تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام (1)

منذ 2010-01-09

لقد أدركت الدول الغربية والاستعمارية منذ زمن طويل: أهمية التعليم بالنسبة للفرد، وأثره العميق على نهضة المجتمع؛ فنال حظًا عظيمًا من اهتمامهم داخليًا وخارجيًا، وصار سلاحًا ذا حدين..



لقد أدركت الدول الغربية والاستعمارية منذ زمن طويل: أهمية التعليم بالنسبة للفرد، وأثره العميق على نهضة المجتمع؛ فنال حظًا عظيمًا من اهتمامهم داخليًا وخارجيًا، وصار سلاحًا ذا حدين؛ حيث استُثمر لتنمية المجتمعات الغربية ونهضتها والارتقاء بالفرد والجماعة فيها من جانب، وصار حربة مصوبة إلى خاصرة الدول الإسلامية المستعمرة تدمِّر فيها الأفراد والجماعات وتزيِّف التاريخ وتشوهه من جانب آخر، مستعيضة بذلك عن الاحتلال العسكري، الذي أثبت عدم جدواه في كثير من البقاع؛ فالمحتل العسكري لم يزل مكروهًا، بل ويبذل المجاهدون نفوسهم رخيصة في سبيل طرده من بلادهم، وتظل سلوكيات أفراده وأفكارهم منبوذة ومحل نقد مستمر؛ لذلك استعاض المستعمر بالغزو الفكري والأساليب التغريبية التي قد ينطق بها وينشرها أناس يحملون لون البشرة ذاته، ويتكلمون باللسان العربي المبين؛ ولكنهم يحملون عقلاً وفكرًا مخترقًا.

وبإلقاء نظرة سريعة على واقع الدول الإسلامية في اللحظة الحالية يتبين للباحث المتأمل: أن المستعمر الأجنبي نجح في تحقيق أهدافه، بمسخ الهوية العربية والإسلامية للدول "المستعمرة" ـ فكريًا ـ التي صارت تسير في ركب التغريب والعلمنة ونبذ الدين والهوية العربية والإسلامية، ولا شك أن التعليم كان خط الهجوم الأول للمستعمر الذي نفذ من خلاله إلى ضمير أفراد المجتمع وضربه في الصميم.

وسوف نحاول خلال هذا البحث في حلقتين تتبع أهم محطات التغريب في المجتمعات الإسلامية، بدءًا من المحاولات الأولى لأعداء الأمة؛ لنشر بذور العلمنة والتغريب، وانتهاءً بالصورة القاتمة التي وصلت إليها أمتنا، راجين أن تستفيد الأمة من ماضيها انطلاقًا إلى مستقبل أفضل.


بداية الانحدار:

لقد بدأت هذه الهجمة التغريبية الشرسة على نظام التعليم في العالم العربي الإسلامي في بداية القرن التاسع عشر، منذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر في عهد محمد علي، والتي بدأها بسياسة الابتعاث التي اتبعها؛ بإرسال الطلاب الشبان غير المحصنين للتعلم في أوروبا ـ التي كانت موطنًا للفتن والشهوات ـ، وكان هذا أخطر ما فعله في الحقيقة؛ لأنه من هناك بدأ الخط العلماني يدخل ساحة التعليم، ومن ورائه ساحة الحياة في مصر الإسلامية ومن ورائها إلى بقية أركان الوطن العربي.

لقد اجتهد محمد علي بإنشاء المدارس المدنية ـ مما يعدّه البعض نهضة في التعليم المدني ـ إلا أن ذلك كان على حساب التعليم الديني والأزهري، فقد بلغ عدد المدارس الابتدائية التي أنشأها محمد علي ستة وستين مدرسة؛ منها أربعون بالوجه البحري، وست وعشرون مدرسة في الوجه القبلي، أما المدارس التخصصية أو العالية: فشملت مدارس للطب والهندسة والطب البيطري والزراعة واللغات ومدارس حربية للطوبجية والخيالة والبيادة، هذا إلى جانب مدارس للموسيقى والفنون والصناعات، وكان بالقطر المصري نحو عشرة آلاف تلميذ ينتظمون في هذه المدارس.


ومن أهم المدارس العالية التي أنشئت في هذا المضمار:

1- مدرسة الطب، وقد أنشأها محمد علي بناءً على مشورة من الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي استقدمه محمد علي؛ ليكون طبيبًا ورئيسًا لجراحي الجيش المصري، فأشار على محمد علي بإنشاء مدرسة للطب يلتحق بها الطلبة المصريون، فتم إنشاؤها في عام 1827م في أبي زعبل، كما أنشئت مدرسة ملحقة بها لتعليم اللغة الفرنسية، حيث كانت هيئة التدريس في مدرسة الطب تتكون من أساتذة فرنسيين وقلة من الايطاليين.

2- مدرسة الطب البيطري بدأت في رشيد عام 1828م ثم ألحقت بعد سنتين بمدرسة الطب البشري في أبي زعبل، وكان مديرها فرنسيًا.

3- المدارس الفنية: وتشمل المدارس الزراعية والهندسية؛ أما المدارس الزراعية فكان أهمها مدرسة الزراعة بشبرا الخيمة، التي بدأت الدراسة بها عام 1833م والمدرسة الزراعية بنبروه التي أنشئت عام 1836م. وكانت هيئة التدريس في هذه المدارس من أعضاء البعثة الزراعية الذين عادوا من أوروبا، ومنهم يوسف أفندي الذي تولى إدارة مدرسة نبروه الزراعية.


4- وأما المدارس الهندسية: فقد عني بها محمد علي عناية خاصة، وكانت آخر مدرسة للهندسة أنشئت في عهد محمد علي هي: مدرسة بولاق عام 1834م التي نظمت على نسق مدرسة الهندسة بباريس، ثم انضمت إليها مدرسة المهندسين بالقناطر الخيرية ومدرسة المعادن بمصر القديمة.

5- المدارس الصناعية: وكان أهم هذه المدارس: مدرسة العمليات، أو الفنون والصنائع التي أنشئت عام 1837م بهدف تخريج الصناع المهرة. ومدرسة الكيمياء التي أنشئت في مصر القديمة لدراسة الصناعات الكيميائية.

ومدرسة المعادن التي أنشئت في عام 1834م لدراسة كل ما يتعلق بالصناعات المعدنية.

أما مدرسة الألسن فقد أمر محمد علي بإنشائها عام 1835م باسم مدرسة الترجمة، ثم تغير اسمها إلى "مدرسة الألسن"، ويعود إنشاؤها إلي اقتراح من رفاعة الطهطاوي الذي تولى إدارتها واختار للدراسة بها ثمانين طالبًا، وعني فيها بتدريس اللغتين العربية والفرنسية، تليهما اللغة التركية والإنجليزية.


وقد أوجد هذا التعليم المدني ازدواجية في الثقافة والفكر في مصر، خاصة وأن محمد علي اختص خريجي المدارس الحديثة بالوظائف الحكومية والمناصب الرفيعة، في حين اقتصر دور خريجي الأزهر على الوظائف التعليمية التي صار ينظر إليها نظرة دونية، ولا تكفل لصاحبها ما تكفله الوظائف الحكومية من دخل.

وللقارئ أن يتخيل كل هذا الاهتمام الذي أولاه محمد علي للتعليم المدني الذي كان أغلب المدرسين به من الأجانب الفرنسيين والإيطاليين، في الوقت الذي كان الأزهر فيه يعاني من الإهمال، بل عمد محمد علي وأبناؤه من بعده إلى التقييد والتهميش المتعمد لدور الأزهر عن الحياة التعليمية والسياسية إلى أقصى حد؛ وذلك النهج تلخصه كلمة الخديوي عباس حلمي التي قال فيها محددًا دور الأزهر: "أول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدًا في الأزهر والشغب بعيدًا عنه، فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار؛ لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء.. إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه.. وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائمًا بعيدين عن الشغب، وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك". مهددًا: "من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد والأخذ والرد فيها بالإبعاد عن الأزهر".

هكذا أرادت أسرة محمد علي أن يشتغل العلماء الذين هم عصب الأمة ومحركو دفتها: بتلقي العلوم الدينية النافعة وفقط، أما من تسول له نفسه أن يحيد عن ذلك النهج؛ فإن الإبعاد عن الأزهر هو مصيره المحتوم.


هكذا كان حال الأزهر، ولو كان في مكان محمد علي: قائد مسلم يبتغي أن ينهض بمصر على أسس إسلامية وقاعدة إسلامية فقد كان أمامه سبيل آخر أكثر نجاعة، هو النهوض بالأزهر ـ معقل العلم لا لمصر وحدها، بل للعالم الإسلامي كله ـ بردِّه إلى الصورة الزاهية التي كانت عليها المعاهد الإسلامية في عصور النهضة، حيث كانت تعلّم العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية معًا، وكان يتخرج فيها الأطباء والمهندسون والرياضيون والفلكيون والفيزيائيون والكيمائيون المسلمون الذين علّموا العلم لأوروبا في عصور الظلام الدامس التي كانت تعيشها.

فإذا كانت بلاده ـ أو بلاد العالم الإسلامي جمعاء ـ تفتقر إلى المتخصصين في هذه العلوم، الذين يحتاج إليهم الأزهر لينهض بمهمته، ففي وسعه يومئذ أن يرسل أفرادًا بأعيانهم، يختارون اختيارًا دقيقًا، على أساس دينهم وتقواهم، وحصافتهم ورزانتهم، بعد أن يكونوا قد تجاوزوا سن الفتنة، وأحصنوا بالزواج فلا ينزلقون في مزالق الفساد الخلقي؛ فيتخصصون في مختلف العلوم ويعودون ليدرسوا للطلاب في بيئتهم الإسلامية، فيظل الشباب محافظًا على إسلامه، ويتزود من العلوم بما ينفض عنه تخلفه العلمي، ويعيد إليه الحاسّة العلمية التي فقدها المسلمون خلال عصر التخلف الطويل.

ولكن الهدف الأساسي الذي رنا إليه محمد علي من خلال هذه السياسة هو: جعل مصر قطعة من أوروبا، كما كان يقول ولده إسماعيل من بعده، بغض النظر عما قد ينطوي عليه ذلك من تبديل للقيم الأخلاقية التي كانت تميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، وهو ما صار بالفعل عندما عادت البعثات مفتونة وبغير الوجه الذي ذهبت به؛ وكانت وجهتهم الأولى التي أيقنوا بحدوث التغيير من خلالها هي «تغريب التعليم».


لقد بلغ عدد من أرسلهم محمد علي باشا إلى أوروبا في زمنه 319 طالبًا، أنفق عليهم 224 ألف جنيه مصري ـ وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت؛ حيث كانت يمكن تأجير القصر الفخم بجنيه ونصف فقط ـ وبعد عودتهم تولى هؤلاء التلاميذ الوظائف الهامة في المجتمع، وتمكنوا من أن يقوموا بتغيير وجه المجتمع المصري على كافة الأصعدة والميادين الحياتية، كما ساهموا في تغيير بنية المجتمع العقدية والفكرية هم وتلامذتهم الذين جاءوا من بعدهم، تمامًا كما أراد محمد علي باشا ومستشاروه. ولا أدقّ مما صوره اللورد كرومر عن الاختراق الفكري لمثل هذه البعثات حينما قال: "إن الشبان الذين يتلقون علومهم في إنجلترا وأوروبا يفقدون صلتهم الثقافية والروحية بوطنهم، ولا يستطيعون الانتماء في نفس الوقت إلى البلد الذي منحهم ثقافته فيتأرجحون في الوسط ممزقين".

وهذا بالفعل ما حدث في أفراد البعثات التي أرسلها محمد علي لأوروبا، ونستطيع أن نلمس ذلك جليًا من خلال قراءة بعض الصفحات من كتاب الشيخ رفاعة الطهطاوي: (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) الذي ألّفه بعد عودته من فرنسا، وامتدح فيه الحياة الفرنسية بكل مفرداتها من طرق التفكير والتعليم والتعامل بين الأفراد، حتى عادات الطعام والشراب، وطريقة وضع الأطباق والأكل بالشوكة والسكين، الأمر الذي يكشف عن مدى القزامة التي شعر بها الطهطاوي عندما وطئت قدماه هذه البلاد.


لقد عاد رفاعة الطهطاوي ـ العالم الأزهري الذي كان يفترض فيه أن يكون إمامًا لبعثة محمد علي، وواعظًا لأفرادها وهاديًا لهم من الوقوع في زلل الشهوات في فرنسا ـ عاد بعقل مخترق، حيث دعا في كتابه (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) إلى خروج المرأة للتعليم دون وضع ضوابط لهذا الخروج، بالإضافة إلى وضع البذرة الأولى لعمل المرأة، بذريعة أن التعليم "يمكّنها عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال، على قدر قوتها وطاقتها... فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمة عظيمة في حق النساء"، هكذا زعم.

إن أخطر ما قدّمه محمد علي لمصر في هذه الفترة: أنه وضع البذرة الأولى لمثل هذا النوع من التعليم التغريبي الذي أخذت تؤتي أكلها في عصر إسماعيل، فروى تربتها رفاعة الطهطاوي في كثير من الوصب والجهد، ثم جاء علي مبارك فنماها وأوصل جذورها فأينعت وأثمرت، وشهد تباشير الطهطاوي في أخريات أيامه عندما تهيأت العقول لتقبل مثل هذه التحركات.


القس دنلوب.. خطوة جديدة على الطريق:

ثم تسارعت الأحداث فيما بعد، وقدم الاحتلال البريطاني إلى مصر؛ وقام اللورد كرومر بتعيين القسيس المنصِّر «دوجلاس دنلوب» في منصب مستشار لوزارة المعارف المصرية «وزارة التعليم»، والذي كان يتحكم في السلطة الفعلية الكاملة بالوزارة.

ولنا أن نتوقع ما الذي تصير إليه أمور وزارة المعارف في بلد إسلامي؛ عندما يكون على رأسه أحد المنصرين وقساوسة الدولة المحتلة؛ لقد استطاع دنلوب أن يرسم سياسة تعليم على وفق الهوى الغربي النصراني (المسيحي)، فكان أن وُضعت مناهج تقطع الصلة بين الأمة الإسلامية ودينها التليد، فتم تشويه التاريخ الإسلامي، وأهملت دراسة الدين إلا في أضيق الحدود، وتم إعادة تعريف الإسلام على أنه الدين الذي أتى لهدم عبادة الأصنام التي عُظمت في الجاهلية، ولتحريم وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وغارات السلب والنهب.. وفقط ، وقد انتهى دوره بقضائه على هذه الأشياء.

وقد اعتمد دنلوب في سياسته لتطوير التعليم وتغريبه: على سياسة المثل الإنجليزي المشهور "بطيء لكنه أكيد المفعول"، وسدد ضربات قاتلة إلى التعليم الأزهري، الذي كان عصب التعليم المصري في ذلك الوقت، ويعود خبث خطة دنلوب إلى تركه للأزهر على ما هو عليه من الحالة المتردية، ودعم المدارس المدنية ـ غير دينية ـ التي لا تعلِّم الدين ولا تضعه في خطتها إلا نُتفًا قليلة، وأسند الوظائف العليا والمناصب الرفيعة والمكانة الاجتماعية للمتخرجين من هذه المدارس، ففي الوقت الذي لا يجد فيه خريج المدارس والمعاهد الأزهرية ـ الذي انتظم في سلك الدراسة عشرين سنة أو أكثر ـ وظيفة إلا بشق الأنفس، وإن وجدها فهي براتب زهيد لا يكفيه طعامًا وشرابًا فقط هو وأسرته، في الوقت نفسه: يُعيَّن خريج تلك المدارس المدنية في الدواوين والوزارات الحكومية بعد أربع سنوات فقط من الدراسة، ويتحصل على راتب يمثل ثروة ضخمة يحيا بها حياة كريمة في العاصمة القاهرة، ويتزوج ويبقى لديه فائض يشتري به الأملاك والأطيان. في الوقت الذي لا يعيش فيه خريج الأزهر إلا كفافًا، أو عالة، يسأل الناس أعطوه أو حرموه.

ولا شك أن هذا وضعًا مترديًا لخريجي الأزهر! كان كفيلاً بتوجه الناس عنه، وعن التعليم الديني بشكل عام إلى مثل تلك المدارس المدنية التي تكفل لصاحبها تلك المكانة المرموقة بين أبناء المجتمع، الذي صار ينظر إلى الثروة والمكانة على أنها كل شيء.


ومن أبرز أعمال دنلوب في دفع عجلة التغريب بمصر:

أنه عمل على محاربة اللغة العربية والإسلام والأزهر، ومن ذلك: اضطهاده لمعلمي اللغة العربية من الأزهريين، وبإزاء ذلك: نشر لواء اللغة الإنجليزية وأهلها؛ للسيطرة الكاملة على كل شؤون التعليم، وبذلك أمكنه القضاء على نفوذ اللغة العربية.

ولقد مضى في ذلك إلى حد أنّه جعل تعليم سائر العلوم كالرياضيات والتاريخ والكيمياء والجغرافيا والرسم باللغة الإنجليزية، وضيّق على اللغة العربية تضييقًا كبيرًا.

وشرع في نزع اعتقاد الشباب المسلم في القرآن، وكان مذهبه كما كان يقول: "متى توارى القرآن ومدينة مكة من بلاد العرب: يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة".


كان دنلوب يسافر كل صيف إلى بريطانيا، ثم يعود في أول العام الدراسي بعدد كبير من المعلمين الإنجليز حملة الشهادات الأهلية، وكانت أبرز كتابات هؤلاء المدرسين تبث الكراهية للغة العربية، وتحطيم آمال الأمة العربية وتغريب التلاميذ واتهام تاريخ العرب والمسلمين وإثارة الشكوك حوله، واتهام الحضارة الإسلامية العربية بالاتهامات المختلفة، لخلق شعور عام بكراهية هذه الأمجاد والنفور منها والسخرية بها، وكانوا يطعنون روح الوطنية في الشباب؛ للقضاء على حماستهم وتهديدهم.

وكانوا يصفون الأمة بأنّها نصف متحضرة، واضطهدوا كل شاب أظهر ميلاً أو عاطفة نحو دين أو وطن. فيما كان محرمًا على كل أستاذ مصري أن يتحدث عن تاريخ مصر أو تاريخ الإسلام.

كما شجع دنلوب انتشار المدارس الأجنبية وفق غايات سياسية تسير في نفس الاتجاه التغريبي الاستعماري، وهمَّ بتحطيم كيان الأمة وإفساد معنوياتها.


وعلى الرغم من إقصاء "دنلوب" وتعيين سعد زغلول وزيرًا للمعارف تحت ضغط الرأي العام على اللورد "كرومر"، ظلت السلطة الفعلية في يد "دنلوب"؛ حيث كانت تعتمد من قِبل الوزارة تلك الخطط التي يدبرها مع نظار المدارس، وكبار الموظفين بعد الاتصال به شخصيًا وتلقي أوامره وتعليماته قبل أن يكتبوا تقاريرهم الرسمية، وهو ما حدا بـ"إدوارد لامبير" ناظر مدرسة الحقوق أن يقول في تقريره: "إنّ الموظف القابض على الإدارة الحقيقية لوزارة المعارف هو دوجلاس دنلوب".

وقد أبطل "دنلوب" عددًا من الكتب المقررة لأنّها تتحدث عن القيم العربية الإسلامية؛ حيث كانت غير موافقة لهدفه من الوجهتين الدينية والسياسية؛ وذلك بإيرادها قواعد الإسلام وأركانه، مصحوبة بالحكم والآيات والأحاديث التي تحث على حب الوطن والتعاون وإصلاح ذات البين.

وفي سبيل شجب هذه الكتب أعلن دانلوب أنّ مثل هذه الكتب غير موافية لحاجات التعليم، وأوعز إلى بعض المدرسين الموالين له: بأن يضعوا كتبًا بديلة لها، تضم بعض خرافات لافونتين في عبارة سقيمة وأسلوب نازل".

وقد ناضل الشيخ "حمزة فتح الله" في سبيل إحباط رأيه؛ فأعلن "دنلوب" أنّ كتب المطالعة يجب أن تكون مجردة خالية من كل ما له مساس بالدين. هكذا زعم.

وللحديث بقية في الحلقة الثانية بإذن الله تعالى..

_________________________

المراجع:

- خريطة الحركات الإسلامية في مصر. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

- واقعنا المعاصر. محمد قطب.

- دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية. هاني السباعي.

- القس دانلوب وتغريب التعليم في مصر "سيد العفاني".

- جريدة المؤيد.

- معركة الحجاب والسفور. الدكتور محمد إسماعيل المقدم.

المصدر: محمد الغباشي - لها أون لاين
  • 18
  • 0
  • 19,723

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً