لله نفحات

منذ 2015-09-22

من الأدب مع الله جل وعلا أن يتعرض العبد لنفحاته ويقبل عطياته وهباته؛ ومن تلك النفحات هذه الأيام التى نحن فيها والتي تستحق منا وقفات مختلفة وعناية من نوع آخر؛ علنا نكون ممن تعرضوا لتلك النفحات؛ نفحات الله.

تلك حقيقة شرعية ينبغي أن يدركها كل مؤمن؛ الحياة مليئة بالملهيات ومكتظة بدواعي الغفلة والنسيان، والله يريد من عبده أن يتذكر؛ أن يؤوب ويتوب؛ {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27].

لأجل ذلك جعل الله تلك المحطات؛ محطات تقوية يشحن فيها قلب المؤمن بالإيمان؛ ويعود منسوب التقوى للارتفاع مواجها غمرات الغفلات والشهوات؛ ويقترب العبد أكثر فأكثر؛ وتعلو درجته أكثر؛ ويثقل ميزانه أكثر.

كلما تأملت فى آيات المثوبة وأحاديث الفضائل والمكرمات تتأكد لديك تلك الحقيقة؛ تتأكد وتتيقن أكثر فأكثر أن ربك شكور كريم؛ ذو فضل عظيم؛ قال عنه نبيه في الحديث الحسن: «افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ» (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، مع كل نفحة من نفحات ربنا لابد من تذكر هذا المعني؛ معنى شكر الله لعباده الطائعين؛ وكثرة خيره وفيض ثوابه.

إن شكر الله موضوع هائل لا يستطيع أحد الوفاء بحقه في أسطر قليلة؛ وإن المرء ليذهل حين يتأمل قدر الشكر فى مقابل العمل؛ الله يشكر علي العمل القليل بالجزاء الجزيل؛ وهذا هو معني الشكر لغة وشرعا.

في اللغة الشكر هو الزيادة. يقال دابة شكور؛ إذا أعطت النتاج الكثير الوفير مع العلف القليل؛ وهو معنى لغوى يستقيم مع المعنى الشرعى الذى كثرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌشَكُورٌ} [فاطر:30].

فالشكور جل وعلا من معانيه السامية أنه هو الذى يغدق على عباده الطائعين بالجزاء الجزيل؛ على العمل القليل {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى:23].

غالبا ما تجد معنى الشكر فى القرآن مصحوبا بالزيادة و المضاعفة: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن:17].

إن أقل الأعمال وأهون القربات؛ تورث ما لا يسعنا وصفه من الخيرات والحسنات؛ وتلك الأيام التي نحن فيها تعد نموذجا واضحا لذلك الشكر العظيم؛ أيام العشر الأول من ذي الحجة. تلك الأيام التي يستطيع العامل فيها ويمكن للطائع من خلالها بحسب حديث النبي أن ينافس المجاهد فى سبيل الله. المجاهد! ذلك الذى ارتقى ذروة سنام الدين.

نعم؛ تستطيع أن تنافسه في هذه الأيام؛ بل وتتفوق عليه كما ثبت عن خير الأنام عليه الصلاة والسلام؛ إنها حقا أيام مختلفة؛ أيام فارقة؛ قال عنها حبيبك صلى الله عليه و سلم أنها: «أفضل أيام الدنيا» (رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني).

هكذا تفضيل بإطلاق؛ جعل فريقا كبيرا من أهل العلم يقطع أنها أفضل بنص ذلك الحديث محكم اللفظ؛ يكفيها احتواءها على هذا اليوم الذي يُكفِّر صيامه عامين؛ يوم واحد بعامين؛تخيل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة: «يكفر السنة الماضية والسنة القابلة» (رواه مسلم).

ما أعظم هذا الكرم وما أطيب نفحات الله؛ تكفير سيئات عامين كاملين ببضع سويعات من الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة؟ هل بذل هذا الممسك مجهودا خارقا للعادة؛ أو ضحى بنفسه أو ماله لينال هذا الفضل العظيم؟
الجواب؛ لا.

إن مجرد تذكر هذه الذنوب التي أقترفناها في عام كامل مضى أمر مرهق؛ بل قد يكون مستحيلا علي بعض الناس عد ذنوبهم؛ فما بالك بأنك لن تعد وحتي لن تتذكر، بهذه السويعات القليلة تنال مغفرة كل تلك الذنوب، لا شك أنه ليس من سبب لذلك إلا قوله سبحانه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} [الجمعة:4].

إنها النفحات الكريمات؛ وإن من الأدب مع الله جل وعلا أن يتعرض العبد لنفحاته ويقبل عطياته وهباته؛ ومن تلك النفحات هذه الأيام التى نحن فيها والتي تستحق منا وقفات مختلفة وعناية من نوع آخر؛ علنا نكون ممن تعرضوا لتلك النفحات؛ نفحات الله.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 5,416

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً