صمود الفلسطينيين أشعر الصهاينة بأنه لا مستقبل لهم
منذ 2010-04-24
في لقاء خاص مع "المركز الفلسطيني للإعلام".. الدكتور عبد الله الأشعل: صمود الفلسطينيين أشعر الصهاينة بأنه لا مستقبل لهم.
لا تزال ظلال الحرب الصهيونية على قطاع غزة تفرض نفسها بقوة على المشهد الفكري والبحثي للمثقَّفين العرب وغير العرب، ولا تزال مواقف الدول والأطراف المعنيَّة من هذه الحرب محلَّ دراسة وبحث متجدّد لديهم.
محدّدات الموقف السياسي المصري أثناء الحرب ومسألة "معبر رفح" بين غزة ومصر، إضافةً إلى وجهة النظر القانونية حول مبادرة السلام العربية، والجدوى من ملاحقة قادة الكيان في المحاكم الدولية كمجرمي حرب.. هذه البنود وغيرها كانت ضمن المقابلة التي أجراها مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" في دمشق مع الدكتور عبد الله الأشعل الخبير القانوني وأستاذ القانون الدولي والمساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري للشئون القانونية الدولية والمعاهدات والتخطيط السياسي، وفيما يلي نصّ المقابلة:
معبر رفح والاتفاقيات الدولية
- أسألك عن معبر رفح البري والاتفاقات الدولية التي "تمنع فتحه"؟
الدكتور الأشعل: معبر رفح معبر مصري فلسطيني، وفي 15 نوفمبر 2005م تم اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على تنظيم استخدام هذا المعبر من الجانب الفلسطيني، ولم تكن مصر طرفًا فيه، ثم إن هذا الاتفاق مدته عام واحد، وقد انقضى هذا العام في 14 نوفمبر 2006م، وبالتالي مصر ليست ملتزمةً بإغلاق المعبر بأية صورة من الصور، إنما هي تفتح المعبر بقرارٍ منها.
لكن عندما حدثت محرقة غزة قلتُ إن مصر عليها التزام قانوني بفتح المعبر؛ ليس فقط للجرحى والمرضى، إنما أيضًا لكل الحالات، فيكون منفذًا مفتوحًا لإغاثة أهل غزة، هذا التزام قانوني لا جزءٌ من الكرم الذي تؤديه مصر؛ لأنه اتفاقية جنيف الرابعة تنص على: "تلتزم جميع الدول بأن تتصدَّى للانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها دولة الاحتلال"، وبالتالي ما دامت مصر هي الجار الوحيد لغزة فلزامٌ عليها -وفق اتفاقية جنيف الرابعة- ليس فقط أن تفتح المعبر، بل وأن تسهِّل فتحه، وتحبط عمل إسرائيل ومحاولاتها غلق المعبر، وأن تتصدَّى لها.
وكان يتعيّن على مصر أن تدعوَ إلى عقد المؤتمر العام للجنة الدولية للصليب الأحمر لمراجعة موقف إسرائيل من اتفاقية جنيف في مثل هذه الأحوال الخطيرة التي يتطلبها هذا الموقف.
إذن .. مصر عليها التزام ليس لأنها أكبر دولة عربية، بل لأنها ببساطة هي فقط المجاورة لغزة، وبالتالي لو كانت أية دولة ثانية -حتى لو لم تكن عربية- لكان عليها نفس الالتزام.
- مصر برّرت إصرارها على إغلاق المعبر بأن فتحه يعني تكريس الانقسام وفصل الضفة عن القطاع.. ما رأيكم في هذا القول؟
الدكتور الأشعل: أعتقد أن الرئيس مبارك يقصد أن أبو مازن هو الذي طلب منه إغلاق المعبر، وأنه إذا فتح المعبر دون أن تكون السلطة حاضرةً فإن يعين حماس على تكريس سلطتها في غزة، وهذا يعني تكريس الانقسام بين الضفة وغزة.
أنا شخصيًّا وعلى الهواء تحدَّيت "أبو مازن" إذا كان حريصًا على شعب غزة ويشعر بالأسى لما يتعرَّض له وهو يستطيع أن يساعد في تسهيل وإنقاذ الناس، بأن يطلب من الرئيس مبارك أن يفتح المعبر، ولكنه لم يطلب من الرئيس مبارك ذلك، وأظنّ أن هذا هو المعنى الذي قصده الرئيس مبارك في خطابه.
- ما العوامل والمعطيات التي حكمت الأداء السياسي لمصر خلال الحرب؟
الدكتور الأشعل: أعتقد أن الدور المصري كان متأثرًا بعددٍ من الاعتبارات: الاعتبار الأول أن حجم الكارثة كان أكبر بكثير من المتوقَّع، وبربرية إسرائيل كانت أعلى بكثير مما توقعته مصر.
ثانيًا: ربما يكون هناك هاجس لدى مصر في ذلك الوقت أن إسرائيل تعلم أن إحراق غزة سيستفزها، وبالتالي يمكن أن يدفعها إلى أي عمل عسكري؛ ولذلك مصر كانت حريصةً على ألا تقوم بعمل يمكن أن يفسَّر عند إسرائيل والولايات المتحدة بطريقةٍ تؤدي إلى حرب إقليمية واسعة المنطقةُ في غنى عنها.
لكن المحقق أن مصر كانت تشعر بالأسى، وفعلاً إسرائيل وضعت مصر في حالة عجز كامل عن إنقاذ غزة، وأيضًا لاحظت مصر أن قيام إسرائيل بإحراق غزة قد ارتبط بمساندة سياسية كبيرة جدًّا من جانب دول أوروبية كبيرة والولايات المتحدة، ممثلة في تزويد 16 دولة أوروبية إسرائيل بالأسلحة خلال العمليات في غزة.
ولكن قطعًا مصر خرجت بدرسٍ قاسٍ جدًّا، وهي أنه لا بد من أن يكون هناك ترتيبات لا تتكرر فيها مثل هذه المواقف المحزنة التي أدت فعلاً إلى تفاوت كبير جدًّا بين مواقف الشارع العربي وموقف مصر والدول العربية الثانية، وأقول ردًّا على من يسأل "لماذا نلوم مصر بالقول؟": لأن مصر الجار الوحيد لغزّة، ولأن مصر هي قلب العالم العربي و"بقدر العشم يكون العتاب".
الاحتلال لا مستقبل له
- من المفكّرين من رأى أن الحرب الأخيرة فتحت الباب مجددًا أمام السؤال عن قانونية "وجود الكيان كدولة احتلال".. ماذا تقول؟
الدكتور الأشعل: "إسرائيل" تعلم أنها دولة مغتصبة، واليهود يعلمون أنهم يقومون بعمل خارج أراضيهم وخارج النطاق المُعتمَد لهم، وهم يزعمون أن العالم قد صدَّقهم وأنهم أصحاب الحق، وأنهم هم الذين يجب أن يبقوا في فلسطين وأن يُطرَد أهل فلسطين.. هذه الحقائق التي كانت تروِّجها إسرائيل ظهر الآن أنها لا يمكن أن تصمد أمام عددٍ من الاعتبارات:
أولاً: صمود الشعب الفلسطيني في أرضه، وهذه قضية مهمة جدًّا من الناحية النفسية؛ أنها جعلت "الإسرائيليين" يدركون تمامًا أنهم لا مستقبل لهم في هذه الأرض.
وثانيًا: هم يقولون أنّ هناك بحرًا من العداء يغمر المنطقة كلها، وهذا صحيح؛ لأن العالم العربي لا يمكن أن يتأقلم مع إسرائيل وهي تقوم بتمزيق أوصاله وتقتل الفلسطينيين، والذي لا تفهمه "إسرائيل" أن المنطقة العربية كلها تنتمي إلى نسيج واحد؛ فإذا تم العدوان على جزءٍ من هذا النسيج -وهو الجزء الفلسطيني- فإن جميع أجزاء الجسد يئن له، وإلا كيف تفسِّر التضامن الرهيب من المغرب العربي وموريتانيا -وهي في أطراف العالم العربي- إذا كانت القضية تتعلق بدول المواجهة فقط؟!
أنا رأيت الشعب المغربي والجزائري خلال الأزمة هذه، ورأيت تونس رغم القيود المفروضة على الناس، لكن كان هناك شعورًا بأن هناك جزءًا من الشعب العربي يُذبَح.
"إسرائيل" لا تفهم هذه النقطة، وستشعر بالفزع إذا فهمتها؛ لأنها فعلاً تعيش في جسد كبير يمكن أن ينطوي عليها ويمكن أن يُغرقها.
- هل من الجدوى إثارة دعاوى قضائية ضد قادة الكيان وملاحقتهم كمجرمي حرب؟
الدكتور الأشعل: اليوم عندنا جانب الملاحقة القانونية:
أولاً: تعريف الناس بجرائم "إسرائيل".
ثانيًا: تأكيد أن "إسرائيل" أتت إلى المنطقة لكي تثير فيها الفزع، لا لتُقيم فيها أو تصبح طرفًا فاعلاً في سلام هذه المنطقة واستقرارها.
وثالثًا: أنها من الناحية النفسية تُزعج "الإسرائيليين"، وهناك الكثير من الحالات المثيرة جدًّا التي تمّ فيها رفع دعاوى، وفعلاً انزعج "الإسرائيليون"، خصوصًا أن الذي يقوم برفع هذه الدعاوى ليسوا عربًا، ولهذا السبب عيَّنت "إسرائيل" لجنةً برئاسة وزير العدل لمتابعة هذا الموضوع ولحماية الجنود "الإسرائيليين" والقيام بما يلزم لمنع ملاحقتهم.
وفي الوقت الحاليِّ تُرفَع دعاوى كثيرة على "الإسرائيليين" في جميع دول العالم.
أنا أعتقد أن هذه الحملة تجد تأييدًا متزايدًا ومهمًّا جدًّا، وفي نفس الوقت هي تزعج "الإسرائيليين"، ويمكن أن تجعلهم معزولين تمامًا، والحصار القانوني هو من أهم وسائل المواجهة.
مبادرة السلام العربية فاشلة
- لو انتقلنا إلى الحديث عن "مبادرة السلام العربية"؛ لكونها أصبحت من الوثائق المعترف بها أمميًّا، والجدل الذي حصل مؤخّرًا حول سحبها أو الإصرار عليها.
الدكتور الأشعل: هناك عرض عربي اسمه "مبادرة السلام العربية"، و"إسرائيل" لم تهتم بهذا العرض، فاختلفت تقديرات الدول العربية حول مصير هذا العرض؛ أيبقى رغم رفضه؟! أم يُسحَب نظرًا لرفضه؟!
قمة الدوحة عبَّرت عن وجهة نظر عدد من الدول العربية؛ لأن المبادرة انتهت بسبب رفض "إسرائيل" إياها، ولا بد من البحث عن بدائل أخرى، والمقاومة هي البديل.
هذا البديل ستصل إليه الدول العربية في نهاية المطاف؛ لأنها تعلم أن مد اليد بعروض السلام إلى دولةٍ ليست مسالمةً ولا تريد السلام كإسرائيل مسألةٌ مكتوبٌ عليها بالفشل.
قمة الكويت اتخذت موقفًا معقولاً، وهو أن المبادرة لن تظل قائمةً للأبد، وأنه ما لم يتم التعامل معها بجدّية فإنه سيكون هناك موقف آخر، ومن الجدير هنا القول إنه عندما أتى أوباما سأل: ما هو موقف العالم العربي من قضية الصراع العربي "الإسرائيلي"؟! فقيل له: العرب قدَّموا مبادرةً يقولون فيها: إذا قررت إسرائيل التسوية فسوف نُقرِّها، فرأى أوباما الاستمرار في هذه المبادرة.
- دول الاعتدال.. هل تقتنع بالمقاومة؟
الدكتور الأشعل: في كل الأحوال أعتقد أن المشكلة أعمق من مسألة المبادرة العربية؛ المشكلة أن هناك حساسيات عربية أدَّت إلى اتخاذ مواقف من جانب بعض الدول العربية، فانقسم العالم العربي، وأنا أسأل: هل الدول التي تُسمَّى معسكر الاعتدال مقتنعةٌ بأن المقاومة مهمّة وأن المقاومة بدون مساندة حكومية ومساندة رسمية عربية لا يمكن أن تستمر؟
- كرجلٍ مارس العمل الدبلوماسي طويلاً.. كيف تقيِّم مسيرة المفاوضات بين السلطة والكيان الصهيوني؟
الدكتور الأشعل: لا يمكن التفاوض مع "إسرائيل" بدون أوراق .. الوضع الآن قد يبدأ بتهدئة ثمّ حوار فلسطيني ثمّ اتفاق على المزج بين المقاومة والمفاوضات، ولكن أنا في ظني أنّ أوسلو أصلاً قامت للمفاوضات فقط؛ فهي لا تعتمد المقاومة ولا تعتمد الجمع بين الاثنين.
أمامنا اليوم منهجان: منهج يقاوم، ومنهج ثانٍ يفاوض على أساس أوسلو؛ أوسلو التي كان من المفترض أنها مؤقتة وتنتهي بقيام دولة فلسطينية، ولكن "إسرائيل" كانت تناور وتراهن على تحول السلطة إلى بديلٍ عن منظمة التحرير.
أنا أعتقد أن البيت الفلسطيني يحتاج إلى عملية إعادة ترتيب كبيرة، وحتى يمكن أن نضع المفاوضات والمقاومة في مكانيهما الصحيحين.
نحتاج تجمع القوى الفلسطينية الحية على برنامج جديد تدعمه الدول العربية مهما كان.
في مقابلةٍ مع الـ(بي بي سي) كان معي شخص من "فتح" في الضفة الغربية قال: "نحن نحبك ونحترمك"، قلت له: "يا سيدي.. هي ليست مسألة حب وكراهية.. أنا رجل قلبي عليكم، وأسألك بصراحة: عندما يذهب أبو مازن ويتفاوض مع "إسرائيل".. على ماذا يفاوضهم؟! ما أجندة المفاوضات؟! لماذا نرى وجهه "مورِّد" عندما يلتقي أولمرت؟! هذا الرجل رجل يعمل "رئيسًا للسلطة"، وهذا يعني أنّ الشعب الفلسطيني كله يعلق آماله عليه".
- السؤال الآخر: هل أبو مازن الذي يجلس في "غرفتين وصالة" ويأخذ إذنًا من الضابط "الإسرائيلي" الذي يجلس في الخارج عند دخوله وخروجه.. هل يقدر أن يفاوض؟! وإذا افترضنا أن "إسرائيل" قالت له "لا" فماذا يستطيع أن يفعل؟!".
أنا مارست العمل الدبلوماسي ومن ضمنه التفاوض مع الكيان، وأعرف أنه يجب على الذاهب إلى المفاوضات أن يكون معه أوراق.. المفاوضات فيها تكتيكات، فكيف يذهب رئيس دائرة المفاوضات بدون ورقة على الأقل؟! كيف هذا؟!
- كيف ترى سبيل الخروج من هذه الأزمة؟
الدكتور الأشعل: أتمنَّى للموقف الفلسطيني أن يبدأ بأول بذرة؛ بذرة الائتلاف والصوت الفلسطيني الواحد، وأن يتم إعمار غزة بأسرع ما يمكن، وأن توضع ترتيبات لضمان عدم اعتداء "إسرائيل" على غزة، وفي نهاية المطاف لا بد أن يكون هناك حوار جِدِّي مع أبناء الشعب الفلسطيني لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني.
ولا بدّ أن يكون هناك تضامن عربي كامل مع الحقوق الفلسطينية؛ أقصد تضامنًا عربيًّا رسميًّا؛ لأن التضامن الشعبي لا يترجم مطلقًا إلى أوراق؛ ففي العالم العربي لا تترجم المظاهرات والتأييدات إلى موقف رسمي واحد.
أعتقد أن هذا المشروع يجب أن يسير بهذه الخطوات، وأنه على الساسة الفلسطينيين أن يعملوا صفًّا واحدًا؛ فالشعب الفلسطيني حقيقةً قدَّم تضحيات كبيرة جدًّا، ويجب أن تُستثمَر هذه التضحيات.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
- التصنيف: