حالة الطرش وحواره

منذ 2015-12-09

فى حافلة تزدحم بمجموعة متباينة من الأشخاص من مختلف الجنسيات، والأعراق، والألوان؛ كانت رحلة عودتى إلى مخيمات مِنى؛ بعد أداء طواف الإفاضة، وسعى الحج منذ عدة أعوام.
جاء مجلسي فى تلك الحافلة إلى جوار مجموعة من الحجاج الصينيين، وحاج نيجيري، وآخر عراقي.
ظل الإخوة الصينيون طوال الطريق يتكلمون معى فى حماسة بالغة، ويحاولون بإصرار عجيب إفهامى شيئا ما لم أدرك ماهيته إلى اليوم!! وأنا أحاول إقناعهم - دون جدوى - أننى لا أفقه حرفًا من لغتهم؛ بينما يُلح علينا "التبَّاع" اليمني كى نساعده فى إفهامهم قيمة الأجرة التى حاولنا جاهدين أنا والأخ العراقى والأخ النيجيرى بيانها لهم بلا فائدة
استمر الحوار المحتدم، والصياح المتبادل لأكثر من ساعتين حتى وصلنا إلى مِنى؛ ولم يفهم أى منا الآخر.
يومها تذكرت تلك المقولة العبقرية التى تُذكر حين يعجز كل طرف عن فهم الآخر، فيُطلق على حوارهم "حوار الطرشان"!
تلك الصورة الهزلية لمجموعة من الصُم الذين يكلم كل منهم الآخر بحماسة شديدة تبدو أماراتها على قسماتهم، وتدفع كلا منهم للصياح بأعلى صوت ممكن فى أذن محاوره، الذي لا تغادر اللامبالاة وجهه؛ حتى إذا جاء دوره ليتكلم؛ صاح بحماسة لا تقل عن حماسة الأول، الذى تنتقل إليه على الفور حالة اللامبالاة إياها؛ و هو معذور؛ فإنه ببساطة لا يسمع!!
والحقيقة أنه لا يشترط أن يكون الصمم، أو اختلاف اللغات هو حال المتحاورين؛ لكى يجافيهم التواصل، ويغادرهم التفاهم؛ فمجرد غياب المشتركات الحوارية، وتباين أبجديات النقاش؛ تُعد أسبابًا كافية لتحويل الحوار إلى حوار طرشان.
للأسف، أعتقد أن هذا ما وصل إليه الحال فى بلادنا؛ رغم أننا أبناء وطن واحد، نتحدث لغة واحدة، لكننا لا نفهم بعضنا البعض
أو لا نريد أن نفهم
لقد بات من الواضح لكل ذى لبٍ أن هناك مجموعة لا بأس بها من العوائق، والمتاريس لدى كل فصيل فى هذا الوطن؛ تجعل حواره مع الفصيل الآخر ينتهى إلى طريق مسدود.
فما بين اتهامات مسبقة، وتعميم لأخطاء وخطايا كل فصيل وأفراده على جميع أتباعه، وبين نظرة فوقية واستعلاء كل طائفة على الأخرى؛ يتمزق الحوار، وتتلاشى الثقة، وتتبدد الألفة؛ ومن ثمَّ نصل إلى تلك الحالة المزرية المثيرة للشفقة التي وصلنا إليها ونأبى إلا أن نتمرغ فيها
حالة الطرش وحواره
حوار الطرشان
 

  • 0
  • 0
  • 916

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً