نقطة التوازن

منذ 2015-12-03

لا يوجد اثنان من الناس متماثلين، فكل له كيان مستقل له مزاياه و له عيوبه، له نقاط ضعف و له نقاط قوة، و لم يخلق العلي القدير إنساناً مجرداً من العيوب، كما لم يترك آخرًا خلوًا من المزايا، والله بحكمته و عدله وزع الصفات على البشر بشكل دقيق كى يحقق التوازن على الأرض.

خلق الله تعالى البشر تجمعهم الكثير من الصفات المشتركة، حتى أن بعضهم يتشابهون فى الشكل، و بعضهم يتشابهون فى الطبع، و يمكن أن تكثر أوجه الشبه و التشابه إلى حد بعيد، إلا أنها لا يمكن أن تصل أبداً إلى حد التطابق، فلا يوجد اثنان من الناس متماثلين، فكل له كيان مستقل له مزاياه و له عيوبه، له نقاط ضعف و له نقاط قوة، و لم يخلق العلي القدير إنساناً مجرداً من العيوب، كما لم يترك آخرًا خلوًا من المزايا، والله بحكمته و عدله وزع الصفات على البشر بشكل دقيق كى يحقق التوازن على الأرض، فأودع فينا القوة و الضعف بالشكل الذى يحقق التوازن الداخلي، فلم يهب إنساناً كل أنواع القوة و يحرم منها آخر تماماً، وإنما كان تقسيماً ربانياً رحيماً بعيداً عن جورالبشر، قال تعالى: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗوَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32]  لكنه وهب البشر جميعاً ملكة العقل و التفكر و التمييز لأن العقل هو مكمن القوة الأساسي و الأعظم، عن طريقه يكون الإنسان مخيرًا، وهو عدته الأساسية التى يستطيع بها الدخول إلى غمار الحياة ليبحث به عن مواطن القوة الاخرى لديه التي يستطيع بها بعد ذلك تثبيت قدميه على الأرض، و يحاول كذلك معالجة نقاط ضعفه و التغلب عليها، فيجب  ألا يظل أسيرًا لها، بل عليه دائمًا و أبدًا أن يستثمر مزاياه على أفضل وجه و يقهر نقاط ضعفه في أول فرصة، وفي نفس الوقت يضع دائماً نصب عينيه أن الله وهب الآخرين نقاط قوة و أودع فيهم كذلك نقاط ضعف فلا ينخدع لحظة بقوته و يتوهم بضعف الآخر، أو يحدث العكس فينبهر بقوة الآخرين و يستشعر ضعفه فيشعر بالضآلة، فإذا نجا بنفسه من وضعها تحت هذين المؤثرين فلا بد أن يصل إلى نقطة التوازن ولا بد وقتها أن يجد له مكاناً تحت الشمس.

فليس عيباً أبدأ أن نعترف بعيوبنا و ليس نقصاً فينا أن نشعر بمزايا الآخرين، لكن العيب الحقيقى هو أن نداوي نقائصنا بالمحاولة بالنيل من قدر الآخرين، وقد قرأت مؤخراً قولاً أعجبني كثيراً ألا وهو (أنا لست أفضل من الآخرين، أنا لست أقل من الآخرين ، أنا شخص مميز ومتفرد عن الآخرين) وهذا ما كان رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم حريصاً على غرسه في نفوس صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو الذي اكتشف أعظم ما لديهم من  قدرات ووظَّفها لخدمة الدعوة وقد أشاد في  مواقف عديدة بمواهب الكثير منهم ومزية كل واحد منهم على حدة، حتى أصَّل فيهم الشعور بالثقة بالنفس الذي مصدره اليقين بالله، فمما قال صلى الله عليه وسلم: «أرحَمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بكرٍ وأشدُّهم في اللهِ عُمَرُ وأصدَقُهم حياءً عُثمانُ وأقرَؤُهم لكتابِ اللهِ أُبَيُّ بنُ كعبٍ وأفرَضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ وأعلَمُهم بالحلالِ والحرامِ مُعاذُ بنُ جَبلٍ ألَا وإنَّ لكلِّ أمَّةٍ أمينًا وأمينُ هذه الأمَّةِ أبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاح.» (صحيح ابن حبان: 7131 )

 فجعل كلاً منهم يقدم للإسلام ولإخوانه المسلمين أفضل ما عنده دون أن ينسب لنفسه فضلاً، مع حرصه على نسب كل فضل لصاحبه عند ذكر الآخرين، ونذكر مما يعتبر به في قصة يوسف عليه السلام انه لما أودعه ربه من فيوض العطاءات استطاع  أن يعبر بالبلاد أزمة اقتصادية طاحنة، فضلاً عما قام به من محاولات للدعوة إلى الله ونشر الفضيلة، وحسب المرء أن  يرد  الفضل إلى الله إذا حباه النعمة، وأن يرتضي قدره فيما حُرِم لأن الخلَّاق العليم أعلم بما يصلحنا قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الملك: 14]

أما بشأن الآخرين فعلينا ألا نبخسهم قدرهم فيما فضَّلهم الله علينا فلا يصيبنا قول الله تعالى: { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] وفي ذات الوقت نحن مأمورون ألا نحتقر من نتوهم أنهم حُرموا فضل الله، فللمنح الإلهية ألوان لا حصر لها، لكن الإنسان جهول؛ أما التفضيل المطلق فقد خص الله به عباده المتقين - نسأل الله أن يجعلنا منهم- في قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ}[ الحجرات:13]

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 6
  • 0
  • 4,188

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً