الخروج من المأزق

منذ 2009-01-18

تمر الأمة بأخطر مرحلة من عمرها منذ بزوغ نجمها، يوم شع ذلك النور من الغار، وجلجلت الدنيا بصوت أحمد صلى الله عليه وسلم..


(1)
في ظلمة ليل حالك السواد، يتخبط السائرون، يُهرعون إلى نقطة ضوء، يريدون الخروج، يشتد الزحام عند العنق، تخبّط وصراخ، أنفاس تتلاحق، قلوب بلغت الحناجر، خوف ووجل، ظلام دامس، بدأ الهمس يسري، تتضح معالم الهمس، الهمس بدأ يعلو.
ما هذا؟ أين نحن؟ أفي القبور نرقد؟ أم في سراديب الحياة الموحشة؟ تتشابك الأنفاس، تختلط الأصوات، تتضح بعض معالم الطريق.. تيه وتشرّد.. ضياع وأمل.. كأني أفقت من حلم.
كأني أفقت من كابوس مرعب، لا أدري ما سببه؟ إلا أني أذكر أني نمت ليلة البارحة على مضغ الوجع الذي داهم أمتي في كل جسدها (أنّى وضعتُ يدي على أي جزء ينتفض من الألم. أفقت وأنا أنظر إلى البعيد من النافذة الممزقة الستائر لعلي أجد بصيصاً من أمل يسكن هذا الألم).

(2)
تمر الأمة بأخطر مرحلة من عمرها منذ بزوغ نجمها، يوم شع ذلك النور من الغار، وجلجلت الدنيا بصوت أحمد صلى الله عليه وسلم، وهو يصدع بقول الحق تبارك وتعالى: { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر } [المدثر: 1-3] هذه المرحلة التي نعيشها، من أعراضها: مذلة، هوان، فرقة، تخلّف، تسلّط العدو، انهزام من الداخل، يأس وقنوط.
فيا ترى لماذا وصل المرض إلى هذه الدرجة من الانتشار في جسد هذه الأمة؟ وهل هناك بصيص من أمل في الأفق للشفاء؟ أم أن المنية تتربص فيها في أي لحظة؟

(3)
اليأس هو المنية التي تتربص بك، فمرض اليأس إذا نبت في أي أرض فلا حياة لكل كائن حي عليها.

(4)
العجيب أن الأمة تمتلك أخطر علاج في صيدليتها، ولمّا تستفد منه؛ لأنها لم توجد ذلك الطبيب الماهر الشجاع الذي يصفه لها بكل شجاعة. ما أكثر الأطباء، ولكنهم أغمضوا أعينهم، ودسّوا رؤوسهم في تراب الخوف، وراحوا يصفون لها ما هبّ ودبّ من الأعشاب والعقاقير التي زادت في حجم جسمها فأُصيبت بداء السمنة والتضخم، فصار هذا الجسم مرتعًا خصبًا للطحالب التي نبتت فيه فأُصيب بالوهن.

إذاً العلاج الذي لم يُستخدم بعد هو الكنز الذي أُهمل سنين طويلة، هو ذلك البلسم الذي سيعيد لها شبابها وقوتها بحول الله وقوته، تأمل هذا العلاج في هذا المقطع في هذا النص القرآني { واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا }

أليست الأمة متشرذمة؟ فما هي نتيجة الاعتصام والاتحاد؟ نحن بحاجة إلى بطل يعلق الجرس، ويصرخ في وجه الجميع ويقول: لا. لا. نريدها عودة إسلامية صافية إلى الذات، إلى الداخل، تُعاد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، ويُرفع الظلم عن المضطهدين، ويعرف كلٌّ دورة، وتُمنح الفرصة للعقول المسلمة لممارسة حق التفكير والمساهمة في البناء واتخاذ القرار في كل قضاياها المصيرية؛ -فالذكاء ليس ملكًا لأحد-، وتُمنح الفرصة لكل الأصوات أن تتحدث أن تشارك في صياغة حياتها، وفق منهج (وأمرهم شورى بينهم).

تُلغى تلك الفوارق الطبقية المقيتة تمامًا، مثل ما وقف ذلك العبد -الذي يُباع ويُشترى- بعد إسلامه مع ذلك السيد نداً إلى ند، ثم تشابكت الأيدي فأخرجت لنا جيلاً أنار الأرض عدلاً ومجدًا... أرأيت بلالاً يوم وقف بجوار عمر وعلي وصهيب وسلمان، فكانوا كجسد واحد. لماذا لا نكون في هذا الزمان جسداً واحداً؟ ألا يسعنا ما وسعهم؟ لماذا انتصروا في ذلك الزمان وسادوا؟ الأمر أيسر مما نتصور؛ فالجميع يحمل المشعل، والجميع لهم قيمة، والكل يتحدث ويشارك في البناء وكل له قيمة، الأمر الذي جعل أمير المؤمنين ابن الخطاب يقول قولته، ولا يخشى في الله لومة لائم: لو كان ذلك العبد حيًا لاستخلفته (ما أعجبك يا أبا حفص؟).

إذاً عناصر الإبداع متوفرة عند الجميع، فأُتيح لها الأرض الخصبة، وأُعطيت الأمان، ورفْع المعنويات؛ فأبدعت، وتفوّقت، فوصل الإبداع إلى أقصى الأرض، مما حدا بذلك الخليفة أن يُداعب تلك السحابة، وهي سائرة في الفضاء قائلاً: أمطري أنّى شئت، فسيأتيني خراجك!! فماذا يعني ذلك؟ ما الذي جعل سلطان الأمة يبلغ هذا الاتساع؟ هل كان هناك قوة خارجية أوصلت هذا الملك للأمة لهذا الحد؟ أبدًا.
فأقدام خيل البطل قتيبة بن مسلم مع بقية جند الله لاتزال محفورة في سفوح تلك الجبال وأوديتها، بينما كان العلم تشع أنواره من دار الخلافة، ومن المدينة، ومكة وغيرها، حتى صارت البلاد الإسلامية منارة يقصدها السالكون، إذاً أيها السادة، الأمر ببساطة، هل يمكن أن نعيد نحن التاريخ مرة أخرى؟ والله سبحانه وتعالى قد وعد بالتمكين لكن بشرط أن ننصره { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج:من الآية 40].

ما معنى هذا؟! والشرط الآخر هو إقامة ما نصّت عليه آية التمكين { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 41].

أخيرًا هذا بلاغ.. الكل مسؤول عن هذا التردي للأمة.. والكل عليه مسؤولية حمل المشعل مرة أخرى، ولا يُعذر أحد، فقط أفسحوا المجال للجميع للمساهمة.. فنقطة البداية تبدأ من الداخل.. ولن يحمي هذا الجسد ويدافع عنه إلا أهله.
اللهم هل بلغت..؟ اللهم فاشهد ..

المصدر: د. عبد الله العيادة - الإسلام اليوم
  • 0
  • 0
  • 3,913

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً