جزائري في مخيمات المصريين

منذ 2009-12-04

..ولا ينسى الجميع أنهم يجمعهم كتاب واحد ونبي خاتم هو سيد البشر، أمر بالائتلاف ونهى عن الفرقة ..



الحمد لله الذي جمع قلوب المسلمين على محبته, وأَتَمَّ عليهم نعمة طاعته, وختم عامهم بموسم من أَجَلَّ مواسم رحمته, فاللهم تقبل من الحجيج حجهم, وتقبل ممن ضحى أضحيته, وأعد مواسم الطاعات على المسلمين أزمنة مديدة.

أخ حبيب لم أره منذ زمن جمعني وإياه ملك الملوك وحبيب قلوب المؤمنين على صعيد واحد, في ليالٍ مباركات, ألا وهي ليالي منى بموسم الحج المبارك.


ذهبت لزيارة أخي الشيخ حسن في مخيمات المصريين بمنى, وكعادة المصريين ما إن تجلس حتى تمتد المائدة, وما شرعنا في طعام العشاء في هذا الجو الروحاني الرائع الذي يعج بالبهجة والفرحة والحبور, إذ فاجأنا شاب ذو وجه صبوح مستنير, تبدو عليه سيماء الصالحين حتى وقف على باب الخيمة ونادى بأعلى صوته, يا إخوان أنا أخوكم من الجزائر جئت لأهنئكم بالحج والعيد..

يالها من روعة, وياله من دين...

مهما فعل المبطلون ومهما حاولت التفاهات وأهلها الدخول للأمة الإسلامية من أدنى ثغرة فلن ينالهم منها قدر أنملة.


يقول هذا الشاب لمن فرحوا بتفرق شعبين مسلمين بسبب جلد منفوخ لن يغني عن الشعبين شيئا, يقول لهم بلسان حاله: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [سورة آل عمران: 119].

ما أن شاهد أهل الخيمة هذا الوجه الصبوح، وهذا القلب الطيب، إلا وأقبلوا عليه بالأحضان والقبلات والتهاني بالحج والعيد والدعاء بالقبول.

أمسكت بيده فرحاً مسروراً متمنياً أن يجلس معنا على مائدتنا, فجلس برهة ثم استأذن يلحق بباقي المخيمات ناوياً ألا يترك مخيماً إلا دخله.

جزى الله رب العرش هذا الوجه الطيب خير الجزاء.

قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [سورة النساء: 114].


قال الإمام ابن كثير:


قَالَ الْإِمَام أَحْمَد: حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا صَالِح بْن كَيْسَان حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن شِهَاب أَنَّ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُمّه أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «لَيْسَ الْكَذَّاب الَّذِي يُصْلِح بَيْن النَّاس فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُول خَيْرًا» ، وَقَالَتْ لَمْ أَسْمَعهُ يُرَخِّص فِي شَيْء مِمَّا يَقُولهُ النَّاس إِلَّا فِي ثَلَاث: "فِي الْحَرْب وَالْإِصْلَاح بَيْن النَّاس وَحَدِيث الرَّجُل اِمْرَأَته وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوْجهَا". قَالَ: وَكَانَتْ أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة مِنْ الْمُهَاجِرَات اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَة سِوَى اِبْن مَاجَهْ مِنْ طُرُق عَنْ الزُّهْرِيّ بِهِ نَحْوه، قَالَ الْإِمَام أَحْمَد: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَمْرو بْن مُحَمَّد عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ أُمّ الدَّرْدَاء عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِركُمْ بِأَفْضَل مِنْ دَرَجَة الصِّيَام وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة؟» ، قَالُوا: "بَلَى يَا رَسُول اللَّه"، قَالَ: «إِصْلَاح ذَات الْبَيْن» ، قَالَ: «وَفَسَاد ذَات الْبَيْن هِيَ الْحَالِقَة» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي مُعَاوِيَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم حَدَّثَنَا شُرَيْح بْن يُونُس حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ حُمَيْد عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي أَيُّوب: «أَلَا أَدُلّك عَلَى تِجَارَة»، قَالَ: "بَلَى يَا رَسُول اللَّه"، قَالَ: «تَسْعَى فِي إِصْلَاح بَيْن النَّاس إِذَا تَفَاسَدُوا وَتُقَارِب بَيْنهمْ إِذَا تَبَاعَدُوا» ، ثُمَّ قَالَ الْبَزَّار وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه الْعُمَرِيّ لَيِّن وَقَدْ حَدَّثَ بِأَحَادِيث لَمْ يُتَابَع عَلَيْهَا وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ اِبْتِغَاء مَرْضَات اللَّه} أَيْ مُخْلِصًا إِلَى ذَلِكَ مُحْتَسِبًا ثَوَاب ذَلِكَ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، {فَسَوْفَ نُؤْتِيه أَجْرًا عَظِيمًا} أَيْ ثَوَابًا جَزِيلًا كَثِيرًا وَاسِعًا". أ هـ


و حقاً هذه الأمة خير أمة لتواصيها بالخير وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر فإصلاح ذات البين معروف وفساد ذات البين منكر لا يرضاه الله بين مسلمين اثنين فما بالك بدولتين مسلمتين وبشعبين من أكبر الشعوب الإسلامية وأكثرها ثقافة و صدق الله القائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران: 110].


قال ابن كثير:
"يُخْبِر تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة الْمُحَمَّدِيَّة بِأَنَّهُمْ خَيْر الْأُمَم فَقَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قَالَ الْبُخَارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف عَنْ سُفْيَان بْن مَيْسَرَة عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ {كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، قَالَ: خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِل فِي أَعْنَاقهمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام" وَهَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَالرَّبِيع بْن أَنَس {كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يَعْنِي خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْر الْأُمَم وَأَنْفَع النَّاس لِلنَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} ، قَالَ الْإِمَام أَحْمَد: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الْمَلِك حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ سِمَاك عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمِيرَة عَنْ دُرَّة بِنْت أَبِي لَهَب قَالَتْ: قَامَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر فَقَالَ: "يَا رَسُول اللَّه أَيّ النَّاس خَيْر؟"، قَالَ: «خَيْر النَّاس أَقْرَأهُمْ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ» وَرَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث سِمَاك عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس". أ هـ

ولا شك أن أبناء القرآن وأتباع سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم لن تقهرهم لعبة ولن يفرق بينهم مغرض حاقد؛ فعلى الشعبين طي صفحة التباغض ونسيان ما كان من تلك الأنفس الضعيفة التي نفخت في دخان أسود لتثير غبار الكراهية في قلوب المؤمنين, ليفرح فينا العدو ويحزن بسبب شقاقنا القريب الحبيب
ويا أبناء الجزائر لن ينسى المصريون أبداً عشرتكم الطيبة لهم على مدار السنين وأرجو أن لا تنسوا أيضاً محبة أبناء مصر الأشقاء لإخوانهم الجزائريين.


ولا ينسى الجميع أنهم يجمعهم كتاب واحد ونبي خاتم هو سيد البشر، أمر بالائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف وحذر الجميع من فساد ذات البين وسماها بالحالقة.

وكل عام والجميع بكل خير وعافية.
محمد أبو الهيثم
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 30
  • 2
  • 16,985
  • أبوالعلاء

      منذ
    إن ماحدث في الفترة الأخيرة من زيادة الشقاق بين العرب المسلمين لتدمع منه العيون وتحترق له الأكباد فمجرد لعبة تفرق بين المسلمين حتى يتباغض المسلمون وليس هذا فحسب فإن كل شعب ليبغض بعضه بعضا داخليا من أجل الأندية التي يشجعونها فهم جميعا لكن قلوبهم شتى فماذا لو بعث رسول الله وصحابته ورأوا ما نحن عليه * الشباب ضائع لا يجد الاستقرار فلا زوجة ولا عمل فيلجأ للكره وغيرها يضيع وقته * النساء كما ترى في الشوارع * الغيبوبه التي يعيش فيها الشعوب الاسلامية والعربية نسأل الله أن يعفو عنا وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا
  • Hamza BEO

      منذ
    المشكل ليس بين الشعبين ولكن بين الحكام أو الرؤوس الكبار في البلدين إن صح التعبير، معروف أن مصر فيها تعدد الديانات فيهود مصر هم من أرادوا الفتنة ووقوع كارثة بين أخوين، فالشعب صدق كل الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تناقلتها وسائل الإعلام فوقعت حرب إعلامية التي كادت أن تتطور لولا تعقل المصريين إن صح أنهم مصريون، والحمد لله أن الجزائريين لم يدخلوا في لعبهم. بارك الله فيك يا شيخ لأن القليل من كتب في هذا الموضوع وأتمنى الزيد من النجاح والتقدم لهذا الموقع.
  • حسام7

      منذ
    السلام عليكم:بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله,أما من كان مسلما فهو ولينا و نحن أولياؤه و قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتوادد و التراحم أليس الأجدر بنا أن نصفح عن بعضنا البعض و نحن الأخوة و الأحباء في الله و قد ضرب لناسلفنا من الصالحين اروع الأمثلة في العفو حتى عن بعض المشركين. بارك الله فيك أخي محمد أبو الهيثم و في كل من لم يسقط في تلك الفتنة و هدى الله الباقين.
  • أبو معاذ

      منذ
    أخي الفاضل هذا كلام جميل، ولكن يا ليت قومي يعلمون، أصبحنا ولا حول ولا قوة إلا بالله نتشاتم على لعبة تافهة.
  • عاصم

      منذ
    جزاك الله خيرا وقد كان هذا حالنا مع اخواننا الجزائريين وكنا نأكل سويا على مائدة واحدة فى الحج هذا العام وننام فى خيمة واحدة وفندق واحد فنحن مسلمين مصريين كنا او جزائريين .
  • nada

      منذ
    انالمسلمون اخوه فى الدين فعجبا ان يفرقهم شىء بغيض مثل ما فعل سفهاء هذ الذمان -قالرسولالله اتركوها فأنها منتا(اى_الفتنه)صلى الله عليه وسلم
  • آسيا الجزائرية

      منذ
    السلام عليكم يا مسلمين ، هلموا لفعل الخير، وتصالحوا وتحابوا فالاسلام يجمعنا
  • آسيا الجزائرية

      منذ
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، والله مهما يفعله المبطلون سيبقى ديننا الحنيف الاسلامي يجمعنا وللأبد ، أدام الله تعالى علينا نعمة الاسلام.
  • nada

      منذ
    بارك الله فيكم على هذه المقالة الطيبة لقد أنستنا هذه الفتنة انتماءنا للدين و أعمت قلوبنا و أبصارنا نسأل الله أن ينور قلوبنا بنور القرآن و يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر
  • محمد امين لمديني الشرقاوي

      منذ
    بسم الله الرحمان الرحيم اني والله لجد مسرور عندما قرات هذه المقالة واطلب الباري جل شانه ان يبارك في هذا الاخ .واقول لاخواني من الشعبين المصري والجزائري لاتنسوا انكم تربطكم اصرة العقيدة التي هي اعظم من حطام الدنيا الفاني وادعوكم للرجوع الى رشدكم لكي لاتشمتوا فينا الاعداء لانناامة واحدة ويجب علينا الاننسى ماهو اعظم الاوهو المسجد الاقصى الذي هو في قبظة اليهود الصهاينة .واخيرا اطلب كل غيور على هذه الامةان يحاول جمع شملها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً