قضاء الحاجات و تفريج الكربات.. سمة أهل المروءات

منذ 2015-12-30

قال صلى الله عليه وسلم: «ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهرًا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام » (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة :906)

قال صلى الله عليه وسلم: «ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهرًا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام» (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة :906).

ومن هذا الكلام الجامع يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلي حق من حقوق الأخوة، وواجب من واجباتها التي بها تحفظ الأخوة وتدوم المحبة، وتستمر المودة ألا وهو قضاء حوائج المسلمين!!

وهذا الباب عظيم النفع جليل القدر كثير الأجر، فإن قضاء الحوائج واصطناع المعروف من أعظم أبواب البر التي أمر الله المسلمين بالتعاون عليها في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ[المائدة:2].

والدعوة إلى ذلك واضحة في كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (رواه البخاري: 6026) وقال عليه الصلاةو السلام«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (صحيح مسلم: 2586).

 إن الله تعالى خلق الخلق وكان من سننه الكونية فيهم أنه فاضل بينهم في الشرف والجاه، والعلم والعبادة، والغنى والسلطان، وسخر بعضهم لبعض ليتحقق الاستخلاف وتعمير الأرض: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] وقال سبحانه: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:32] ففي شكوى الفقير ابتلاء للغني، وفي انكسار الضعيف امتحان للقوي، وفي حاجة الملهوف اختبار لذوي الجاه والسلطان؛ ولذلك كان من السنن الشرعية ومحبوبات الدين الحث على قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وبذل الشفاعات.

والدين حسن عبادة لله وحسن معاملة مع المخلوقين، وإعانة الخلق والإحسان إليهم من أعظم ما تستجلب به النعم وتستدفع به النقم كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "فما استجلبت نعم الله ولا استدفعت نقمه بمثل طاعته والإحسان إلي خلقه" (الجواب الكافي).

ونفع الناس وكشف كرباتهم من صفات النبيين والمرسلين وأهل المروءات.. وقبل ذلك هي صفة من صفات رب الأرض والسموات، امتدح بها نفسه فقال: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].

فهذا موسى عليه السلام حين استغاثه الإسرائيلي سارع بإغاثته، وعندما وصل إلى مدين وورد ماءه وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، فما منعه ما كان فيه من الخوف والغربة والحاجة أن يقدم المعروف ويبذل الإحسان {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]
وكان يوسف عليه السلام من المحسنين كما قال ذلك صاحباه في السجن وذكر ذلك سبحانه في قوله تعالى: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36 ]. قال الضحاك: "كان إحسانه إذا مرض رجل في السجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان وسع له، وإذا احتاج أحد سأل وجمع له".

وسيد الكل محمد صلى الله عليه وسلم جمع المروءة كلها وكان يسعى لي حاجات الخلق حتى صار ذلك وصفه وسمته.. قالت خديجة رضي الله عنها: "والله لا يخزيك الله أبدا..إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

وفي حديث جابر: ما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا قط فقال لا (متفق عليه).

وإن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيده فما يزال معها حتى يقضي لها حاجتها.

وعن ابنة لخباب بن الأرت رضي الله عنها وعن أبيها قالت: "خرج أبي من سرية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى يحلب عنزة لنا في جفنة فتمتلئ حتى تفيض".

وكان أبو بكر يحلب لضعفاء الحي أغنامهم فلما جاءته الخلافة قالت جارية من الحي: "الآن لا يحلب لنا". فقال: "إني لأرجو ألا يخرجني ما دخلت فيه من الخلافة عن شيء كنت أفعله قبلها".

وكان عمر يتعاهد العجائز، ورآه طلحة يخرج يومًا من بيت إمرأة فدخل فإذا هي عجوز عمياء، فقال: "ما يفعل هذا الرجل عندك؟" قالت: "هذا منذ كذا وكذا يتعاهدنا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى".

كان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم يشتري لهن الحوائج وما يصلحهن.

وقال مجاهد: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني".

فأهل المروءة والنجدة لا يمكنهم أن يروا مضطرًا إلا أجابوه، ولا محتاجًا إلا أعانوه، ولا ملهوفًا إلا أغاثوه، فإن هذا من أصول المروءة كما قال ميمون بن مهران رحمه الله: "أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج". وقال الثوري: "المروءة: الإنصاف من النفس.. والتفضل".

بل إن من المصائب عند ذوي المروءات ألا يقصدهم الناس لقضاء حوائجهم.. اسمع إلى حكيم بن حزام يقول: "ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب".

إن المعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شئون الناس زكاة أهل المروءات، فإن استطعت أن تقضي حاجة أخيك بنفسك فافعل، وإلا فكن كعبد الله بن عثمان شيخ الإمام البخاري حيث يقول: "ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان".

قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: من الآية85].

قال مجاهد : "نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم ببعض".

قال ابن كثير: "أي من يسع في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب في ذلك".

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء» والمقصود السعي، ومن شفع ولم تقبل شفاعته فلا بأس وقد أحسن، وقد ردت شفاعة من هو أعظم منك ومن كل الناس "صلى الله عليه وسلم " فقد شفع لمغيث عند بريرة : فقال: «لو راجعت زوجك فإنه أبو ولدك»، فقالت: "يارسول الله أتأمرني؟"، قال: «إنما أنا شافع»، قالت: "فلا حاجة لي فيه".

ومجرد السعي مع المسلم خير من اعتكافك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا.

وظاهر الحديث أنه كذلك حتى ولو لم تقض تلك الحاجة.

ولذلك لما أرسل الحسن نفرًا من أصحابه في حاجة لرجل وقال مُرّوا على ثابت فخذوه معكم، فأتوا ثابتًا فأخبروه فقال: "إني معتكف"، فرجعوا إلى الحسن. فقال لهم: "قولوا له يا أعمش! أما تعلم أن مشيك في قضاء حوائج المسلمين خير لك من حجة بعد حجة". فرجعوا إلى ثابت فترك اعتكافه وخرج معهم.

منافع قضاء الحوائج:
السعي في منافع الناس فيه فوائد كثيرة:

من يصنع المعروف لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس

تثبيت القدم في الآخرة
فإذا سعيت في قضاء حوائج الناس فإذا قضيت فإن أول ما يحصله الساعي والشافع ما ذكره صلى الله عليه وسلم بقوله: 
«ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام» (مجمع الزوائد 8/194  فيه مسكين بن سراج وهو ضعيف).

وهذا يوم القيامة على الصراط الذي هو دحض مزلة أدق من الشعرة، وأحد من السيف، وأحر من الجمر. 

ومن هذه المنافع:
- أن ييسر الله عسرك
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
«ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [رواه أبو داود : 4946].

- أن يفرج الله عليك كرب يوم القيامة:
ففي صحيح مسلم: 
«من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».

وفي صحيح مسلم أيضا أن أبا قتادة طلب غريما له فتوارى عنه. ثم وجده. فقال: "إني معسر". فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه».

- أن يعينك الله في قضاء حوائجك:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ومن كان الله في حاجته قضاها ويسرها ووفقه فيها، فما أجمل هذا من باب نلجه ليقضي الله حوائجنا.

- أن يحفظك الله من مصارع السوء:
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنه: "صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئا".
وما أحسن ما قال الشاعر:

اقض الحوائج ما استطعت *** وكن لهم أخيك فارج
فلخــير أيـــــام الفــــــــتـى *** يوم قضى فيه الحوائج
ولم أر كالمعروف أما مذاقه *** فحلو وأما وجهه فجميل
 

  • 8
  • 1
  • 57,533

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً