التربية العسكرية الصهيونية.. صورة واقعية!!

منذ 2009-01-24

والعالم العربي والإسلامي بحاجة إلى إعادة النظر في توظيفه للأساليب التربوية العسكرية مقارنة بتوظيف اليهود لها، لأن المرحلة القادمة من التصعيد الصهيوني تستدعى جيلاً متفرداً من المقاتلين المسلمين المربين تربية عسكرية إسلامية وفق قواعد فريضة الجهاد دون


خلال العقود الثلاثة الماضية تركزت المجهودات الرسمية العربية على مواجهة القتل والإفراط في إراقة الدماء الذي حدث بناءً على التوظيف الخاطئ لشروط الجهاد ومعناه من اتجاهات مختلفة، واستخدمت المؤسسات الرسمية في ذلك وسائل عدة يخشى البعض أن يكون قد نتج عنها تفريط بيّن في الأثر الإيجابي لمعنى فريضة نص عليها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بشروطها ووظيفتها الصحيحة الصائبة وبضوابطها العلمية المقبولة والمشروعة .

تلك الفريضة التي عمد الغرب إلى محاربتها ومحاولة طمس مفرداتها من الخطاب العربي، وإحداث هالة من الرعب يتوهمها البعض ويتوجس فيها الخيفة عند ذكر كلمة الجهاد، مع أنها فريضة إسلامية قد ينبني على تركها هلاك الفرد والأمة في الدنيا والآخرة.

وعلى العكس التام من ذلك وفي ذات الفترة نجد الكيان الصهيوني يغرس في مواطنيه منذ نعومة أظفارهم روح العسكرية والقتل انطلاقاً من وهم صهيوني باطل مفاده أن اليهودي يتقرب إلى الله بدماء المسلمين.

تأملات تربوية عسكرية بين الواقع الصهيوني والعربي تستوقف المتأمل للعدوان الجاري على أرض غزة وبسالة المقاومة الإسلامية التي تربت تربية عسكرية صحيحة، وعلى النقيض اختفاء روح المقاومة للمحتل عند قطاع عريض من المسلمين.

أما عن الجانب الصهيوني وعلى الرغم من حبهم للدنيا وكراهيتهم للموت وجبنهم الشديد أمام العقيدة الصلبة للمسلم المجاهد، إلا أن لديهم قدرا من التشكيل التربوي العسكري الذي يدعم قتلهم للمسلمين.

وعلى هذا النحو سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على التربية العسكرية عند الصهاينة وعقد مقارنة سريعة مع ما عند المسلمين في وقتنا الحاضر.

التربية العسكرية في الكيان الصهيوني:
إن المسلمة الرئيسية في التربية العسكرية الصهيونية أنها تربية عقدية، تنطلق من اليهودية المحرفة، وتستمد مرجعيتها من المطامع الصهيونية، إذن فهي مبنية على أساس ديني.

وعلى الرغم من أننا نعتقد في انحراف هذا الأساس، إلا أنه يعطي الناشئين قوة معنوية يستمدون بها تحركاتهم العسكرية في الميادين وفي الحياة العامة.

والتطبيقات العملية لهذه التربية العسكرية الصهيونية يمكن إيراد نماذج منها بالصور التالية:
- التجنيد إجباري داخل الكيان الصهيوني للرجل والمرأة حيث تبدأ الخدمة العسكرية عند المرأة والرجل من سن 18عام حتى 38 عام للنساء و40 عام للرجال، وتمتد خدمة المرأة في الجيش الصهيوني مدة عام ونصف العام، في حين يخدم الرجل لمدة ثلاث سنوات إجبارية، وشهر كل عام، إضافة إلى الخدمة الاحتياطية التي يدعى إليها في حالات الطوارئ. إذًا فنحن أمام مجتمع عسكري ذكوراً وإناثاً، والمناخ العام داخل المحيط الصهيوني هو مناخ عسكري، والتآلف مع الوضع العسكري سواء كان شكلياً في الزي والحركات أو مضموناً في التدريب والممارسات هو تآلف دائم اعتادت العين عليه وتربى الوجدان في ظلاله، وبالتالي فهو بمثابة تربية عسكرية بالقدوة للمجتمع ككل، كما أن هذه الفترة العسكرية من عمر اليهودي كافية للتكوين النفسي والعملي العسكري، ومن ثم يكون الجندي اليهودي مهيأً لتصدير ما تربى عليه عسكرياً لمن هو أصغر منه.

- الأم هي العماد التربوي داخل الأسرة والكيان الصهيوني له تعامل عسكري خاص ومتفرد مع المرأة الصهيونية حيث تخدم المرأة في الجيش الإسرائيلي خدمة إجبارية؛ فالجيش الصهيوني يعتبر أول جيش ألزم المرأة بالخدمة العسكرية، وتمثل المرأة في الجيش الصهيوني ثلث القوات العسكرية، وهذا يعطيها أهمية قصوى في الجيش وتواجدها يمثل عاملاً أساسياً في قوة الجيش الصهيوني؛ فقد تم دمجهن في أفرع الجيش العسكرية مثل سلاح الطيران والمدفعية والمشاة وكافة الأقسام الأمنية والإدارية التابعة له، واعتبر هذا القرار من قبل المنظمات النسائية الصهيونية قراراً تاريخياً واعترافاً رسمياً بدور المرأة والمجندة داخل الجيش. كما شهد عام 1978 تخريج أول دفعة من النساء الطيارات برتبة قائد طائرة وخاصة الطائرات من نوع "ستايلوك"، وكانت المجموعة تضم 12 فتاة وهو العام الذي شهد تخريج دورة ضابطات في سلاح المدفعية يتولين مسؤولية إطلاق المدفعية وإصدار الأوامر للجنود لإطلاق المدفعية، هذا فضلاً عن استخدام المرأة الصهيونية في تحقيق الأهداف العسكرية وفق القواعد الاستخباراتية الصهيونية المنحلة.

وبالتالي فنحن أمام إمرأة عسكرية، تكوينها النفسي ووعاؤها التربوي عسكري فكيف سينشأ أبناؤها؟

- ينشأ الطفل الصهيوني في أسرة خدمت أباً وأما في الجيش الصهيوني، ويدر كان عملياً معنى الجندية والعسكرية ودورهما في خدمة الأهداف الصهيونية، ومحاربتهم للمسلمين، ومن ثم تكون مرجعيتهم التربوية لطفلهم سائرة وفق نهج عسكري تزداد حدته كلما ازداد التدين اليهودي للأسرة، ليأتي دور التعليم ليكون مكملاً للدور التربوي العسكري الأسري.

- المناهج التعليمية جميعها تكرس كراهية اليهودي للمسلم وتصور المسلم بصور عكسية تسقط عليه كل الجرائم الصهيونية التي يرتكبها اليهودي، وفي ضوء ذلك يزيف واضعي المناهج الحقائق التاريخية والجغرافية من أجل إيجاد جيل من اليهود ليس لديه أدنى استعداد لمناقشة ما غرس فيه من أباطيل.

- تعمل المناهج التربوية في التعليم الصهيوني على بث روح الجندية والعسكرية وشرف القتال في سبيل العقيدة اليهودية في نفوس الطلاب، ليصير الطالب وكأنه جندي في الجيش أو على أقل تقدير يكون معد إعداداً نفسياً جيداً للانخراط في صفوف الجيش الصهيوني.

- تقوم حضانات رياض الأطفال بتنظيم رحلات للأطفال إلى قواعد الجيش الصهيوني وتحرص الإدارات على أخذ صور تذكارية لكل طفل وهو يقف فوق دبابات الجيش، وبعد ذلك يتم توزيع رايات ألوية الجيش على الأطفال، فالصور الذهنية المطلوب رسمها في الأطفال هي إكبار الجيش وحبه وتقديره، وفي ذات الوقت إبراز اهتمام الجيش بالطفل ليصنع معه رابطة وجدانية، يتوق الطفل من خلالها للمساهمة مع الجيش بأي شئ وهنا تأتي الخطوة التالية.

- في حالات الحروب يحفز الأطفال على كتابة رسائل عدائية على الصواريخ الصهيونية قبل إطلاقها على المسلمين، وجزء من هذا تم ابرازه إعلامياً في الحرب على لبنان.

- يتم تنظيم رحلات لطلاب المرحلة الثانوية إلى مواقع الجيش الصهيوني، حيث يشاهد الطلاب مناورات وتدريبات بالذخيرة الحية، هذا فضلاً عن زيارتهم إلى المواقع التاريخية التي شهدت معارك بين الجيش الصهيوني والجيوش العربية، ليربط الماضي بالحاضر ويجعل النفس اليهودي دائماً مشتاقة لأرض المعركة.

- هناك عمليات متبادلة بين المدارس في الكيان الصهيوني وبين ألوية الجيش والوحدات المختارة حيث تكلف المدارس الطلاب وتحثهم على إرسال رسائل إلى الجنود لشكرهم على الجهود التي يبذلونها لحماية الكيان الصهيوني.

- تقوم ألوية الجيش الصهيوني بإلصاق لوحات دعائية لها في المدارس الثانوية لحث الطلاب على التطوع في صفوفها بعد تجنيدهم الإجباري للجيش.

- تتعاون المدارس الصهيوينة مع شعبة القوى البشرية في الجيش لتنظيم دورات تجنيد للطلاب خلال المرحلة الثانوية وذلك لإعدادهم لمرحلة الجيش، حيث يقوم الضباط والجنود بالتحدث إلى الطلاب في فصولهم الدراسية متفاخرين بما يقومون به من أجل الكيان الصهيوني، ومن أجل قضيتهم العقدية.

- قامت وزارة التعليم الصهيونية بتمويل مشروع يطلق عليه (تسافنا) ويهدف إلى تأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في سلك التعليم، والضباط الذين تم تخرجهم من هذا المشروع عملوا فعلياً في المدارس والادارات، ويدرسون للطلاب في الفصول لتزداد التنشئة العسكرية الصهيونية ثقلاً وحيوية.

إذًا فنحن أمام منظومة تربوية عسكرية متكاملة تبدأ من الطفل وتنتهي إلى الطفل، فما واقع هذه المنظومة في عالمنا العربي؟

التربية العسكرية في العالم العربي والإسلامي:
قبل تناول هذه الجزئية وحتى لا نفتح مجالاً للهزيمة النفسية قبالة العدو الصهيوني نؤكد على حقيقة هامة أنه على الرغم من توظيف الصهاينة لكافة الأساليب التربوية في التنشئة العسكرية لكل المجتمع الصهيوني إلا أن أساسها العقدي باطل، ولو استخدم المسلمون الأساليب التربوية العسكرية ذاتها في تنشئة أطفالهم عسكرياً وفق الضوابط الشرعية ما خرج يهودي واحد من بيته.

ويبقى أنه رغم هذا التوظيف اليهودي المتميز لأدوات التربية العسكرية إلا أن مخرجات هذا المحضن التربوي في النهاية تفتقر إلى الشجاعة القتالية الحقة التي تستلزمها المعارك الحربية وتوفرها التربية العسكرية الاسلامية يقول الله تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [سورة الحشر: 14].

أما بالنسبة لواقع التربية العسكرية عندنا فنجد أن الغارة على العالم الإسلامي عمدت منذ لحظاتها الأولى على تغييب فريضة الجهاد تماماً عن العقل والوجدان العربي والمسلم، وعن كافة المحاضن التربوية في العالم الإسلامي وظل هذا الأمر قائماً حتى يومنا هذا، حتى ولو كان الرمز للجهاد شكلياً، وما الحرب على المناهج الشرعية والدراسية في العالم الاسلامي لحذف كل ما له صلة بالجهاد منها إلا جزء من هذه الغارة.

ولذا فإن الصور على طمس التربية العسكرية كثيرة حتى يكاد المتابع يجزم أنه لا يوجد إلا نذر قليل من التربية العسكرية في العالم الإسلامي.

والعالم العربي والإسلامي بحاجة إلى إعادة النظر في توظيفه للأساليب التربوية العسكرية مقارنة بتوظيف اليهود لها، لأن المرحلة القادمة من التصعيد الصهيوني تستدعى جيلاً متفرداً من المقاتلين المسلمين المربين تربية عسكرية إسلامية وفق قواعد فريضة الجهاد دون إفراط أو تفريط.

ومن هنا يمكن تلمس بعض الومضات التربوية العسكرية التي يمكنها أن تعين في بناء هذا الجيل:
1- إحياء سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في غزواتهم مع الكفار والمشركين وكذا المواقع الحربية التي انتصر فيها المسلمون عبر التاريخ وكيف كان بذلهم وتضحياتهم من أجل خدمة الدين الإسلامي وإعلاء رايته. وهذا الإحياء واسقاطه على الواقع الراهن يكون بكافة الوسائل التربوية داخل المجتمع فالأسر تغرس في نفوس الأبناء هذه العزة وتلك الانتصارات، والعلماء والدعاة يرفعون من جرعة تناولهم التربوي لهذا المجد، ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تكثف من موادها الإعلامية التي تحوي تلك المضامين بما يخدم العملية التربوية، والقائمون على أمر التعليم يكثفون من تضمينهم لتلك الانتصارات والفتوحات في الكتب الدراسية وصياغتها بصور تربوية تناسب المراحل العمرية المتعددة.

2- قيام أحد دور النشر أو المراكز البحثية بعمل مشروع بحثي قومي يعمد إلى جمع وتوثيق التراث الإسلامي في المجال العسكري منذ بداية الغزوات الإسلامية إلى عهدنا هذا لخروجها في موسوعة ضخمة من داخلها يتم نشر مجموعات وسلاسل متوسطة الحجم تؤرخ للأمجاد العسكرية الإسلامية مع صياغتها بصورة تربوية تنمي في المجتمع روح البسالة والشجاعة والصمود. وهذا المشروع الضخم يحتاج إلى تمويل وفير ويمكن عمل وقفية خاصة به تمكن فريق البحث من انجازه في أسرع وقت وبأفضل جودة.

3- على درب الخطوة السابقة يمكن للباحثين والمتخصصين أن يقوموا بالبحث في سير أعلام قادة المسلمين عبر التاريخ وكيف رباهم الإسلام، وما الذي صنعوه ليصبحوا أعلاماً عسكريين، وتقديم هذه النماذج للمجتمع في صورة قدوات عسكرية اسلامية ينبغي الاقتداء بها.

4- تضمين مادة مستقلة خاصة بالتربية العسكرية لكل المراحل العمرية في المدارس والجامعات؛ وتكون مادة إجبارية وتهدف إلى تقوية عقيدة المسلم، وغرس قيم الصمود والاستبسال في المقاومة بداخله، إضافة إلى تفتيح مدارك الطلاب العسكرية لفهم واستيعاب خطوط سير المعارك مع العدو ومخطاطتهم في غزو الأمة. وهذه المادة يمكن إسناد تدريسها إلى الضباط المتقاعدين حيث يتم تأهيلهم تربوياً وتعيينهم بالمدارس والجامعات ليتولون تدريسها.

5- إعادة ربط الجيش بالمجتمع وتكوين علاقة وجدانية فيها حب وألفة بين أفراد المجتمع والجيش.

6- تنظيم الرحلات الطلابية للوحدات العسكرية والمتاحف الحربية لترسيخ الصورة العسكرية في نفوس الطلاب.

7- العمل على تنشئة الفتيات على الإيجابية في الحروب ليكون لهم أدوار أثناء الحروب ولاتتسم مواقفهم بالسلبية أو الضعف، وهذه الايجابية يمكن أن تكون في صورة التدريب على التطبيب، مع التهيئة للقيام بأدوار معاونة للمقاتلين في ساحات المعارك من إعداد الأطعمة وحياكة الملابس، والبذل والعطاء بالمال وغير ذلك من وسائل المعاونة.

8- على مستوى الأسرة فالآباء مطالبون بتضمين ثقافة التربية العسكرية ضمن أساليبهم التربوية مع أبنائهم، والمصحوبة بتقوية العقيدة الإسلامية في نفوس الأبناء، وفي ظل الأجواء العدوانية الراهنة المتمثلة في الاحتلال الصهيوني للأراضي الاسلامية يتم تنمية روح المقاومة والاستبسال والصمود في نفوس الأبناء، والحرص على تنشئتهم على روح الأخوة مع المسلمين المستضعفين هناك وأن القضية ليست مسألة شعب يبحث عن حقه في الأرض ولكنه صراع بين حق وباطل لابد فيه للحق أن ينتصر بإذن الله.

وبعد فهذه بعض الومضات التربوية السريعة في المجال العسكري والساحة مفتوحة لطرح مزيد من الرؤى والأفكار المعينة لتضمين ثقافة التربية العسكرية داخل المجتمعات الاسلامية لتكون محصنة وصامدة ضد أي عدوان عليها.


الهيثم زعفان | 14/1/1430
[email protected]



المصدر: منقول
  • 5
  • 0
  • 8,082
  • السيد النمر

      منذ
    [[أعجبني:]] مقالة جيدة واعجبني اضا انها تدعو الي تنشئة الطفل علي حب الله ورسولة والصحابه وتشجيعه عل ان يحزو حزوهم وتشجيعه ايضا علي ان يتعلم امور دينه بشكل تام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً