجعوا إلى ربهم، فيستوجبوا منه العِزَّة والرفعة؛ فإنما النصر مع الخضوعِ والانكسار، لا مع العتوِّ والاستكبار.
نحن لا نشك لحظةً في قوة الله تعالى وإرادته، ووعدِه بنصر أوليائه وأهل طاعته، وقهر أعدائه وأهل معصيته، مهما بلغَت جموعُهم وتضافرت جهودُهم، ولا أعلم مؤمنًا صادقًا يثِق بوعد الله بالنصر، فيدبُّ اليأس أبدًا إلى قلبه؛ إذ لا يجوز في حقِّ ربنا جل وعلا - عقلاً أو شرعًا - أن يَظهَر الباطلُ على الحقِّ أبدًا، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18].
هي مُسلَّمات لا تقبل جدلاً ولا تحتمل نقاشًا، والقرآنُ الكريم والسنة المطهرة يشهدان بهذا، بل والتاريخُ والواقع أيضًا يؤيِّده ويعضده.
إن النصر ما كان يومًا بسبب قوَّة ولا جهدٍ ولا كثرة عدد، ولا بِعدَّة ولا عتاد، وإنما يحتاج لطرازٍ فريد يمتاز بقوة إيمان، وحسن ظن بنصر الرحمن، وثقةٍ بقوة الله ودفعه، ويقينًا صادقًا بوعده، وفوق هذا وذاك جهدٍ مبذول، وتضحية مقدَّمة لنَيل ما عنده.
وإن الباطل - وإن تسلَّط على الحق ردحًا من الزمن، وعربَد واستبدَّ، وملك وساد - محدود، لا يكون له دوامٌ ولا استمرار أبد الآباد.
ومهما استعلى واستفحلَ، واستقوى واستبسل، وامتدَّ واسترسل، فلا بدَّ من اندحاره ودمارِه، فالله عز وجل قد قدَّر نهايته، ووعد بزواله؛ قال تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الشورى: 24].
فاستدراج أهلِ الباطل من سنن الله الجارية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182، 183].
فلا يغرنَّك تمكين أهل الباطل في الأرض اقتصاديًّا، أو سياسيًّا، أو عسكريًّا، فهذا داخلٌ ضمن استدراجهم ولا ريب، فاستعلاؤهم هذا حالةٌ مستثناة، فهو زائلٌ بمجرد بلوغ منتهاه.
فسُنَّة الله مع العصاة تقتضي الإمهال وعدم الاستعجال، يمدُّ لهم ويمهلهم حتى إذا أخذهم لم يُفلتهم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
وحين يدلهِمُّ الليل، وتتراكم غيوم المحن، وتتوالى الضلالات والفِتن - الجَأ إلى الله ذي المنن؛ فهو وحده المخلِّص من الرزايا والهمومِ ما ظهر منها وما بطن، لا تضيِّع وقتك في البكاء على ما فات، ولا تَذهب نفسُك حسرات؛ بل اسكب على النفسِ الطمأنينةَ والهدوء لتعود أكثر ثباتًا واستقرارًا في مواجهة الفتن العابرة حين تمر بالوجود الإنسانيِّ، وانفُض عنك ما تراكم من غبار اليأس، واسعَ لنصرة دينِك، وابذل جهدك، ولبِّ نداءَ ربك.
فنحن لسنا بِدعًا في هذه الحياة، وإنما هي نواميس وقواعد منظِّمة، وسنن محكمة لا تتخلَّف، ونظام ثابت لا يتبدل ولا يتغير، وميزانُ عدل لا يخطئ ولا يظلم أزلاً وأبدًا، ولو نظرنا إلى تاريخ العالم وواقعِ الأمم لأدركنا الحكمةَ من وراء الأحداث، وعرفنا الغايةَ من إجراءات الوقائع، ولوضعنا الأحداثَ في مواضعها الدقيقة المقدَّرة في علم الله، فلا ننفصل بذواتنا عن تصميم هذا الكون وحركةِ أفلاكه، فنبصر طريقنا في ضوء ما حدث في الماضي وما يحدث الآن، فنمضي قُدُمًا في سيرنا، لا نتخاذلُ ولا نتراجع، مستيقنين أن النصر بيَدِ الله وحده، فنستسلم حينها لقَدَره في طواعيةِ نفس ورضا قلب وراحة ضمير.
وفي الختام نذكِّر أنفسنا بقوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 127، 128].
والحمد لله رب العالمين.
د. أسماء جابر العبد
- التصنيف:
- المصدر: