التسليع أو الـ Commodification
التسليع أو الـ Commodification
مصطلح انشغل به بعض منظري الحضارة الغربية في العقود الأخيرة بعد أن انتبهوا في لحظات حضارية فارقة إلى تلك الحقيقة المفزعة
حقيقة أن رأسماليتهم المفرطة قد أغرقتهم في آلية تسليع أي شىء وكل شىء
حتى الإنسان ومشاعره ورغباته الوجدانية وعلاقاته الشعورية بمن حوله تم إدخالها إلى ماكينة التسليع العملاقة لتخرج في النهاية سلعا جافة جامدة تباع وتشترى
حب الأم وبرها أصبح له "يوم احتفالي ثابت في السنة" مقترن بهدية
كذلك حب الزوجة والزوج
وأيضا عيد الأب وذلك الأخير لم يتم تصديره بنجاح لبلادنا
طبعا كل هذه الاحتفالات مرتبطة بأيام محددة وبفواتير شراء ومواسم تربح تنتفع بها كبرى الشركات التجارية.
التخلص من هذا الإرث الرأسمالي الذي اعتنقوه بشكل "لا شعوري" يعد فحوى دعوات بدأت تظهر هناك مؤخرا حين اكتشفوا أنه قد آل في النهاية إلى "تسليع" للعواطف الانسانية من أجل رواج سوق التجارة والمصالح المادية..
بزنس يعني!
قبل أن يسارع البعض لقائمة الاتهامات المعتادة في وجه أي محاولة لتأمل مآلات المعتاد والخروج من أسر المألوف أرجو منهم وقد رحلت منذ عشرة أيام إحدى هذه المناسبات وهي ما يعرف بعيد الأم أن يسألوا أنفسهم بعض الأسئلة التأسيسية:
هل استمر الأمر على مراده الكلاسيكي الأول بإحياء تلك المشاعر الإنسانية أم أنه قد انحرف تدريجيا عن هذا المراد وصار مجرد روتين سنوي تغلب عليه المادية البحتة؟
هل ظلت تلك المناسبات تمثل إحياءً لقيم البر والمحبة تكون وقودا لها سائر العام أم أنها تحولت دون شعور إلى إرهاق معنوي ومادي سببه الإغراق في "السلعية" التي تتحدد على أساس قيمتها المادية درجات المحبة ومعايير الاهتمام والتجاهل أو التقدير والإهمال؟
هل أثرت تلك المناسبات المستحدثة بشكل إيجابي على ما بعدها وما قبلها من الأيام (العادية) أم أنها جعلت كثيرا منا يركن قبلها إلى اقترابها ويكتفي بعدها بكونه قد أدى حقها؟
فتجده يؤجل كثيرا من واجباته "العاطفية والوجدانية" تجاه الطرف الآخر سواء كانت أما أو زوجة أو قريب أو عزيز لمجرد شعوره بأن هناك مناسبة قادمة قريبا ومن خلالها سوف نصلح أو نعالج هذا التقصير عن طريق الهدية الثمينة ثم يكتفي فيما بعد المناسبة بأنه قد أدى ما عليه وجاب الهدية كتر ألف خيره!
وهل ساهم كل ما سبق في اختزال وتقليص حيز العاطفة والمشاعر الأسرية فأصبحت القاعدة هى الاستثناء بأن صار منحنى المشاعر ومسار الإحسان موسميا محدودا بينما أمرنا ربنا جل وعلا بأن يصاحبنا في حياتنا كلها وسائر أيامنا وأوقاتنا وأفعالنا كبرت أو صغرت؟
هل هذا المنحنى والمسار الثابت الذي يفترض أن يكون دائما ومستقرا "وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً"هل أصبح بحاجة إلى مناسبة استثنائية أو احتفالية "موسمية" لها مسمى ويوم وتاريخ محدد وطقوس معينة لابد من وجودها لكي يتم تفعيل تلك القيم والأصول وتذكرها ومن دونها تكون الرتابة الحسية والجفاء الشعوري لشهور طويلة انتظارا للموسم من جديد؟
أسئلة تحتاج منا إلى إجابات صريحة والتفات إلى حقيقة مآلات الموسمية والسلعية التي باتت تسيطر على مجتمعاتنا
إجابات لن أسعى لفرضها عليك عزيزي القارىء
فقط أريد منك أن تغلق عينيك وتتصور بصدق حياتك من دون تواكل أو ركون لتلك المواسم
وحينئذ ستسطيع أن تجيب بكل بساطة عن حقيقة ما يحدث وهل كانت مآلاته صحية على علاقاتنا وحياتنا الاجتماعية أم أننا بالفعل قد سقطنا في فخ التسليع والمادية وصارت حياتنا ومشاعرنا عبارة عن مزادات موسمية؟