إعلان الحرب على المآذن !!
هل تصور البعض هناك أن القذافي يمثل العالم الإسلامي، فأرادوا أن يردوا عليه بمثل هذا القرار الأخرق، لا أظن ذلك، لكن المؤكد أن هذا الاستفتاء وما سبقه وما لحقه يؤشر على موجة من التطرف الديني والعنصرية الطاغية تتغلغل الآن في أوربا تجاه الإسلام.
على امتداد الأراضي السويسرية هناك أربعة مساجد لها مآذن، أربعة مآذن فقط في طول البلاد وعرضها، كانت كافية ـ فيما يبدو ـ لتهييج قوى متطرفة وأحزاب قومية طالبت بمنع بناء المآذن في سويسرا، لماذا ؟ لا يوجد أي تفسير مقنع، لا أخلاقي ولا سياسي ولا أي شيء، مجرد نوع صريح من الكراهية الدينية..
المثير للدهشة أن هذا المطلب العجيب يتحول إلى قرار حكومي وبرلماني بإجراء استفتاء تاريخي في عموم البلاد، لكي يدلي الشعب السويسري بكامله برأيه في مسألة : هل نبني المساجد بمآذن أم نبنيها بغير مآذن، وهو استفتاء كوميدي في جوهره، ولو أن بلدا عربيا أو إسلاميا أجرى استفتاءا بين شعبه على قرار حظر بناء أبراج الكنائس لهاجت الدنيا وماجت سخرية من "التخلف" والظلامية والعنصرية والطائفية ... إلى آخره، أما وقد فعلت ذلك سويسرا، البلد الأوربي الذي قدم على أنه رمز الحياد العالمي سياسيا واقتصاديا ودينيا، فهو "عادي" !
صحيح أن هناك ردود فعل غاضبة من بعض القيادات السياسية البريطانية والفرنسية، ولكنها ردود فعل خجلى وتقترب من "جبران الخاطر" فقط، حتى لا يؤخذ عليهم الصمت أمام هذا السلوك السياسي والإنساني المخزي، والحقيقة أن ما حدث فضيحة أوربية حقيقية، لا يمكن تصور حدوثها في أسوأ عهود التخلف، وليس في البلاد التي تتحدث عن التنوير والحضارة والحداثة وتحتضن أي خارج على الإسلام وحضارته وقيمه وعقائده بدعوى حماية حرية التعبير وحرية الضمير وحرية المعتقد الديني، في الوقت الذي لا تطيق فيه رؤية مئذنة مسجد في أي من مدنها، وكأنها من ملوثات البيئة..
أتفهم الكلام عن اليمين المتطرف، ولكن أتصور أن هناك تواطأ برلمانيا وحكوميا واضحا لتمرير القرار، لأنه لم يكن ليصل إلى حد الاستفتاء العام إلا بموافقة برلمانية لا يملكها اليمين المتطرف، وبرغبة حكومية تدعم هذا الطلب، حتى أن الحكومة السويسرية سارعت فور ظهور نتائج الاستفتاء إلى القول بأنها سوف تنفذه بشكل فوري، هل تصور بعض الساسة السويسريين أنهم بمثل هذه السلوك الأرعن يردون على خشونة العقيد القذافي الذي هددهم بطرد شركاتهم ووقف تصدير النفط إليهم وسحب الأموال الليبية من البنوك السويسرية في أعقاب المشكلة التي أثارها واقعة القبض على نجله في قضية الشجار مع اثنين من خادماته.
هل تصور البعض هناك أن القذافي يمثل العالم الإسلامي، فأرادوا أن يردوا عليه بمثل هذا القرار الأخرق، لا أظن ذلك، لكن المؤكد أن هذا الاستفتاء وما سبقه وما لحقه يؤشر على موجة من التطرف الديني والعنصرية الطاغية تتغلغل الآن في أوربا تجاه الإسلام بشكل أساس، وكل دولة تتحرش بالإسلام ومظاهره على طريقتها وفي الجزء الذي تراه أقل كلفة، الفرنسيون خاضوا معركتهم مع الإسلام في مسألة الحجاب، واعتبروه رمزا للتمييز الديني، والدينماركيون حرضوا على التطاول على رسول الإسلام بدعوى أنها حماية لحرية التعبير ثم رفضوا بكل صلابة رسوما تهزأ من الهولوكست ولم يعتبروا بحكاية حرية التعبير.
واليوم السويسريون يعلنون الحرب على "المآذن" ويقررون منع بنائها
في بلادهم، فهل المآذن أيضا رمز على التمييز الديني أو رمز للتطرف
السياسي، هي ظاهرة تحرش مجردة بالإسلام والمسلمين، هناك قلق أوربي من
انتشار الإسلام وتحوله إلى الديانة الثانية في جميع الدول الأوربية
وتحول أعداد كبيرة من الأوربيين إلى الإسلام، وهناك هواجس كثيرة
أعلنتها مراكز أبحاث من خلل سكاني قد يغير هوية أوربا خلال خمسين
عاما، كل هذا معروف، لكن لم يكن يتصور أحد أن تصل الحماقة إلى هذا
المستوى من العنف والتطرف .
[email protected]
- التصنيف: