مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب - [10] الجنة دار السعداء
فأبواب الجنة ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريَّان، وقد يُدعى الإنسان من جميع الأبواب الثمانية وما بين مصراعي الباب مابين مكة وهجر ويأتي عليه يومٌ وهو كضيض.
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نُزلا ونوَّع لهم الأعمال الصالحة ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سُبلا وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله الذي شمَّر للحاق بالرفيق الأعلى والوصول إلى جنات المأوى ولم يتخذ سواها شُغلا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تتابع القطر والندى وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فيقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]. ويقول تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} [الحديد:21]. وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (معجم الشيوخ [2/915]). إذ المسارعة والمسابقة إلى دار النعيم والكرامة ومفتاح هذه الدار قول لا إله إلا الله والمفتاح له أسنان لفتح الباب وأسنانه شرائع الإسلام والعمل بالأوامر واجتناب النواهي.
فأبواب الجنة ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريَّان، وقد يُدعى الإنسان من جميع الأبواب الثمانية وما بين مصراعي الباب مابين مكة وهجر ويأتي عليه يومٌ وهو كضيض.
فالجنة فيها درجات وأعلى الدرجات الفردوس الأعلى سقفها عرش الرحمن هي دار المتقين لبنة من فضة ولبنة من ذهب ومُلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران وفيها غُرف يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً في السماء فيها شجرة يسير الراكب بجواده في ظلها مائة عام لا يقطعها قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}[الواقعة:30] « » (البدور السافرة [489])، وغراس الأشجار في الجنة تكون في الدنيا بشيء يسير بقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وفيها من الفواكه ما تشتهى النفس وما لدنيا في الجنة إلا الأسماء وأغصانها تذلل إذا قعد أو اضطجع وينحني الغصن ويأكل من ثمارها وإذا قطع ثمرة خرجت غيرها قال الله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25].
وثمارها بألوانها وأشكالها وصفاتها مختلفة في الطعم قال الله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:62] فأهل الجنة آمنون من الموت والنوم والهرم والمرض والخوف آمنون من كل ما يُنغِّص وينقص نعيمهم قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108]، وفيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وفيها ولدان مخلدون بجمالهم وانتشارهم في خدمة المؤمنين كأنهم اللؤلؤ المنثور قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] ويطوف الولدان بكأس أبيض فيه لذة لشاربين قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ.قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} [الإنسان:15-16].
وفيها الحور العين فيُعطى المؤمن قوة مائة رجُل وطوله وعرضه ستون ذراعًا فجماله جمال يوسف عليه السلام وخُلقه خُلق محمد صلى الله عليه وسلم وطوله طول آدم عليه السلام، وعُمره عُمر عيسى عليه السلام والحور العين جمالهنَّ وحُسنهنَّ لا يوصف، تجامعها تعود بكرًا عُربًا متحببةً لزوجها، متساويةً في أعمارهن نصيفها من على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها ويُرى مُخ ساقها من سبعين حُله ولعابها لو قطرةٌ منه تسقط في الأبحر المالحة لكانت عذبة زلالاً فكيف بالمؤمن إذا دخل الجنة تقابله الحور العين ويضع فمه في فمها ويشرب من ريقها مباشرة وغيرها من صفات الحور العين التي اشتاق إليه العُبَّاد والصالحون والمجاهدون والأولياء وعلى هذا ينادي منادٍ في الجنة يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، وأن لكم فيها أن تصحوا ولا تسقموا وأن تحيوا فيها ولا تموتوا وأن تشبُّوا فيها ولا تهرموا أبداً وعلى هذا رضي الله عنهم ورضوا عنه وهم على موعد في يوم الجمعة عندما تُعد لهم النجائب فيُحملون عليها إلى مكان الموعد في الوادي الأفيح لمقابلة العزيز الحميد جل وعلا، وهذا هو أنعم النعيم والزيادة وقرة العيون قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما عمل أهل الجنة؟ فقال: "الحمد لله رب العالمين، عمل أهل الجنة الإيمان والتقوى وعمل أهل النار الكفر والفسوق والعصيان؛ فأعمال أهل الجنة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، والشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت، وأن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ومن أعمال أهل الجنة العدل في جميع الأمور وعلى جميع الخلق حتى مع الكفّار وأمثال هذه الأعمال" انتهى كلامه رحمه الله.
- التصنيف:
- المصدر: