فريضة الجهاد بين تقرير العليم الخبير وتخبيص رئيس التحرير
منذ 2010-02-20
لقد آلمني أن تكونَ كتابات رؤساء تحرير صحفنا على هذا النحو الفج، وكنت أتَمنى أن تكون كتاباتهم أنموذجًا فارهًا للكتابة الناضجة الواعية المنهجية؛ لنفاخر بهم وبها، بدل أن نتوارى خجلاً.
لا يزال العجب يأخذ بنا كلَّ مأخذ ونَحن نرى صباحَ مساءَ في كثير من وسائل الإعلام - وخاصَّة المقروءةَ منها - "لتًّا وعجنًا وتخبيصًا كثيرًا"، في أمور الدين ومسائله العظام، من أُناس غير مؤهلين للخوض في تلك الأمور والمسائل، وإنَّما وجدوا ذلك حِمًى مباحًا، فولجوه دون أيِّ اعتبار للأهليَّة أو خوف من المساءلة.
يلج الواحدُ منهم هذا البحر الْخِضَمَّ، وهو لا يُجيد الخوض فيه، ولا يَملك وسائلَ النَّجاة من الغرق في موجه المتلاطم، فيغرق ويُغرق معه قُرَّاءه ممن هُم مثله في ضعف التَّأهيل وعدم القُدرة على السباحة في هذا البحر الخضم.
وآخر ما أتحفَتْنا به صحافتنا (العتيدة) من ذلك: ما دَبَجَه يراع رئيس تحرير مطبوعة ذائعة الصيت تصدُر في عاصمة بلادنا، أدخل نفسه في متاهة الحديث عن "الجهاد"، وهو غير مُلِمٍّ بالنواحي الشرعية لما يتحدَّث عنه، وغير عالم بحكم هذا الجهاد في شريعة الإسلام، وأنَّه أحد فرائض الدين، خاصَّة جهادَ الدفع، حين تستباح بيضة الإسلام، ويدخل العدوُّ أرضًا إسلامية، فيجب الجهاد حينذاك على كل قادر عليه من أهلها، وحينها لا تستأذن المرأة زوجها ولا المملوك سيِّده، وإنَّما يهبُّ الجميع لحماية ديارهم والدِّفاع عنها وإخراج العدو منها.
فقد كتب رئيس التحرير هذا، في زاوية له يوميَّة في الصحيفة التي يرأس تحريرَها - حلقتين من زاويته المشار إليها يومي الاثنين والثلاثاء 17و18/9/1430هـ، تحت عنوان "أمامنا مهمة أن نفهم إسلامنا ونقترب من بعضنا"، وأقحم "الجهاد" في كلامه الذي لا نعرف له بداية ولا نهاية، فتحدث فيه وعنه حديثَ غَيْر المتخصص، فأخطأ كثيرًا، وغلط كثيرًا، ولتَّ وعجن، ولكنَّه لم يخبز، فالحديث عن "الجهاد" أو أي فرع من فروع الفقه، سواء الفقه الأكبر (العقيدة) أو الفقه الأصغر (الأحكام) - يَحتاج إلى الفقيه المؤهل المتخصص، كأيِّ شأن من الشؤون الأخرى التي لا يُقبل الحديث فيها إلا لأهلها والمتخصصين فيها، كالطب والهندسة والقانون وغيرها، وكل علم من العلوم أو فنٍّ من الفنون، أو أدب من الآداب حين يتكلم فيه غَيْرُ أهله، فإنَّما يكون كلامهم رصَّ حروف ورصف كلمات ليس إلاَّ، ويكون حديثهم تخبيصًا ولتًّا وعجنًا بلا فائدة ولا طائل.
تحدَّث صاحبنا - هداه الله - في حلقته الثانية حديثًا غير مُترابط، لكنَّه ينم عن سوء فهم للجهاد، وخلط عجيب بينه وبين ما يَدَّعي أصحابه أنه جهاد، وليس بجهاد، وقال: إنَّه يفترض وجود حسن النية لدى الأكثريَّة ممن لم يذهبوا للجهاد (هكذا)، وهو يقصد "مَن لم يذهبوا لأتُّون المعارك الطاحنة في بعض البلاد التي اختلطت فيها الرايات، وتعددت فيها الجماعات، وتباينت فيها الولاءات، فأصبحت فتنة عظيمةَ، القاتل فيها والمقتول كلاهما على خطر عظيم"، فليس هذا إذًا هو الجهاد، فلماذا - يا أخانا - لا تُحسن التعبير عما تريد؟! ولماذا تُقحم الجهاد في الموضوع، وليسَ ثَمَّةَ جهاد ولا مجاهدون؟! ولماذا نُشَوِّه صورة الجهاد النقيَّة وهو الفريضة المحكمة من فرائض الله وذِروة سنام الإسلام؟!
إنَّ الأخطاءَ الكُبرى التي وقع فيها بعض المسلمين من تحزُّب وتجمُّع تحت إمرة فرد أو حركة أو مجموعة، والقتال باسم ذلك الفرد أو الحركة أو المجموعة، وتَحت لوائهم، وتسمية ذلك جهادًا - لا تُلغي فرضية الجهاد الحقيقي بشروطه وضوابطه الشرعية المعلومة من الدِّين بالضَّرورة، وليس الناس بأخطائهم واجتهاداتهم حُكَّامًا على شرع الله، وإنَّما شرع الله هو الحاكم على النَّاس، وأخطر من ذلك وأشد استثارةً للعجب قوله في ثنايا كلامِه غير المترابط: "وما دمتُ قريبًا من موضوع التعليم، فمن الأفضل أنْ أشير إلى عبارةٍ وردت في كتاب الأستاذ أحمد العيسى عن إصلاح التعليم في المملكة؛ حيثُ يأتي في وثيقة سياسة التعليم المعتمدة منذ سنوات بعيدة ما يلي: "ضرورة إعداد الطُّلاب للجهاد في سبيل الله روحانيًّا وبدنيًّا"، طبعًا كانت هناك مؤثرات عربيَّة وقت صدورها، ووقت وجود عدد من المنتمين للإسلام السياسي في المملكة بما كانت عليه البعث والشيوعيَّة والقومية من انتشار، والأغرب أن تتفق هذه القُوى في أكثر من دولة على استهداف المملكة، انهارت تلك القوى والتيارات، فكان يَجب أن يتم إلغاء ذلك النص"؛ انتهى كلام صاحبنا رئيس التحرير.
فكيف لم يفهم من أغراض الجهاد ومراميه ودوافعه إلاَّ أن يكون جهادًا للبعث والشيوعيَّة والقومية ليس غير، ولذلك وبناء على فهمه القاصر هذا؛ طَالَب بإلغاء هذا النَّص المتعلق بضرورة إعداد الطلاب للجهاد في سبيل الله من وثيقة سياسة التعليم المعتمدة، طالما أن تلك القوى والتيارات قد انهارت، فأيُّ فهم سقيم هذا للجهاد في سبيل الله حين نقصره على جهاد حركات وقُوى معينة ينتهي الجهاد بانتهائها، ويسقط التكليف به بسقوطها؟!
الجهادُ في سبيل الله - يا سيادة رئيس التحرير - فريضة مُحكمة في شريعة الإسلام، لها أحكامها وضوابطها وشروطها وأهدافها، ومحل تفصيل ذلك كله كتب الفقه الإسلامي التي تشتمل على "كتاب الجهاد" إلى جانب "كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب النكاح"... إلخ، ولأهمية هذه الفريضة من فرائض الإسلام تَحدث عنها القرآن الكريم حديثًا مفصَّلاً في عشرات الآيات، منها ما يلي:
1- {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 19].
2- {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6].
3- {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} [البقرة: 218].
4- {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].
5- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 72].
6- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74].
7- {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 75].
8- {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [التوبة: 16].
9- {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 20].
10- {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: 88].
11- {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110].
12- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
13- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10 - 11].
14- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54].
15- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] [التحريم: 9].
16- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 35].
17- {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41].
18- {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24].
19- {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} [النساء: 95 - 96].
20- {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].
والآياتُ الكريمة السالفة تبيِّن مكانةَ هذه الفريضة العظيمة وأهميتها، وأنَّ المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم هم المؤمنون حقًّا، وأنَّهم أعظم درجة عند الله، وأنَّهم هم الصادقون، وأنَّ الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال تجارة رابحة مع الله - عزَّ وجلَّ - تكون سببًا للنَّجاة من عذاب الله الأليم، وأنه سبب للفلاح، وأنَّ تفضيل مَحبة الآباء والأبناء والإخوان، والأزواج والعشيرة والتِّجارات والمساكن على الجهاد في سبيل الله - مُؤذن بمجيء أمر الله المؤذن بالهلاك والخسران في الدُّنيا والآخرة.
فهل يُقال بعد هذا: يَجب إلغاءُ النصِّ المتضمن إعدادَ الطلاب روحيًّا وبدنيًّا للجهاد في سبيل الله من وثيقة سياسة التعليم المعتمدة؟! وإذا افترضنا الاستجابةَ لطلب إلغاء النص، فهل ستتم المطالبة بإلغاء الآيات القُرآنية الكريمة التي وردت بعاليه من القرآن الكريم؟! عجبي!
إنِّي لأربأ بكاتب مُبتدئ عن أنْ يقع في مثل هذا المزلق، فكيف يقع فيه رئيس تحرير لصحيفة سيارة، كان يفترض أنْ يكونَ أكثر دقَّة واحتياطًا لنفسه، وحرصًا على اتِّباع المنهج العلمي في كتاباتِه، لا أن تكون تهويشات وتهويمات لا تستند إلى مَنطق ولا تقوم على دليل؟!
وقبل مطالبته بإلغاء هذا النَّص من وثيقةِ سياسة التعليم كان قد حمَّل التعليمَ في السابق مسؤوليةً كُبرى في ذلك، واسم الإشارة "ذلك" يرجع إلى سطور افتتح بها حلقته الثانية من زاويته جاءت على النحو التالي: "أكرر أنني أفترض وجودَ حُسن النية لدى الأكثريَّة ممن لم يذهبوا للجهاد، لكنَّهم وضعوا أبناءهم أو إخوانهم أو جيرانهم في أجواء فَهْمِ مغلقة، في عزلة وَعْي، ومِنْ ثَمَّ فيما بعد تحفيز عدوانيَّات النقمة، وتعديل مفاهيم هؤلاء لا يُمكن أن يتم بسهولة بعد أن تُركوا فترة ليست بالقصيرة تحت تأثير قُوى أخرى استجدت عليهم، وزادت في تلويث مفاهيمهم، ولعلَّ التعليم في السابق يتحمل مسؤولية كبرى في ذلك".
فهل يعني سيادة رئيس التحرير أنَّ التعليمَ في السابق يتحمَّل مسؤولية وضع أولئك لأبنائهم أو إخوانهم أو جيرانهم في أجواء فهم مغلقة؟
وإذا كانوا هم الذين وضعوهم فما دخل التعليم؟!
ولماذا تُحمِّله مسؤولية شيء فعله غيره؟!
ثم ما معنى: "أجواء فهم مغلقة"، و"عزلة وعي"، و"تحفيز عدوانيَّات النقمة"؟
لماذا لا يكون الحديث مباشرًا وصريحًا دون حاجة لهذه التعابير الفلسفية الركيكة؟!
لكن هدف سيادة رئيس التحرير يتضح جليًّا من هذا الكلام كله، ومن هذه الشنشنة التي نعرفها من أخزم حين يتناول بعد ذلك مباشرة "جامعة الإمام - في الماضي وليس الآن - التي تصدرت ذلك التعليمَ بِما مارسته من محاضرات (دينية) ومُؤثرات وَعْي سلبية، ووصلت إلى مرحلة تصعيد أهميتها بجعلها مَن يُزكي المبتعث أو يبطل ابتعاثه"، هذا بيت القصيد إذًا؛ إنه ضائق صدره وشرق حلقه بتلك المحاضرات الدينيَّة التي اعتبرها مُؤثرات وعي سلبية.
وأكثر ما غمَّه وأحزنه أنَّ تلك الجامعة صعَّدت أهميتها بجعلها مَن يزكي المبتعث أو يبطل ابتعاثه، وهو يرمي إلى ما وكلته الدولة لتلك الجامعة من إقامة دورات للمبتعثين يلزمهم حضورها، وعلى ضوء اجتيازها من عدمه يتم ابتعاثهم أو لا يتم، وليس على الجامعة جُناح فيما قامت به من ذلك طالما أنَّها مكلفة به من قبل الدولة، وعلى سيادة رئيس التحرير أنْ يعاتب الدولة في ذلك بدلاً من لوم الجامعة.
ثم ماذا يضيرك من إقامةِ تلك الدورات في تلك الجامعة؟! ولماذا لا تنظر إليها على أنَّها تحقيقٌ لمبدأ سلامة المبتعثين وسلامة الابتعاث؛ لضمان أن يكون ابتعاثًا هادفًا محققًا لآمال وتطلعات الدولة في أبنائها المبتعثين، وتحصينًا لهم من كل فكر دخيل على عقيدتِهم وبلادهم، لا أن يكون ابتعاثًا لمجرد الابتعاث، فتكون سلبياته أكثر من إيجابيَّاته، فيعود بالضرر الماحق حينئذٍ على المبتعث وعلى أسرته ومجتمعه ووطنه جميعًا؟!
أمَّا المحاضرات الدينية التي ينظر إليها سيادته على أنَّها "مؤثرات وعي سلبية"، فهي مناط فخر الجامعة، ومصدر عزِّها باعتبارها جامعةً متخصصة - في الماضي وليس الآن - في العلوم الدينيَّة، فلا تلام على بروزها في مجال تخصصها، وكان على سيادة رئيس التحرير أنْ يشكر الجامعة على تلك "المحاضرات الدينية" التي أجزم - أنا كاتب هذه السطور - أنَّ الإيجابية فيها أضعاف أضعاف السلبية - إن وجد فيها شيء من السلبية.
لقد آلمني أن تكونَ كتابات رؤساء تحرير صحفنا على هذا النحو الفج، وكنت أتَمنى أن تكون كتاباتهم أنموذجًا فارهًا للكتابة الناضجة الواعية المنهجية؛ لنفاخر بهم وبها، بدل أن نتوارى خجلاً.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
المصدر: الشيخ عبد الله بن حمد الشبانة - موقع الآلوكة
- التصنيف:
Hesham Mahmoud
منذ