من المسؤول عن اختفاء أطفال المسلمين بأوروبا؟
لعل السؤال الأهم في هذا السياق هو: من المسؤول عن هذه الجريمة البشعة والمأساة الإنسانية الجديدة التي تحل بأطفال سنة سورية والعراق وغيرها من بلاد الإسلام؟!
مأساة إنسانية جديدة تضاف إلى قائمة مآس كثيرة تلاحق اللاجئين المسلمين إلى القارة العجوز، كشفت عنها وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) أمس الأحد، حيث أكدت أن أكثر من عشرة آلاف طفل هاجروا بدون ذويهم إلى أوروبا اختفوا خلال العامين الماضيين، وأبدت تخوفها من وقوعهم بيد عصابات تجار البشر وتعرضهم للاستغلال الجنسي والاستعباد.
وعلى الرغم من تسجيل هؤلاء الأطفال في سجلات الدول الأوروبية فور وصولهم إليها، كما يؤكد مدير موظفي "يوروبول" بريان دونالد لصحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، إلا أن خمسة آلاف طفل منهم فقدوا في إيطاليا وحدها، في حين أكدت السلطات السويدية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي فقدان نحو ألف طفل وصلوا إلى مدينة تريلبورغ جنوب البلاد.
الخطير في التقرير ترجيح وقوع هذا العدد الكبير من أطفال المسلمين في يد عصابات تجارة البشر، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن غالبية هؤلاء الأطفال هم من سورية والعراق التي تقع فيهما مجازر وحشية ضد أهل السنة لم يشهد التاريخ المعاصر لها مثيلاً، فإن الأمر حينئذ يصبح أشد خطرًا وأكثر كارثية.
ولعل السؤال الأهم في هذا السياق هو: من المسؤول عن هذه الجريمة البشعة والمأساة الإنسانية الجديدة التي تحل بأطفال سنة سورية والعراق وغيرها من بلاد الإسلام؟!
الحقيقة أن الجواب على هذا السؤال قد لا يقتصر على إلقاء المسؤولية على الغير كما هي العادة فحسب، فقائمة المسؤولين عما يجري من مآس متنوعة في كل من سورية والعراق طويلة، ولا تخلو من أسماء دول عربية وإسلامية تواطأت ضد ثورة الشعب السوري، أو تقاعست عن مساندة ومساعدة هذا الشعب المنكوب، أو لم تقم بما ينبغي على الأقل لتجنب ما يحدث الآن من مآس ومحن يندى لها جبين الإنسانية في كلا البلدين.
لا شك أن المسؤولية الأساسية في كل ما يجري في سورية الجريحة تقع على عاتق طاغية الشام وحلفائه الرافضة والروس في المقام الأول، حيث إنهم أجبروا أكثر من نصف السكان على الهرب من نار البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية والمجازر الوحشية؛ ليقعوا فريسة سهلة بيد المهربين وتجار البشر في القارة العجوز.
ولا يمكن التغافل عن دور كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في استمرار هذه المأساة الإنسانية، وتراكم تداعياتها وتناسخ مآسيها بفعل التغاضي عن استمرار المعتوه في دمشق وزبانيته ومرتزقته في جرائمهم بحق الشعب السوري، وعدم العمل على وقفه عند حد لتجنب تزايد أعداد اللاجئين إلى دولهم على أقل تقدير.
إلا أن كل ذلك لا ينفي وجود مسؤولية لا يستهان بها على الدول العربية والإسلامية، حيث لم يكن لها موقف موحد من جرائم طاغية الشام، كما لم تعمل بما يكفي على إغاثة اللاجئين السوريين بما يغنيهم عن ذل اللجوء إلى الدول الغربية والأوروبية.
أما المسؤولية المباشرة لهذه المأساة الجديدة فتقع بلا شك على عاتق سلطات الدول الغربية، بدءًا من عدم لجم طاغية الشام عن الاستمرار في جريمة قتل وتهجير الشعب السوري من أرضه، وصولًا إلى عدم فتح باب استقبال اللاجئين -وخصوصًا الأطفال والقصر منهم ممن فقدوا أهليهم- بشكل قانوني لتجنيبهم الوقوع بيد عصابات التهريب التي أثبتت "يوروبول" وجود تقاطع مثير للقلق بين تلك العصابات وبين عصابات الاتجار بالبشر التي تستغلهم جنسيًا وتستعبدهم، وليس انتهاء بالتقصير في حماية هؤلاء الأطفال -إن لم نقل التواطؤ ضدهم- من هذه العصابات بعد وصولهم إلى أوروبا، وتسجيلهم بشكل رسمي في سجلات دولها الرسمية.
اللافت في الأمر هو محاولة المسؤولين الأوروبيين إلقاء المسؤولية الكاملة في هذه المأساة على عاتق عصابات تجارة البشر المنتشرة في القارة العجوز وأمريكا بشكل مخيف، وكأن رجال الشرطة والأمن غير متورطين في تلك الجرائم البشعة بالتنسيق مع تلك العصابات، خصوصًا مع التقارير التي تؤكد هذا التورط الذي قد يصل إلى هرم القيادات السياسية والأمنية في البلاد.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن دراسات مؤسسات بحثية عن تجارة البشر تؤكد أن هناك نحو مليوني إنسان يتم الاتجار بهم سنويًا أغلبهم من النساء والأطفال، وأن هناك ما لا يقل عن 3.12 مليون إنسان يعيشون تحت شكل من أشكال العبودية في عالمنا اليوم حسب منظمة العمل الدولية، وأن تجارة البشر تعد ثالث أكبر نشاط إجرامي بعد تجارتي السلاح والمخدرات، وأن أرباحها تقدر بنحو 28 مليار دولار سنويًا، أن تجارة البشر من الأطفال تصل إلى 2.46 مليون حسب إحصائيات الأمم المتحدة ، فإن كل ذلك يزيد من تأكيد تقصير السلطات الأوروبية في حماية اللاجئين القادمين إليها من الأطفال، ليس بسبب اختراق عصابات الاتجار بالبشر لتلك السطات أو العكس فحسب، بل بسبب الخلفية العنصرية الغربية البغيضة تجاه اللاجئ المسلم حتى لو كان طفلًا!!
من جهة أخرى يستغرب المتابع من تعليقات بعض المحللين الغربيين على هذه المأساة الجديدة، فعلى الرغم من فظاعتها وخطورتها تجد البعض يقلل من شأنها، ويعتبر أن ترجيح وقوع أكثر من 10 آلاف طفل بيد عصابات الاتجار بالبشر بعد اختفائهم ليس بالعدد الكبير مقارنة -حسب زعمه- بحوالي مليون لاجئ وصل إلى القارة العجوز!!
ليس جديدًا عدم مبالاة الغرب بمآسي المسلمين أو عدم التفاعل مع حجم فظاعتها، فالدم والعرض ومستقبل أطفال أهل السنة -على وجه الخصوص- هو الأرخص والأقل شأنًا بالنسبة للغرب منذ زمن، ولكن المخيف هو عدم مبالاة بعض دول أهل السنة بهذه المآسي المتلاحقة بدماء وأعراض ومستقبل أطفال مسلمي سورية والعراق وعدم العمل الجاد على إيجاد حل أو حد لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زياد الشامي
- التصنيف:
- المصدر: