جامع الأدلة على وجود الله مع نقد شبهات الملاحدة - [02] دليل الفطرة
الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً، فمشيُ الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج أمر من غير سببه خلاف الفطرة العقلية.
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلى الله، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، أما بعد :
فالأدلة على وجود الله كثيرة جدا و منها دليل الفطرة إذ الإنسان بحسب فطرته يميل إلى اللجوء إلى رب يعتقد فيه القوة الخارقة والسيطرة الكاملة عليه وعلى المخلوقات من حوله، وهذا الاعتقاد يحقق له الميل الفطري للتدين ويشبع نزعته تلك.
تعريف الفطرة:
الفطرة لغـة مشتقة من: فطر الشيء فطراً و تستعمل على عدة معاني: الشق و الابتداء والاختراع والخلقة وفي قاموس اللغة: (الفطرة تعني الخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه)، ومعنى الابتداء والخلق هما الأنسب للمعنى المراد في دلالة الفطرة على وجود الله.
والفطرة اصطلاحا هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها، وعلى محبة الخير وإيثاره وكراهية الشر ودفعه، وجعلهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه، أو الفطرة هي الطبيعة الجسمية والنفسية التي يخلق بها الإنسان، إذ يولد في الدنيا و تولد معه الغرائز و الأحاسيس و العواطف إنها الإنسان بما هو قبل أن يتأثر بأفكار أسرته ومعلمه ومجتمعه.
قال ابن عاشور: "الفطرة هي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص نوع الإنسان هي ما خلقه الله عليه جسداً وعقلاً، فمشيُ الإنسان برجليه فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية، ومحاولة استنتاج أمر من غير سببه خلاف الفطرة العقلية".
و قال ابن عطية: "والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أي الفطرة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الإنسان التي هي معدة ومهيئة لأن يميز بها مصنوعات الله، و يستدل بها على ربه ويعرف شرائعه".
شرح دليل الفطرة:
ودليل الفطرة يعتمد على أنّ الإنسان لو ترك وذاته، بدون معلم أو مربي، فإنّه يشعر في أعماق نفسه، وبما أودعه الله في خلقته بأنّ لهذا الكون خالقا خلقه، ومكوناً كونه، ومبدعاً أبدعه، ومدبراً دبره هذا الشعور نابع من فطرته وذاته وليس مما تعلمه من والديه وأهله، يولد معه، وينمو معه، ويبقى معه لا يتغير بتغير الظروف، ولا يمكن انتزاعه من نفسه، لأنّه جزء لا يتجزأ منها، فكما أنّ غرائز الإنسان ذاتية له لا يمكن فصلها عنه ولا تحتاج إلى تعليم معلم، وكما أنّ عواطف الإنسان وأحاسيسه جزء من خلقته وكيانه البشرى، فإنّ شعوره الفطري الذاتي يدفعه دائما إلى الإيمان بأنّ لهذا الكون خالقاً ومدبراً وربّاً.
و قال شيخ الإسلام: "إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة" .
و لو افترضنا إنساناً يولد في الصحراء بعيداً عن تعليم الأهل والمجتمع، ثُمّ يكبر هذا الإنسان حتى يبلغ سنّ الرشد، فإنّه كما يعرف غرائزه وأحاسيسه، فسيعرف أنّ له ربّاً وخالقاً، خلقه وأوجده من العدم، وكما يعرف أنّه يحتاج إلى الطعام لسدّ جوعه، وإلى الشراب لإرواء عطشه، وإلى الجنس لإطفاء شهوته، وغيرها من الغرائز في ذاته فإنّه ليعرف كذلك من خلال فطرته بأنّه بحاجة إلى خالق لخلقه، وموجد له يوجده من العدم، أنّه يبحث بذاته ويتساءل من أين جاء؟ والى أين سيذهب؟ ولماذا هو في هذه الدنيا؟ ولابدّ أن يكون له خالقاً خلقه وكوّنه وأبدعه، فهو يؤمن بوجود خالق يتوجه إليه في حاجاته وخصوصاً عند الشدائد بدون حاجة إلى من يعلمه ذلك.
و إن قيل هل هناك تجربة عملية تبين و تثبت دلالة الفطرة على وجود الخالق؟
و الجواب أن الإيمان بوجود الله الخالق أمر غيبي و الأمور الغيبية لا تدرك بالتجربة ومما يدل على دلالة الفطرة على وجود الخالق ما يلي:
أولا: وجود العبودية و التدين عبر تاريخ البشر:
لاحظ العلماء أن جميع الأمم التي درس علماء تاريخ الأديان تاريخها اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها، ولا يوجد عَلَى الإطلاق في أي عصر من العصور، ولا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين ولا بلا إله معبود، حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين، و إله معبود حتى قال بعضهم: "لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غيرعلوم وفنون وفلسفات، لم توجد جماعة بغير ديانة" فالشعور الفطري بوجود خالق مدبر لهذا الكون شعور مشترك بين جميع الناس مغروس في النفوس، يقوم في نفس الطفل الصغير، والإنسان البدائي والإنسان المتحضر، والجاهل والعالم والباحث والفيلسوف، كل هؤلاء يشعرون بشعور مشترك لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم.
ثانيا: الالتجاء إلى الله عند الشدائد فالشدائد تصفي جوهر الفطرة:
من المعلوم أنّ فطرية الإيمان باللّه لا تعني بالضرورة أن يكون الإنسان متوجهاً إلى اللّه دائماً ملتفتاً إليه مرتكزاً إيّاه في جميع حالاته وآونة حياته اليومية، إذ رب عوامل تتسبب في إخفاء هذا الإحساس في خبايا النفس وحناياها وتمنع من تجليه، وظهوره على سطح الذهن، وفي مجال الوعي والشعور وأمّا عند ما يرتفع ذلك الحجاب المانع عن الفطرة فالإنسان يسمع نداء فطرته بوضوح.
والإنسان إذا وقع في محنة شديدة لا يبقى في ظنه رجاء المعاونة من أحد، فهو بأصل خلقته يتضرع إلى من يخلصه منها، وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر.
ومن أوضح الأدلة على فطرية المعرفة بالله عز وجل والإيمان بوجوده ذلك الدافع القوي الذي يُلجئ الإنسان عند المصائب والمخاطر إلى نداء الله تعالى، والاستغاثة به كائناً من كان ذلك الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن
ففي الشدة تبدو فطرة الناس جميعاً كما هي في أصلها الذي خلقها الله عليه، وعندما تمر المحنة وتأتي العافية والنعمة يعودون إلى مخالفة فطرتهم من جديد، ويندر أن لا يذكر إنسان أمثلة من حياته عاش فيها هذا المعنى قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:67].
وكثيراً ما تنكشف الحجب عن الفطرة، فتزول عنها الغشاوة التي رانت عليها عندما تصاب بشدة، أو تقع في مأزق لا تجد فيه من البشرعوناً، وتفقد أسباب النجاة، فكم من ملحد عرف ربّه ورجع إليه عندما أحيطت به شدة، وكم من مشرك أخلص دينه لله لضرّ نزل به، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22].
و قد سمعنا كيف رجع ركاب طائرة ما إلى ربّهم عندما أصاب طائرتهم خلل، فأخذت تهتز وتميل، وتتأرجح في الفضاء والطيار لا يملك من أمره شيئاً فضلاً عن الركاب، هناك اختفى الإلحاد، وضجّت الألسنة بالدّعاء، ورغبت القلوب إلى ربها بصدق وإخلاص، ولم يبق للشرك والإلحاد وجود في مثل هذا الموقف الرهيب.
و قد قرأنا ما نشرته مجلة المختار المترجمة عن مجلة ريــدر دايجست مقالة أيام الحـــرب لشاب من جنود المظلات يوم كانت المظلات والهبوط بهـا شيئا جديدأ يروي قصتــه فيقول: "إنه نشأ في بيت ليس فيه من يذكــــر الله أو يصلي، ودرس في مدارس ليس فيها دروس للدين، ولا مدرس متدين، نشأ نشأة علمانية مادية، أي مثل نشأة الحيوانات التي لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح، ولكنه لما هبط أول مرة، ورأى نفسه ساقطًا في الفضاء قبل أن تنفتح المظلة جعل يقول: يا الله، يا رب، ويدعو من قلبه وهو يتعجب من أين جاه هذا الإيمان؟"
لو كنت في صحراء ووقعت في حفرة وأصبحت في حفرة وأصبحت تنادي وتستغيث وتطلب النجدة، لمن ستنادي؟ ستبدأ بأهلك ثم أصدقائك ثم أي شخص يمكنه مساعدتك وهم جميعاً غير موجودين في هذه الصحراء، ولكن في النهاية ستعود لفطرتك لتنادي يا الله وتستغيث به، سواء كنت مؤمناً به أم لا.
ولا يصح لنا أن نستنتج من توجه البشر إلى اللّه في الشدائد بأنّ الإيمان وليد الخوف والرهبة من الطبيعة الغاضبة كما يدعي الملاحدة بل الخوف مجرد وسيلة تكشف الغطاء عن ذلك الإيمان المغروس في أعماق البشر، المودوع في الفطرة وكذلك تكون فطرة الإيمان باللّه والتدين وحب الجمال واكتناز الثروة وطلب العلم رغم أنّها أُمور مجبولة مع فطرتنا ومعجونة مع خلقتنا فهي لا تظهر ولا تتفتّح ولا تبرز في كل الأوقات والظروف، ولا تتجلّى في عالم الذهن في كل الأزمنة والأحوال ما لم تتهيّأ الظروف المناسبة لها في وجودنا.
ثالثا: التساؤلات الفطرية عن الوجود:
هناك أسئلة تدور في ذهن الإنسان وتلح على الإنسان في داخله لا يستطيع دفعها عن أصل الوجود ونهايته وسببه، وعن الموت وأسراره، وعن الروح وأسرارها مما يدل على وجود فطرة كافية في النفوس تبرز هذه الأسئلة عن الإله والوجود.
رابعا: احتياج النفس إلى قوة مدبرة:
لا ريب أن كل إنسان يشعر في قرارة نفسه بافتقار وحاجة إلى إله قادر مدبر، يرفع إليه حاجاته، ويسند إليه أموره، وهذا الشعور ناشئ عن النقص والعجز الذاتي في أنفسنا، والعاجز يفتقر أبداً إلى من يعينه، والناقص دائماً يحتاج إلى من يكمله.
أننا نشعر بوجود الروح فينا فنحرص عليها دون أن نشعر بها بإحدى الحواس الظاهرة وفي أنفسنا نشعر بالعواطف والوجدانيات، كالحب والبغض والرغبة والكره، فما الدليل على وجودها فينا وهي متغلغلة في داخلنا هل نستطيع أن نقيم عليها دليلاً أكثر من أننا نشعر بها وهي حق لا شك فيه كذلك حاجة النفس إلى قوة مدبرة!
شبهات حول دلالة الفطرة:
الشبهة الأولى: لوكانت معرفة الله فطرية لما أنكرها أحد:
والجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن الإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً ضرورياَ في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وما يحصل من ضلال أوانحراف في هذه الفطرة أمر طارئ على هذه الفطرة السليمة فالإنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف عن المعبود الحق والبشر جميعا في كل العصور تجدهم يبحثون عن اله يعبدونه وهذا استجابة لنداء مرتكز وموجود في داخلهم وهذا يفسر اتخاذ من لم يصلهم منهج واضح عن الخالق بالهة من كل صنف يعبدونهم.
الوجه الثاني: أن من أثر عنه إنكار الخالق في البشر قليلون جداً على مرّ التاريخ مقارنة مع من يثبت وجوده، وهذه القلة على قسمين:
أحدهما: قسم ينكر وجود الله ظاهراً فقط، مع إيمانه بخلاف ذلك في قرارة قلبه وأشهر هؤلاء: فرعون موسى وأمثاله، قال الله تعالى في حقهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14].
الثاني: قسم آخر هو في الحقيقة معترف بوجود صانع مدبر خالق ظاهراً وباطناً، غير أنه يحيل ذلك إلى الطبيعة أوغيرها، مما يدل على وجود علوم أولية فطرية مشوبة بالمؤثرات الخارجية.
الشبهة الثانية: نفوس العقلاء تتطلع إلى الاستدلال على وجود الله فلوكان أمرا فطريا لما تطلع للاستدلال عليه، والجواب: أننا لا نسلم أن جميع العقلاء كذلك، بل جمهور العقلاء مطمئنون إلى الإقرار بالله تعالى، وهم مفطورون على ذلك، ولهذا إذا ذكر لأحدهم اسمه تعالى، وجد نفسه ذاكرة له مقبلة عليه، كما إذا ذكر له ما هومعروف عنده من المخلوقات.
والمتجاهل الذي يقول: إنه لا يعرفه، هوعند الناس أعظم تجاهلاً ممن يقول: إنه لا يعرف ما تواتر خبره من الأنبياء والملوك والمدائن والوقائع، وذلك عندهم أعظم سفسطة من غيره من أنواع السفسطة، ولهذا من تتبع مقالات الناس المخالفة للحس والعقل وجد المسفسطين فيها أعظم بكثير من المسفسطين المنكرين للصانع، فعلم أن معرفته في الفطرة أثبت وأقوى.
والاستدلال على وجود الله رغم دليل الفطرة من باب تعدد الأدلة،وتعدد الأدلة يزيد في التصديق، واليقين، والمعرفة، والإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة.
الشبهة الثالثة: لوكان التوجه إلى الله أمراً فطرياً لما عبد الناس في مختلف العصور آلهة شتى:
والجواب: أن الإنسان إذا لم يهتد إلى الله تعالى فإنه يُعبِّد نفسه لأي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن أكله ولوكان خبيثا ليسد به جوعته وأيضا الفطرة تدعوالمرء إلى الاتجاه إلى الخالق، لكن الإنسان تحيط به عوامل كثيرة تجعله ينحرف حينما يتجه إلى المعبود الحق، ومن ذلك ما قد يغرسه الآباء في نفوس الأبناء، وما قد يلقيه الكتاب والمعلمون والباحثون في أفكار الناشئة، فإنه يبدل هذه الفطرة ويغيرها ويلقي عليها غشاوة فلا تتجه إلى الحقيقة.
وغاية قول الملاحدة لوكان التوجه إلى الله أمراً فطرياً لما عبد النّاس آلهة شتى الدلالة على انتكاس ما أودع الله في الناس من فطرة لا نفي فطرة وجود الخالق.
وقد ثبت وجود إله خالق فالكل مفطور على وجود خالق، ولا دليل على وجود أكثر من إله خالق، فلا يصح ادعاء أكثر من إله ولوكان هناك خالق غير الله لادعى الخلق، ولم يدع أحد غير الله لنفسه الخلق إلا خذله الله في الدنيا وافتضح أمره، أما الله سبحانه فقد قال أنه الخالق لكل شيء عن طريق رسله وأنبيائه ولم ينازعه أحد، قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:3]، وقال تعالى: {اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62].
وقال الباقلاني: "وليس يجوز أن يكون صانع العالم اثنين، ولا أكثر من ذلك، والدليل على ذلك أن الاثنين يصح أن يختلفا، ويوجِد أحدهما ضد مراد الآخر؛ فلواختلفا، وأراد أحدهما إحياء جسم، وأراد الآخر إماتته، لوجب أن يلحقهما العجز، أوواحداً منهما؛ لأنه محال أن يتم ما يريدان جميعاً لتضاد مراديهما، فوجب أن لا يتما، أويتم مراد أحدهما، فيلحق من لم يتم مراده العجز. أولا يتم مرادهما، فيلحقهما العجز. والعجز من سمات الحدث، والقديم الإله لا يجوز أن يكون عاجزاً".
وقال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء:42]، أي لوكان معه آلهة كما يقول المشركون لاتخذ العباد السبل الموصلة إلى عبادة الله الملك الحق، لأن جميع هؤلاء المعبودين من دون الله إنما كانوا يعبدون الله ويتقربون إليه، فحري بمن أراد أن يتقرب إلى من بيده النفع والضر أن يعبد الإله الحق الذي يعبده من في السماوات والأرض بما فيهم هؤلاء الآلهة المعبودون من دون الله، أي لوكَانَ هناك آلهة أخرى لكان شأنها أن تتقرب هي إِلَى الله سبحانه إذاً؛ لا توجد آلهة من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وليس تعدد الآلهة ذريعة لترك عبادة الإله الحق فلوكنت قاضيا وأمامك أشخاص وكل منهم يدعي أيحق لك أن تقول لا يوجد حق، بسبب تعدد مدعي الحق والبينة على المدعي والحق له نور تعرفه به.
الشبهة الرابعة: كيف تدل الفطرة على وجود الله والملاحدة لا يؤمنون بالله أصلا مهما تعددت الأدلة على وجوده؟
والجواب أن من فسدت فطرته كالملاحدة قد لا يمكن إصلاح فطرته بالحجج والبراهين العقلية كما أن المريض النفسي الذي تنتابه الأوهام والهلاوس لا يمكن دفعها عنه بالإقناع أوالتفاهم.
عوامل طمس الفطرة:
رغم أن الناس مفطرون على الإيمان بخالق مدبر إلا أن الفطرة قابلة للتغير والانحراف بفعل مؤثرات خارجية، وهذا الانحراف كان هوالسبب في وجود الوثنيات والشرك في الأمم السابقة، وهوأيضا سبب الشرك والضلال في زمننا الحاضر.
وهذه المؤثرات هي:
أولا الشياطين: وهي المؤثر الخارجي الأصلى والأول في هذا الأمر كما يتضــح ذلك من حديث عياض بن حمار السابق عرضه.
ثانيا البيئة: سواء كانت من الجوالمحيط داخل الأسرة وبوجه خاص الوالـــدان أو من خلال المجتمع خارج مستوى الأسرة.
وهذا المؤثر قوى وخطير وعليه تكون النشأة، وبسببه ينطمس كثير من نور الفطرة إن لم تطمس بالكلية.
ثالثا الغفلـة: وقد ذكر الله سبحانه هذا المؤثر في سورة الأعراف حين قال تعالى: {أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ} .
ولا شك أن هناك عوامل أخرى مؤثرة كالإعلام ووسائله، وكالدراسة وأساليبها وما يدرس فيها ولكن عندما نمحصها نجد أنه يمكن أن تندرج تحت واحدة من هذه الثلاث.
تنبيه:
وننبه أن القول بوجود فطرة التدين والإيمان بالله لدى الانسان ليس كافيا وحده لتحقيق التدين والإيمان بالله المطلوب من كل فرد مكلف، بل لا بد من تعلّم شرائع الدين وتطبيقها، والاعتناء بهذه الفطرة وتنميتها بالتربية والتوجيه، ضمن القيم والأخلاق التي سار عليها الأنبياء وهدوا الناس إليها. حتى لا تضل الطريق وتنحرف عن منهج الوحدانية، وضرورة تعهدها منذ الصغر حتى لا تحيد على الخط الصحيح الذي نشأت عليه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: « » (رواه أحمد).
والخلاصة أن الفطرة حاكمة بوجود الله تعالى ومن ينكر وجود الله تعالى مخالف للفطرة، والإسلام يقوم على الاعتقاد الصحيح الذي يوافق تلك الفطرة ويحترم عقل الإنسان ومكانته في الكونبوجود الله عز وجل.
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
- التصنيف:
- المصدر: