الاختلاف سُنّة

منذ 2016-02-08

هَب أَنّك أعطيت طفلاً لُعبة تَركيب.. ماذا سيفعل إن أعطيتَه لُعبة كُل قِطعها لها ذات الفراغات والانحناءات وأَوجه الاستقامة.. أي حيرةٍ سيقع فيها.. وأي تكاملٍ مُعجِزٍ تطلبه منه بتلك القطع..؟!

والاختلافُ سُنّة..!
والوَقتُ أضيَقُ من أن تَبغَضني لأنّي لا أُشبِهك..
ما صينَ جَنبُ الدّين ورُفِعَ على الأعناق.. ولو كان الثّمن الأعناق.. فَليس على وَجه الأرض ما يدعوك أن تُلزمني أن أكون أنت.. مجرد نسخة أخرى منك..!

ولو تَأمّلت.. لَوَجدت أن رَبّ العالمين ما فَرَضَ علينا التطابق.. وقَد خَلَقَنا في ذلك من حِلّ.. وجعل لكُلٍ منا ملامحه التي يتفَرّد بها.. منذ بدء الخلق.. حتى أنك حينَ تَجِدُ من تتماثل ملامحهم من بين هؤلاء الملايين.. قل المليارات.. تتعجب وتُسَبّح.. أن سبحان الله كم هم على غير العادة.. يتشابهون..!

ما الحكمة من رغبتك في صُنعِ انعكاساتٍ في مَرايا.. لها نفس الطول والعرض والتفاصيل.. في حين أن الباريء الحكيم العليم.. وَهَبَ كُلّ نفسٍ بصمتها التي لا تُشابهها شيء ..؟!
وليست بَصمة الأصابع فَحَسب..
بل بَصمة في الروح.. والصوت.. والحَرف.. وأنغام الكَلِم..
بصمة في الحُزن.. والفَرح.. والبُكاء والتَّبَسُّم..
بصمة في البَوح.. والنَّوح.. والصمت والكلام..

هَب أَنّك أعطيت طفلاً لُعبة تَركيب.. ماذا سيفعل إن أعطيتَه لُعبة كُل قِطعها لها ذات الفراغات والانحناءات وأَوجه الاستقامة.. أي حيرةٍ سيقع فيها.. وأي تكاملٍ مُعجِزٍ تطلبه منه بتلك القطع..؟!

أَيّ حرمان أنت فيه.. وتطلب منهم أن يدوروا في فلكه.. حين تضع رأس من يَجرؤ أن تكون له " أنا" .. ذات ملامح وعَقلٍ وفكر.. وربما رؤية و قلب.. لا تُشبِه " أناكَ" المُقَدّسة..
تحت مقصلة الازدراء والشَّذَر والتنقص..!

إن لم تفهم أَنّا يا صديقي نتكامل..
كخصلات جديلة في شَعرِ صَبِيّة..
كَشِقَّي روحٍ ذُللت لها المسافات والأزمان..
كَقَلبَين أضحى التّنائي زاداً لهما عِوَضاً عن تلاقيهما..
عَن كَفَّينِ.. لَن تَعزفا على وَتَرِ الشّجن حتى تتصافَحا..
كعَينَينِ.. لَن تُسبَلا في طُمأنينةٍ حتى تكتحلا برؤية ديار الغائبين.. وتُرَدُّ بقَميصٍ فيه من ريحهم وأثرهم.. لهمُ البصيرة والبشرى..
كَقصيدةٍ عَجَزَت القوافي عن الإتيان بمعانيها..
حتى تَلتقي نِصفَها الآخَر..!

إن لَم تَعي كُل ذلك.. فأنت ما عَرفت عن الحياة إلا طرفاً منها..

وما فَقهت الحكمة من كَونِ ملامح الكَونِ وأهله تتكامل وتختلف..
ولذلك خَلَقَهُم..!

بسمة موسى

مهتمة بالقراءة في مجالات مختلفة والمجال الأدبي خاصة بفروعه المختلفة

  • 0
  • 0
  • 6,839

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً