كي لا نكون سبباً في ذبح إخواننا!!
ولا شك أن أقوى ما تستعد به الأمة هو صدقها مع الله وطاعتها له سبحانه, فهي أساس النصر وهي التي تحفز المسلمين وتطلقهم للجهاد ولإعداد العدة اللازمة له, لكي يحموا إخوانهم وأنفسهم ويستعيدوا مجدهم المُضيَّع...
أَوَ مَا يُحَرِّكُــــــــــــــكَ الذي يجري لنــــــــــا *** أو ما يُثيـــــــــــــــرك جُرحُنَا الدفـــــــــــــاقُ
أمر مهم يجب على الأمة أن تدركه وأن تنتبه له وهو أننا نحن المسلمين عامةً أفراداً ومجتمعات مسؤولون عن استمرار مآسي ومذابح الأمة إن لم نصدق مع الله ونلتزم بأوامره, لأننـــــــا بتقصيرنا واستمرارنا في الذنوب وتركنا الجدَّ في الدعوة إلى الله والإصلاح نكـــــــــون سبباً في ضعــــــــــــــــــف الأمة, وبالتالــــــي نكون سبباً في عجز الأمة عن حماية أبنائها ووضع حل جذري لهذه المآسي, فنكون من أسباب استمرار مذابح المسلمين.
يقول الشيخ المجاهد محمد محمود الصـــــــواف رحمه الله في كتابه القيم (أثر الذنوب في هدم الأمم والشعوب): "فبينما نحن معشر المسلمين أمة قاهـرة ظاهـــرة في الأرض لنا الملك والسلطان والسيف والصولجان ؛ ولنــــا الكلمة العليا؛ إن قلنا أصغـت الدنيا لقولنا؛ وإن أمرنا خضعت الأمـــــــــــم لأمرنا وسلطاننا,... فلمـــــــــــا تركنا أمر ربنا وخالفنا قواعد ديننا وتنكبنـــــــا الطريق المستقيم الذي رسـمــه الله لنا وخط لنا خطوطه واضحة بينة قوية وأمرنا بالسير فيه وسلوكه، لمـــــــا سلكنا هذا السبيل المعـوج صرنا إلى ما صرنا إليه من الـفـرقـــــــــــــة والشتات والذل والهوان. وهل في الدنيا والآخرة شر وداء وبلاء إلا وسببـــــه الذنوب والمعاصي وترك الأوامر والنواهي".
يقــــــــول سماحة العلامة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله في رسالة له عنوانها (أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم) كلمة عظيمــــــــــــة ينبغي لكل الأمة ولكل فرد من أفرادها أن ينتبه لها:
"ومتى فرط المؤمنون في هذه الأمور فهم في الحقيقة ساعون في تأييـــد عدوهــــم في نصــره عليهم، والمعنـــى أن معاصي الجيش عون لعدوهم عليهم كما جرى يوم أحد فعلى المؤمنين جميعاً فــــــي أي مكان أن يتقـــــوا الله، وأن ينصــــروا دينه، وأن يحافظوا على شرعه وأن يحذروا مـــــن كل ما يغضبـــه في أنفسهم، وفيمن تحت أيديهم وفي مجتمعهم".
وأحب أن أؤكد أن سماحة الشيخ رحمه الله لا يقصد بكلماته أن المسلمين الذين يسعون في تأييد عدوهم بارتكابهم المعاصي هم فقـــــــط أفراد جيش المسلمين عندما يكونون في ساحة القتال, فإن ما يقصده عام ويشمل المسلم ولو كان في خارج ساحة المعركة ,فهو بتقصيره يكون سببـــــاً في أن تكون العزة والمنعة والغلبة لأعداء الدين وسبباً في هزيمة الأمة وتأخـــــر نصرها, بل إن أكثر كلامه في هذه الرسالة كان عن سلوك المسلمين في كل حياتهم, وعن تطبيقهم لأوامر الله وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فليرجع إليها من أحب الاستزادة.
وما أعظــــــــــــــــم هذه الكلمات للشيخ محمد الغزالي رحمه الله من كتابه القيم المهم (حصاد الغرور) والتي تستحق أن تكتب بماء الذهب، وهي وإن كان على ما يبدو أن الشيخ يقصد أكثر ما يقصد بها الذين يقلِّلون من أهمية الدين والتدين والذين يُضيِّعون على المسلمين أحكام دينهم ويساعدونهم على التخلي عنها ويضيقون على الدين وأهله, إلا أن مدلول كلمته عام ويشمل كل مفرط في التزامه بأوامر الدين لأنه بذلك كما ذكر الشيخ يرحمه الله يعين أعداء الدين على المسلمين. وقد أشار الشيخ في مواضع عدة في هذا الكتاب إلــــــــــى أثر الذين يفرطون في الالتزام بالدين على تحقيق التمكين للكافرين.
واسمحوا لي أن أقول ُمذكــــــــراً لإخواني المسلمين وأخواتي المسلمات؛ ليتنا نكتب كلماته القادمة على باب كل مذنبٍ ولاهٍ لأنه لا يذنب فقط في حق نفسه بــــــــل في حــــــق أمته جمعاء وحـــــق اليتامى والثكالى والمذبحين, بل نكتبها على باب كل مقصر في الدعــوة إلى الله التي هي السبيل لعودة الأمة, بل نكتبها على باب الدعاة الذين يقصرون في دعوتهم وهم يرون أمتهم بها ما بها ثم لا يبذلون غاية جهدهم, بل وغيرهم وغيرهم لأن كل هؤلاء يؤخــــــــــــــــرون نصر الدين ويؤخــــــــــــــرون الفرج على المسلمين.
يقـــــــــول الشيخ الغزالي في كلمته الهامة هذه:
"إن الدين بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس ضماناً للآخرة فحسب إنه أضحـــــــى سيــــــــاج دنيانا وكهــــــــــف بقائنا. ومن ثم فإنى أنظر إلى المستهينين بالدين في هذه الأيام على أنهم يرتكبون جريمة الخيانـــــة العظمـى، إنهم - دروا أو لم يدروا - يساعدون الصهيونية والاستعمار على ضياع (بلداننا) وشرفنا ويومنا و غدنا...!!
فــــارق خطيــــــر بين عرب الأمس وعرب اليوم. الأولـــــــون لما أخطؤوا عرفوا طريق التوبة ، فأصلحـــــــــــــوا شأنهم، واستأنفوا كفاحهـــم، وطردوا عــدوهم...".
ويقـــــــــول الشاعر الأستاذ محمد الوقداني في هذه الأبيات المعبرة عن كيف أننا بحق نساعـــد الأعداء بتقصيــــرنا:
نحــنُ ساعدنا الأعـــــادي *** بالتوانــــــي والرقــــــــادِ
لو رأوا صفا قويــــــــــــاً *** مستعــــــــــداً للجهــــــاد
لأنابُـــــوا واستجابـــــــوا *** ثمَّ ثابـــــوا للرشــــــــــادِ
غيرَ أن الضـعف يُغـــــري *** كلَّ عــادٍ بالتمــــــــــادي
ولا شك أن أقوى ما تستعد به الأمة هو صدقها مع الله وطاعتها له سبحانه, فهي أساس النصر وهي التي تحفز المسلمين وتطلقهم للجهاد ولإعداد العدة اللازمة له, لكي يحموا إخوانهم وأنفسهم ويستعيدوا مجدهم المُضيَّع.
أخــي المسلم: هل أدركـــت الموضوع تماماً, وبيقينك الجــــــــــازم. إنها كالمعادلة: ذنـــوب نرتكبها بإصــــــــرار ومجاهـــــــــرة... ينتج بسببهـــا أمة إسلامية ضعيفة.... تعجــــز عن حماية أبنائها.... مما يــؤدي إلى استمرار ذبح إخواننا... (وقد يأتينـــــــــا الدور!، نسأل الله السلامة والعافية).
والحل هو العودة إلى الله والدعوة (عــــودة ودعــــوة ), وأي تقصير منك في ذلك يعني ذبحاً لإخوانك!!
ولنستمع بقلــــــــــــوب مصغية لهذا النداء المؤثر في القرآن العظيم كلام ربنا سبحانه, مستشعرين جلال وعظمة ورهبة هذا التوجيه الرباني من ربنا وخالقنا المنعم علينا والغني عنا القوي الجبار سبحانه ؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الأنفال: 27].
ورد في تفسير هذه الآية ما ذكره ابن كثير: "والخيانـــــــة تَعُـــــــم الذنوب الصغــــــــــــار والكبار اللازمــــة والمتعدية".
وتشمل كما ذكر سيد قطب في (الظلال): "التخلـــــــــــي عن حمل أمانة الدين والدعــــــــــوة إليه والجهـــــــــــــاد في سبيله".
وخالقنا العظيم الجبار يخاطبنــــــــــــــــــــــــا بقوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}, وهي كلمة يعجـــــــــز اللفظ عن استيفاء مدلولاتها وإيحاءاتها العظيمة التي تُلقيها في النفس, فربنا ذو الجــلال يعاتبنا سبحانه عن تخلينـــا ونحن من العالميــــــــــن بما حملناه من الأمانة والمسؤوليات.
ونخشـــــــــى أنه لا عـذر اليوم لنا اليوم... لا عـذر لنا اليوم ....... بعــــــــــــــــد أن رأينا ما رأينا... بعـــــــــــــــد أن رأينا ما رأينا.
خاص بالدكتور مهدي قاضي
- التصنيف: