جزاء سنمار.. وكل سنمار

منذ 2015-11-01

على قبابه الذهبية انعكست أشعة الشمس لتلقي أضواءً مبهرة على أبراج ذلك القصر المنيف الذي لم يُر مثله في تلك البقاع من قبل
نظر إلى القصر مشدوها فاغرا فاه وقد أذهلته روعة البناء وبديع زخارفه وانعكاساته الأخاذة
انبهارا يعتريه رغم أنه مصممه ومهندس بنائه
انبهارا جعله يتذكر تلك الأعوام التي قضاها في تزيينه والإشراف على بنائه حجرا حجرا 
عشرون عاما من الجهد المضن قضاها في صبر وجلد ليخرج هذا الصرح العظيم
عشرون عاما مرت عليه ثقيلة طويلة شاقة ما يخفف من مشقتها إلا المكافأة الأسطورية والجزاء الجزيل الذي يمني ويذكر نفسه به كلما ثقل عليه العمل لإنجاز ذلك البناء الذي يمثل أمامه الآن
بل إن شئت الدقة فقل هذه التحفة المعمارية الحضارية المذهلة
إنه قصر الخورنق العتيد
"ما هذا الجمال أيها المهندس"
"لقد تفوقت هذه المرة على نفسك حقا" 
هكذا صاح من خلفه منبهرا بالقصر المشيد
التفت ليفاجأ بالنعمان نفسه يقف خلفه ولا يستطيع أن يرفع بصره الذاهل عن تحفته المعمارية
إنه النعمان بن امرء القيس اللخمي ملك الحيرة 
هو مليكه وسيده الذي كلفه بتلك المهمة منذ سنوات طويلة
ها قد حان الوقت وها هي نظرات الإعجاب تتقافز من عينيه 
وها هي نفسه به تطرب وأساريره له تتهلل
هلم بنا سيدي ندور في أرجاء قصرك لتزداد به إعجابا ولتطيب به نفسا
دار سنمار -المهندس العراقي الشهير - في جنبات القصر مع سيده ومليكه النعمان بن بشير وكلما تجولا في أرجائه كلما تحول انبهار النعمان إلى وله وعشق لتلك التحفة غير المسبوقة 
لكن سرعان ما تحول العشق إلى قلق
قلق الامتلاك وهواجس ضياع ذلك السبق الذي سيفاخر به ملوك الفرس
ما الذي يمنع أن يبني سنمار قصرا أفضل من هذا لغيره أو على الأقل مثله
ما الذي يضمن له أن يظل قصره الذي لم تكد تمر لحظات على امتلاكه له هو الأعظم والأعلى ذكرا
هكذا حدثته نفسه المستكبرة 
وهكذا تحولت نظرات الامتنان والتقدير إلى شك وطمع 
وهكذا البشر عامة والمستبدون المتكبرون خاصة
لا تملأ أفواههم إلا حفنه من تراب
وقف سنمار فوق إلى جواره على أعلى شرفات القصر متهللا مسرورا بما أنجز 
هل قد حانت لحظة الجزاء وجزيل العطايا من ملك اشتهر بالغنى الفاحش والكرم ؟!
مالي أراك ساهما يا سيدي 
هكذا سأله مبتسما لا يدري ما ينتظره
هل هُناك قصر مثل هذا القصر؟
سأله النعمان
فأجاب كلا،
فأردف الملك هل هناك بنّاء غيرك يستطيع أن يبني مثل هذا القصر؟ 
قال سنمار: كلا ثم استطرد مختالا: أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس حيث دارت
هنا تأكدت شكوك النعمان
هناك إذن ما هو أفضل 
يستطيع هذا المهندس أن يصنع قصرا أعظم
لا مفر إذا 
لثوان لم يدرك سنمار ما يحدث
أوحقا يدفعه الملك 
أوحقا يلقي به من حالق
هل هذا جزاؤه 
لم يصدق سنمار ما حل به إلا وآلام رهيبة تتصاعد من عظامه المتكسرة إلا رأسه الذاهل
لا جزاه الله خيرا إن النعمان شرا جزاني
رصصت بنيانه عشرين حجة أتممته عنه رماني.
هكذا ردد سنمار وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة
وهكذا عرف الذي كان ينتظره جراء خدمة الطاغية 
عرف جزاءه
جزاء سنمار..
وكل سنمار
 

  • 2
  • 0
  • 2,559
  • 𝙰𝚖𝚒𝚛𝚊

      منذ
    تنبيه : تصحيح دار سنمار -المهندس العراقي الشهير - في جنبات القصر مع سيده ومليكه النعمان بن (المنذر وليس بشير)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً