ابتسم وقال: الشيخ ياسين منهم
قال: "هناك شيخ جليل جاوز التسعين من عمره وهو عالم فاضل ومفتي صيدا وروى بشارة لك، وهي أنه رأى رسول الله صلى الله وعليه وسلم وشكى له حال الأمة الإسلامية وسأله كيف ينتصر هذا الدين، فأجابه النبي بالعلماء والمجاهدين، فقال الشيخ هل أنا منهم يا رسول الله فابتسم الرسول وقال الشيخ أحمد ياسين منهم".
ما أن أتم المؤذن نداءه لصلاة العصر حتى بدأ بعض الأهالي حي الرمال التوجه لمسجد الكنز لأداء الصلاة في داخله، وفي خارج المسجد كانت طفلة في السابعة من عمرها تنظر وتنتظر.
ما هي إلا دقائق معدودة وإذ بالأستاذ أحمد، هكذا كان ينادى الشيخ الشهيد أحمد ياسين في ذلك الوقت، يخرج وتتوجه إليه الطفلة خائفة عليه من الوقوع على الأرض لما تراه من صعوبة المشي بسبب ما أصابه من شلل، وتعرض عليه أن يرتكز على كتفها لتوصله أينما يريد.
وتأتي الابتسامة العريضة والنظرة الحانية الفرحة بشعور هذه الطفلة ويأتي الرد أن صحته جيدة ويستطيع الاعتماد على نفسه.
ويمشي مع الطفلة إلى نهاية الشارع وهو يدعو لها بالخير والصلاح والتوفيق في الدنيا والآخرة، كبرت هذه الطفلة وأصبحت ابنة الحادية عشر من عمرها وفي يوم من الأيام حصلت على قطعة قماش وأرادت أن تخيطها جلباباً شرعياً ويعارضها أخوها ويرفض ذلك بسبب أن القماش لونين وهذا ينافي مواصفات الزي الشرعي (كانت بني وبها قليل من البيج) ويختلفان بالرأي ثم يتفقان على عرضها على الأستاذ أحمد ليبدي رأيه، ففعلاً حضر وشاهد قطعة القماش وجاء الرد: "لو أن غيرك طلب ذلك لفهمته، أما بناتنا فنريدهن من الجيل القرآني وقدوة لغيرهن لا يغرهن متاع هذه الدنيا"، ففهمت الفتاة ابنة الحادية عشر مراده.
وبدأ الأستاذ يجتمع معها وبعض رفيقاتها في مسجد العباس ليعلمهن دينهن ويشرف بنفسه على تربيتهن التربية الإسلامية، بلغت الفتاة السادسة عشر من عمرها ويصر الشيخ على اختيار الزوج الذي يقتنع بهذه الفتاة ، وفعلاً كان له ما أراد واختار ابن قرية يبنا من المهاجرين إلى غزة وهو المهندس موسى أبو مرزوق الذي درس في مصر والحمد لله كان الخير الكثير لهذه الفتاة.
وتمر السنين ويدخل الشيخ الشهيد أحمد ياسين سجن الاحتلال بتهمة (تأسيس حماس) ويدخل الزوج سجن نيويورك بتهمة رئاسة المكتب السياسي لحماس، ثم يأتي الفرج من الله ويفرج عن الاثنين ويكون اللقاء مرة أخرى في مدينة الحسين الطبية في عمان وينظر الشيخ إلى ربا ابنة تلك الفتاة ويعود بالذاكرة سنين إلى الوراء ثم تبسم ويقول: "هذه ناديا الصغيرة"، فترد عليه نادية الكبيرة الأم وتقول: "إن شاء الله تأتي بعريس لها كما فعلت سابقاً لأمها"، ويضحك الشيخ ضحكته المعهودة المميزة ويقول إن شاء الله إن كنت على قيد الحياة، ثم يبدأ الزوج د. موسى بإطعامه بيده ما طلب وما اشتاق إليه من طعام أثناء فترة اعتقاله.
هذا القليل جداً مما مر علينا في الملف التربوي ولكننا لو ذهبنا للملف العسكري سنجد آلاف القصص عند الشيخ لو عرجنا على ملف الجامعة الإسلامية وتأسيسها ومجالس الصلح بين العائلات ومجالس الخلافات الشرعية والحل فيها وإلى كل مسجد في القطاع والضفة و 48 نجد بصمة للشيخ في كل هذه المواقف وغيرها، فهنيئاً لك شيخنا أن أكرمك الله بهذه الشهادة وانت المقيد الذي لا يستطيع حمل السلاح وتهاجمك أحدث طائرات العدو وتقصفك على كرسيك بيد مسجدك وبيتك بعد أدائك لصلاة الفجر.
ولا أنسى ما حصل تلك الليلة عندما عاد زوجي الدكتور موسى من لبنان إلى سوريا بعد منتصف الليل وقال: "أريد الاتصال بالشيخ أحمد ولكنه نائم الآن سأنتظر بعد الفجر" فسألته لماذا؟، قال: "لي عنده بشارة" فقلت له ما هي!
قال: "هناك شيخ جليل جاوز التسعين من عمره وهو عالم فاضل ومفتي صيدا وروى بشارة لك، وهي أنه رأى رسول الله صلى الله وعليه وسلم وشكى له حال الأمة الإسلامية وسأله كيف ينتصر هذا الدين، فأجابه النبي بالعلماء والمجاهدين، فقال الشيخ هل أنا منهم يا رسول الله فابتسم الرسول وقال الشيخ أحمد ياسين منهم".
وكنت مع زوجي ننتظر الفجر لنبشر الشيخ أحمد فإذا بالهاتف يخبرنا نبأ استشهاده فقلت يا سبحان الله من نحن لنخبره لقد اختاره الله وأخبره عملياً واصطفاه شهيداً .
فهنيئاً لك شيخنا حياتك مع الأنبياء والشهداء والصالحين، ما زرعته يحصده أبناؤك وبناتك وكما علمتنا أن الحركات ذات الفكر السليم المعتمدة على الله صاحبة الأهداف السامية لا تتأثر بغياب القادة ولقد خرج من أبناءك قادة عظام نسأل الله أن يثبتهم وينصرهم وإلى لقاء في الجنة إن شاء الله.
-----
زوجة الدكتور موسى أبو مرزوق
نادية العشي