المقاطعة غيرت حياتنا

منذ 2009-11-30

أصبح الناس يفكرون في كل شيء قبل أن يأخذوا قرارهم، خاصة بعد ما دار من أحاديث حول المقاطعة، وعدم جدواها...


2002/05/23 م


سواء كنت من ذلك الفريق الذي يرى أن مقاطعة المنتجات الأمريكية أو الإسرائيلية لن تهز عرش أمريكا بقدها وقدرها، وأنه لن يتضرر من المقاطعة إلا أبناؤنا العاملون في مصانع ومتاجر هذه المنتجات التي تقع داخل حدودنا العربية، أو كنت من هؤلاء الذين قرروا بالفعل مقاطعة هذه المنتجات إلى الأبد - يبقى الأهم تلك الأشياء التي كشفت عنها المقاطعة، وما دار حولها من أحاديث.


لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقرر فيها الكثيرون مقاطعة المنتجات الأمريكية أو المطاعم الأمريكية؛ فمنذ أكثر من عام -مع بداية الانتفاضة- بدأ الكثيرون في معرفة تلك المنتجات التي نستخدمها ولا نعرف أنها أمريكية، بفضل جهود بعض المنظمات والصحف التي تولت توزيع قائمة بهذه المنتجات على الناس في كل مكان: في المسجد، ووسائل المواصلات، ومكاتب العمل، والسوبر ماركت، والمدارس، والجامعات، والكنائس أيضا؛ لدرجة أن اليوم الواحد كان يمكنك أن تحصل فيه على خمس نسخ متشابهة من هذه القوائم من مصادر مختلفة، ودارت نفس الأحاديث في الصحف، ومكاتب العمل، ودور العبادة، والمؤسسات التعليمية، هناك فريقان: أحدهما مع المقاطعة، والآخر يرى عدم جدواها؛ لأننا لا نقاطع إلا أنفسنا في الواقع، وأن التجارة لم يعد لها دين ولا وطن في ظل الشركات العملاقة المتعدية الجنسية العابرة للقارات.


لكن مع مرور الوقت لم يستطع أن يلتزم بالمقاطعة سوى أعداد قليلة لم تتأثر بها السوق؛ لأن بعض من قاطعوا بعض المنتجات واستخدموا بدائلها شعروا بقلة جودة المنتجات البديلة؛ فعادوا للأولى مرغمين، خاصة أن أحدا لم يذكر لهم في وسائل الإعلام مدى تأثر تلك الشركات العملاقة بمقاطعتهم لمنتجاتها.


استغنينا ببساطة

لكن الأمر اختلف خلال الشهرين السابقين منذ بدء حصار رام الله، ومذبحة جنين، وحصار كنيسة المهد، وحصار الرئيس عرفات، والمذابح الأخرى؛ فقد تنازل الكثيرون عن عاداتهم اليومية في تناول الوجبات السريعة من المحلات الأمريكية المجاورة لأعمالهم؛ كما تقول "دعاء عبد القادر" -المحاسبة بإحدى الشركات الخاصة بالقاهرة-: كنا نستدعي بالهاتف طلبات من محل الدجاج الشهير، فيصلنا في وقت معلوم إلى مكاتبنا نظيفا، وطعمه جيد ومضمون، وتعودنا على أسعاره، لكن كل هذا قد تنازلنا عنه فورا بعد المذابح التي رأيناها، ومواقف أمريكا المتغطرسة، وبدأنا في البحث عن البديل المصري الذي يمكنه تقديم نفس الخدمة لنا. في البداية كانت لنا بعض الملاحظات على الطعم والإضافات التي لم نكن نرغب فيها حتى بدأ المحل الجديد في تلبيتها لنا، واستغنينا ببساطة عن الخلطة السرية الأمريكية".


ويأخذ الكلمة "أحمد عبد العزيز" -طالب بكلية التجارة بجامعة القاهرة- قائلا: "كنت أشعر بسعادة غامرة عندما أمر على محل الهامبورجر الأمريكي الكبير المجاور للجامعة الأمريكية بوسط البلد بالقاهرة، وأجده شبه خاوٍ وقت ذروة منتصف النهار، رغم أنني كنت قبل عام فقط غير مقتنع بجدوى المقاطعة، ومتعاطفا مع العاملين المصريين الذين سيعانون من قلة المبيعات وقلة الحوافز التي كانوا يحصلون عليها من المترددين على المطعم، وربما استغنى عنهم المسئولون بالمطعم أيضا تخفيضا للنفقات.

لكن هذه المرة اقتنعت بأن بإمكانهم الحصول على عمل آخر، ولماذا نتعاطف فقط مع هؤلاء ولا نتعاطف مع أكثر من مليون شاب آخر يبحثون طوال الوقت عن عمل؟ لماذا نحزن على هؤلاء العاملين فقط وكلنا في سفينة واحدة؟ فالعاملون في المطاعم الأمريكية في بلادنا العربية يمكنهم أن يجدوا عملا آخر بديلا؛ فليس هناك ما يضمن بقاءهم في عملهم هذا أو حصولهم على حقوقهم في يوم من الأيام إن هم قرروا ترك العمل، أو استغنى عنهم أصحاب العمل بعيدا عن سبب المقاطعة وقلة المبيعات".


فرع العائلات والخلطة السرية

في أحد مطاعم الدجاج الأمريكية الشهيرة سألت مدير الفرع عن تأثر المبيعات فقال لي: "في العام الماضي لم تتأثر حركة البيع كثيرا، لكن هذا العام منذ آخر شهر مارس الماضي وحتى انتهاء حصار كنيسة المهد انخفضت نسبة المبيعات إلى أكثر من 50% في كل الفروع دون استثناء، وانخفض الإقبال على توصيل الطلبات للمنازل أيضا، لكن مع أعياد المسيحيين حدثت انفراجة بسيطة؛ لأن هذا الفرع فرع واحد في منطقة عائلات، ويعتبرون المطعم نوعا من النزهة، لكن في فروع وسط البلد التي يتردد عليها الشباب فما زالت المقاطعة وانخفاض المبيعات مستمرة، وربما يصل الأمر في خلال الأيام القادمة إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من العاملين".


وعندما سألته عن إمكانية الاستغناء عن العلامة الأمريكية بعدما حصلوا على الخبرة المطلوبة في صنع مثل هذه المأكولات؟ قال لي: إذا أردت تغيير نشاطي فسيصبح من الضروري تغيير المعدات وطباعة حقائب جديدة وديكورات وملابس للعمال وغيرها، وهذه تكلفة كبيرة، بالإضافة إلى أننا لا نعرف سر خلطة الدجاج التي تأتينا من عشر ولايات أمريكية، تختص كل ولاية بعنصر من عناصر الخلطة، وتمدنا الشركة الأم بمقلاة خاصة يصل ثمنها إلى 45 ألف جنيه، لكن باقي المكونات مصرية 100%: الدجاج نفسه، والخضراوات، والخبز، والأرز، وجزء كبير من الاستثمارات عربية، وما تحصله أمريكا هو فقط ثمن الخلطة.

وإذا أردنا بالفعل أن نقاطع أمريكا فلنقاطع ما هو أشد جدوى، مثل: الأجهزة الكهربائية والسيارات وغيرها، وليبدأ المستثمرون في بلادنا في إنتاج صناعة حقيقية؛ فمعظم المستثمرين ينشئون مصانع للحلوى والبسكويت والعلكات (اللبان) ورقائق البطاطس وغيرها من المنتجات الاستهلاكية التي ينبغي بالفعل إعادة النظر في استهلاكنا لها، وفي السماح للمستثمرين الجدد بالاستثمار فيها، وذلك في الوقت الذي تُحتضر فيه صناعات النسيج والغزل وغيرها دون أن ينقذها أحد.


المقاطعة الصيفية

ويأخذ الحديث "طارق علي" -أحد الشباب العاملين بشركة المشروبات التي تستخدم مادة الكولا السرية هي الأخرى- فيقول: المادة التي نعتمد عليها في المصنع هنا مادة سرية، يتم تصنيعها في مكان بمدينة نصر أحد أحياء القاهرة لا يدخله سوى الأمريكان، ويجب علينا شراؤها منهم، بالإضافة إلى أن المستثمر العربي له نصيب 51% من الاستثمارات والأمريكي 49%.

رغم أنني من العاملين في الشركة لكنني مع المقاطعة 100%، فنحن لسنا في حاجة إلى مثل هذا المشروب، ولدينا بدائل أخرى أقل سعرا، وأطعم مذاقا، وعربية الاستثمارات، وغير ضارة بالصحة، لكن مشكلتهم هي عدم استطاعتهم التوزيع بشكل جيد، ولو أنهم فكروا في تغيير طريقتهم في الدعاية والتوزيع لاستطاعوا التفوق والمنافسة، خاصة أن دخول الصيف وموسم إقامة حفلات الزواج في الفنادق والأماكن المختلفة تُعتبر فرصة تغتنمها الشركة التي أعمل فيها بعقد الاتفاقات مع هذه الأماكن، لكن بدأت بعض المطاعم المصرية التي تنافس المطاعم الأمريكية التعاقدَ مع شركات المشروبات العربية، وبدأت تلغي تعاقدها مع شركتنا الأمريكية بناء على رغبة المترددين، وهذه هي البداية الإيجابية.


الإيجابية ضرورة

أصبح الناس يفكرون في كل شيء قبل أن يأخذوا قرارهم، خاصة بعد ما دار من أحاديث حول المقاطعة، وعدم جدواها، وخفوت الكثير من هذه الأصوات والأقلام التي كانت تملأ الصحف ووسائل الإعلام لتنادي بعدم المقاطعة، حيث أصبح بعضها ينادي بالمقاطعة، ويعلن صراحة عن عودته عن رأيه السابق.

فتؤكد لي "فاطمة فرج" -معلمة وأم لثلاثة أبناء- أنها قاطعت بالفعل الكثير من المنتجات التي شملتها قوائم المقاطعة، وأصبحت تجرب بدائلها، وأنها عادت لبعض المنتجات مجبرة لعدم وجود المنتجات البديلة، لكنها أرسلت على عناوين شركات المنتجات غير الجيدة هذه ترجوهم فيها إصلاح منتجاتهم حتى نشتريها ونترك الأمريكية؛ لأن أبناءها يغضبون عندما يرون مساحيق الغسيل الأمريكية.


وتضيف قائلة: المقاطعة غيَّرت من سلوك أطفالي؛ فبعد أن كان من الصعب إقناعهم بعدم جودة أو فائدة بعض المشروبات أو الأطعمة التي يحبون شراءها أصبحوا الآن أكثر اقتناعا بفكرة المقاطعة؛ ليس فقط مقاطعة منتجات أمريكية لأن أمريكا تضحك علينا، لكن مقاطعة كل من يضحكون علينا بأية طريقة كانت؛ سواء بغش المنتجات أو بالأفلام أو البرامج التي تضيع الوقت ولا تفيد شيئا، أصبحوا أكثر نضجا ووعيا، وإيمانا بأن لصوتهم وآرائهم صدى وقيمة حتى إن لم يظهر سريعا فسيظهر بعد ذلك.

ويأخذ الكلمة "محمود إبراهيم" -26 سنة، محامٍ- قائلا: المقاطعة والمظاهرات أكدت للكثيرين أن الشباب العربي ليس مستهترا كما كان يرانا الصحفيون والباحثون والمتحدثون في وسائل الإعلام، وكانوا يصفوننا بعدم الانتماء والسلبية.


المصدر: عبير صلاح الدين - موقع إسلام أون لاين
  • 2
  • 0
  • 5,358
  • منى أحمد رشاد

      منذ
    جزاكم الله خيرا على اعادة نشر هذا المقال وارساله في النشرة الدورية للموقع. المقاطعة ليست هي الحل الوحيد ولكنها جزء مهم حتى من باب الولاء والبراء، وعلى كل منا أن يقاطع بقدر ما يستطيع.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً