علي شراب.. الإنسان ورحلة التغيير

منذ 2015-09-06

كن طيرًا يعشق النور وينبض بالحرية، عاليًا تحلق تلمس السماء، تنثر بين الناس الحب والسعادة والتسامح، باحثًا عن الجوهر رافضًا للمظهر، ضاربًا نحو الجذور معرضًا عن القشور، ناقشًا في القلوب البيضاء من حوله رسالة؛ حلمها في السماء وعملها في الأرض.

كن طيرًا يعشق النور وينبض بالحرية، عاليًا تحلق تلمس السماء، تنثر بين الناس الحب والسعادة والتسامح، باحثًا عن الجوهر رافضًا للمظهر، ضاربًا نحو الجذور معرضًا عن القشور، ناقشًا في القلوب البيضاء من حوله رسالة؛ حلمها في السماء وعملها في الأرض. لا تكن أسهل ما في الحياة، ولا تكن أصعب ما فيها؛ ولكن كن أنت الحياة في أسمى معانيها.

تلك هي كلمات المقدمة والافتتاح التي كان يستهل بها العلامة الدكتور علي شراب صاحب مشروع (الطريق إلى الحكمة) حلقات برنامج (رحلة التغيير) والذي حين سأله المحاور الرائع الأستاذ محمد خالد عن أي الكتب التي ينصح المشاهدين ليقرؤوها ليصلوا إلى هذه الدرجة من السكينة والهدوء الذي يتميز به شخصه قال: من أجلّ وأجمل ما قرأت ثلاثة كتب رئيسة كان لها أثر كبير في حياتي؛ الأول: مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله. الكتاب الثاني: إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله. الثالث: الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي رحمه الله. هذه الكتب من كتب التراث التي كان لها أثر كبير، أما من الكتب المعاصرة فللشيخ محمد قطب جزاه الله ألف خير عن المسلمين (رحمه الله) مجموعة كتبه كلها وخصوصًا التطور والثبات في حياة البشرية، دراسات في النفس الإنسانية، منهج التربية الإسلامية، جاهلية القرن العشرين. كان هذا في بداية حياتي في العشرينيات من العمر. أيضًا أثّر فيّ بشكل كبير كتابٌ الدكتور محمد عثمان نجاتي: القرآن وعلم النفس، والحديث النبوي وعلم النفس. انتهى كلامه.

بينما كنت أكتب هذا المقال إذ دق جرس الهاتف برقم غير معلوم لدي وحين أجبته مستقبلا بالسلام سائلا من المتصل؛ إذا ببصمة صوت قد ألفتها القلوب قبل الآذان، وإفصاح عن الشخصية بإجابة الكبار الذين قدر الله لهم العافية من معاناة اللهاث خلف الألقاب لسد ثغور ما يعتور النفوس من نقائص وخصال. فكانت الإجابة: معك علي شراب. وأنا الآن بالمطار عائد إلى المملكة وأردت أن أسلم عليك قبل المغادرة وأن أودعك.

لم يشأ الدكتور علي شراب -الشخصية التي رأيت بنفسي كيف يحتفي الكرام بتكريمه لهم في حفل تكريمهم- لم يشأ أن يغادر تركيا دون أن يختم رحلته بما بدأها به من فيض إنسانية مع الجميع، وعلو شمائل أهل العلم الذين يعلمون أن أزمة الأمة الحقيقية في واقعها المعاصر هي أزمة قدوة وسلوك، وأن الأمة باتت في مسيس الحاجة إلى فعل معلم في ألف متعلم، وليس لقول ألف معلم في متعلم، إن حرص المعلم الذي يحمل مشروعًا عالميًا سيخرج للأمة والعالم بإذن الله في مستهل العام القادم على أن يترك بصماته السلوكية فيمن حوله، والذين يعلّمهم أن العالم ليس بحاجة إلى ذكاء بقدر ما هو بحاجة إلى حكمة، وليس بحاجة إلى أذكياء بقدر ما هو بحاجة إلى حكماء، بل بحاجة إلى رحماء، وأن ما يدور في العالم من صراعات وحروب هو نتيجة الذكاء الذي غابت عنه الحكمة؛ لهو حرص الراعي لفسائل الخير بعد غرسها.

شكرته بما وسعني من عبارة شكر لكن الموقف دعاني إلى مزيد من التأمل في ثلاث مواقف له لم تمر عليّ مرور الكرام؛ بل هي من المعايير الشخصية التي أقرأ من خلالها مدى الاتساق والتوازن في شخصية الرؤوس المتصدرة من ذوي الهيئات وحملة العلم.

حين رأيت ما يُوليه الدكتور علي شراب من رعاية خاصة وحرص على القيام بنفسه بخدمة والد صديقه خادم القرآن الأستاذ محمد الحارثي بل ووالدنا جميعًا العم عواض الذي يتحرك بكرسي متحرك، وقد اصطحباه معهما من المملكة السعودية إلى تركيا، وحين دخلت إلى قاعة المحاضرة التي كان سيلقي فيها محاضرة لنخبة متميزة، ثم يقوم وآخرون بتكريمهم، فمكثت حيث انتهى بي المجلس وكان آخر الصف بالقاعة، فإذا به يأتي ويقول: لماذا تجلس هنا؟ فأجبته هو المكان المناسب والطبيعي فقال: لا! ثم وجه بي الكرسي حتى انتهى به إلى أول صف في القاعة بجواره وبجوار العم عواض والأستاذ محمد الحارثي. أما ثالثتها فحين شاهدته يقوم على تنسيق الطعام وترتيبه أو تقديم البعيد منه لبعض تلاميذه الحاضرين، وهو ينثر السعادة والحب بينهم على المائدة، ثم يختم اللقاء بتوجيه كلمات شكر حارة لفتاة ساعدته في إعداد الطعام لتلاميذه وللحضور؛ حين رأيت هذه المواقف السلوكية لشخصية تشغل حيزًا ليس بالقليل في واقع الأمة وقد وجدتني مشغولا بالتأمل في مثل هذه الدقائق لمثل هذه الشخصيات حتى نكون أمناء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا حين ننقل باطن أحوالها إلى الذين يهتمون كثيرًا بباطن أحوال ذوي الهيئات، ليس تتبعًا لعوراتهم أو مثالبهم؛ وإنما وقوفًا على ما عندهم من فضل خير في خلواتهم وليقفوا على حظوظهم من فضل ما يأمرون الناس به؛ فقد رأيت أن أقول لقرائنا الكرام: إننا بانتظار مشروع نأمل فيه وبه خيرًا للإنسانية جميعًا، من خلفه نفس علمت يقينًا أنه لن يكتب لكلمة بقاء ما لم يكن بينها وبين الصدق نسب عريق.

كما إننا سنتناوله بالطرح والمناقشة بإذن الله حين تأتينا النسخة الموجزة منه أو مختصره آملين من ربنا أن يرزقنا الصدق في القول والإخلاص في العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 2
  • 0
  • 4,367

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً