حرب على الإرهاب أم حرب على الإسلام ؟

منذ 2009-01-18

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }

 

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الدين .
منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ودين الإسلام يتعرض للحرب بشتى صوره؛ الحرب العسكري في ميادين القتال كغزوة بدر وأحد والخندق. أو الحرب النفسي ممثلاً في الطعن في دين الإسلام، أو الطعن في صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم .

وتوالت تلك الهجمات المقيتة على الإسلام وأهله، من عهد الخلفاء الراشدين، مروراً بالدولة الأموية، والعباسية، والعثمانية، حتى يومنا الحاضر؛ و لا ننسى تلك الهجمات الحاقدة على الدعوة المباركة: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والتي لا زلنا نسمع ( فحيحها) بين حين وآخر .
ولم يكن ثمة جرم ارتكبه المسلمون إلا أنهم سعوا بكل ما أوتوا من قوة لتعبيد الناس لربهم، ونشر دعوة التوحيد، ولعمر الله إن كان السعي في إدخال الناس في دين الله، وتحقيق التوحيد جرماً؛ فما أعظمه وما أحسنه من جرم! .

والعجب يأخذك أن ترى هذا الدين ينتشر بين الناس قاطبة عربهم وعجمهم ليس بقوة السلاح، ولا بكثرة المال، بل لأنه دين الله الذي ارتضاه للناس، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [الصف:9 ].

ولما شكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة تسلط المشركين عليهم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ... والله ليتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه.. » الحديث [ رواه البخاري : 6544] .

فالله مظهر دينه ومعلي كلمته لا محالة، وهانحن نرى كثيراً من المبشرات تلوح في الأفق؛ لما نرى إقبال الناس في أوربا وفي أمريكا وفي روسيا في بلاد العالم أجمع على هذا الدين؛ هذا الدين الذي يلبي حاجات الناس، ويشبع أرواحهم بعد أن ذاقت من ويلات الرأسمالية المادية، أو الاشتراكية الملحدة الهرمة، فتلفتوا يميناً وشمالاً فلم يروا كالإسلام ديناً في سماحته، وشموليته، وعظمته، وموازنته بين حاجات الروح وحاجات الجسد، فأقبلوا على الإسلام أفواجاً.

ولما رأى الغرب والشرق إقبال الناس على الدين عملوا جاهدين على طمس نور الإسلام والتشكيك فيه، والتأثير على أهله عن طريق الغزو الحربي تارة، وعن طريق الغزو الفكري-وهو أعظم- تارة أخرى. وحال المستشرقين قديماً وحديثاً ينبئك عن ذلك، والحملات التغريبية بأقلام عربية إسلامية لا تزال تنخر في جسد الأمة الإسلامية ليلاً ونهاراً .

ثم لما حدث ما حدث في يوم 11 سبتمبر وما تبعه من أحداث في بلدان كثيرة من أعمال تخريبية وتفجيرات طالت أنفساً معصومة، وأنفساً بريئة، وأطفالاً وشيوخاً ونساءً، ولم تسلم هذه البلاد المباركة من نار تلك الأعمال الإرهابية؛ بل اكتوت كثيراً من نارها، فيتمت الأطفال، ورملت النساء، وأتلفت الأموال بغير حق .

أقول: بعد تلك الأحداث وجد الحاقدون على الإسلام بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، أن هذه الأحداث فرصة لا تعوض للنيل من الإسلام وأهله، فشنوا الحرب على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب!، فطالبوا بحذف أو تحجيم المناهج الدينية لأنها تنمي في أنفس الناشئة حب القتل والتعطش إلى الدماء، ونادوا بحل جميع المؤسسات الخيرية لأنها تدعم الإرهاب، وصوتوا على إلغاء مدارس تحفيظ القرآن الكريم لأنها تفرخ الإرهاب.

ولعمر الله إن المناهج الدينية التي يطالبون بحذفها أو تحجيمها، قد درسها العلماء والأمراء والعامة الخاصة، فلم تؤثر في معتقداتهم وأفكارهم، ولم تجعلهم يقتلون الناس بغير حق، فكيف تُلغى مناهج تربى عليها أمة من الناس لأجل حفنة قليلة من الناس!؟

نحن علمنا ديننا أن المسلم معصوم الدم والمال والعرض، وعلمنا أن المعاهد والمستأمن معصوم بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلمنا أن في أعناقنا بيعة لولاة أمرنا لا ننزعها، وأن نطيعهم في غير معصية الله، وأن نقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم . وعلمنا أن نحب في الله ونوالي في الله ونبغض في الله ونعادي في الله، ولا يعني الولاء والبراء أن نزهق الأنفس المعصومة أو المستأمنة أو المعاهدة . فما بال أقوام شرقوا وغصوا بإيماننا بديننا، ودفاعنا عن ثوابتنا ؟

وهنا يبرز سؤال : هل هذا مما يطالب أولئك القوم بإلغائه أو تحجيمه ؟! .
فكيف تحل المؤسسات الخيرية في الداخل والخارج وهي تقوم بإعانة المنكوبين، والفقراء، ونشر الإسلام في حين المؤسسات التنصيرية تعمل جاهدة لإخراج المسلمين من دينهم، ولو فرضنا حدوث تجاوزات من بعض تلك المؤسسات الخيرية، فالعدل هو محاسبة المخطئ، لا أن تحل المؤسسات الخيرية من أصلها.
أما حلقات تحفيظ القرآن ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، فيكفيها شرفاً أنها تعتني بكتاب الله، ولكن أعداء الدين يعلمون أن هذه الأمة ما دامت متمسكة بكتاب الله حفظاً وعملاً به في شؤون حياتها ودينها، فإنهم لن ينالوا منها .

خاتمة القول: كلنا ينبذ الإرهاب ويمقته، ولكن ينبغي أن تحرر المفاهيم والمصطلحات، وأن توضع النقاط على الحروف، ولا يكون الحرب على الإرهاب عباءة يتدثر بها الحاقدون على الإسلام -لا كثرهم الله -، أو ذريعة وسلماً للطعن في عقائدنا وديننا.
فالله ناصر رسله وأوليائه وحزبه المؤمنين . وصلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم ، والحمد لله رب العالمين .

 

المصدر: فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب - موقع صيد الفوائد
  • 1
  • 0
  • 5,069

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً