وقفة مع ختم الشيخ العمر لـ (منار السبيل) بعد 30 عامًا

منذ 2016-05-04

لم يكن اختتام فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر -المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم- سلسلة درسه الأسبوعي (منار السبيل) الذي امتد طوال 30 عاماً منذ 1407 وحتى 1437 هـ حدثًا عادياً، فقليل من العلماء والدعاة الذين يستطيعون الصبر والمصابرة كل هذه المدة الطويلة، وهو ما يعتبر بحد ذاته درسًا في الثبات والعزيمة على تعليم الناس و تبصيرهم بصحيح أمور دينهم.

لم يكن اختتام فضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر -المشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم- سلسلة درسه الأسبوعي (منار السبيل) الذي امتد طوال 30 عاماً منذ 1407 وحتى 1437 هـ حدثًا عادياً، فقليل من العلماء والدعاة الذين يستطيعون الصبر والمصابرة كل هذه المدة الطويلة، وهو ما يعتبر بحد ذاته درسًا في الثبات والعزيمة على تعليم الناس و تبصيرهم بصحيح أمور دينهم.

كما لم يكن حفل الختام الذي أقيم في مسجد خالد بن الوليد، بحي الروضة في مدينة الرياض، بحضور المستشار بالديوان الملكي، وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد ليمر دون وقفة تأمل، فلو لم يكن الدرس يستحق هذا التكريم والاحتفاء، ولو لم تكن نتائجه ظاهرة وبادية للعيان، لما نال كل هذا الاهتمام الرسمي والعلمي والشعبي.

ولعل الوقفة الأهم التي لا بد من الوقوف عندها في نهاية هذه المسيرة العلمية الفقهية التربوية التي ابتدأت عام 1407هـ وانتهت ليلة الـ25 من شهر رجب 1437هـ هي روح الصبر والمصابرة التي منّ الله بها على الشيخ المعلم ناصر بن سليمان العمر، الذي كان يتنقل بين عدد من مساجد الرياض كان آخرها مسجد خالد بن الوليد بحي الروضة، وتكرم بها سبحانه وتعالى على الحضور من طلاب العلم الذين لازموا هذا الدرس رغم طول المدة، حتى إن بعضهم دخل الدرس وهو شاب صغير يافع، وخرج منه وقد علا رأسه ولحيته الشيب.

لا يمكن لأحد أن يدرك مدى صعوبة الالتزام بدرس أو محاضرة أو ما شابه ولو لمدة عام واحد إلا من جرب ذلك بنفسه، فكيف إذا كانت المدة ثلاثين عامًا متواصلة؟! وكيف إذا كان الملتزم محاضرًا ومعلمًا لا يمكنه أن يتغيب إلا لعذر قاهر؟! ولا يمكنه أن يأتي الدرس إلا بعد تحضير وقراءة مهما كانت ظروف الحياة قاسية وتكاليفها في ازدياد؟!

ويكفي لتصور هذه الصعوبات ما ذكره د. عبد الله بن راشد التميمي مدير مكتب الشيخ ناصر العمر في الفلم الوثائقي الذي عُرض في حفل ختام الدرس: "كان -أي الشيخ العمر- في ذلك اليوم -يوم الدرس- يستنفر، يعتذر عن كل المواعيد، ولا يلتزم بأي موعد" من أجل الدرس طبعًا.

ومع أن مادة الدرس الأسبوعي في كتاب "منار السبيل" الشيخ إبراهيم بن ضويان رحمه الله، الذي شرح فيه متن دليل الطالب لنيل المطالب للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي، الذي يعتبر من المتون المهمة في الفقه الحنبلي، نظرًا لكونه متنًا مختصرًا ذكر فيه القول الراجح المعتمد في المذهب، وقد أشار فيه الشارح إلى ترجيحات بعض محققي الحنابلة كالموفق ابن قدامة وشارح المقنع، كما أكثر من النقل عنه وعن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وصاحب الفروع وصاحب الإنصاف وغيرهم.

أقول: على الرغم من أن مادة الدرس الأساسية هي هذا الكتاب الفقهي، إلا أن الشيخ العمر لم يقتصر في درسه على تقديم المادة الفقهية فحسب، بل تخللت دروسه الكثير من مسائل التربية الأسرية والفردية، كما تطرق فيها إلى الكثيير من القضايا الاجتماعية، ناهيك عن اهتمامه خلال هذه الدروس بأحداث الساعة والنوازل التي ألمت بالأمة خلال عقود الدرس الثلاث، وخصوصًا النوازل الأخيرة في الشام والعراق، مشيرًا إلى واجب الأمة تجاه هذه النوازل على مستوى الشعوب والحكومات، ومنبهًا ومحذرًا من الأخطار المحدقة بأهل السنة عمومًا، وخصوصًا الخطر الصفوي في المنطقة.

وعن الجهود التي بذلت في مسيرة هذا الدرس يمكن سماع الفيلم التوثيقي الذي عُرض في حفل الختام، حيث كشف فيه الشيخ ناصر العمر أن الدرس لم يكن يتوقف سوى قبل الامتحانات وفي الإجازات الرسمية للطلاب.

وعن معدل حضور الدرس ومدى التزامهم قال الشيخ العمر: "كان معدل الحضور في الدرس الذي بدأ في العام 1407هـ، يتجاوز الـ1000 شخص في كل درس، وبعد تطور التقنية وانتقلنا للبث المباشر، صار المتابعون بالآلاف واستفاد منه داخل المملكة وخارجها"، مشيرًا أن عددًا كبيرًا من طلبة العلم انتظموا حضور الدرس طوال الأعوام الثلاثين وهو في الحقيقة إن دل على شيء فإنما يدل على نجاح الدرس بامتياز، إذ إن هذا العدد الكبير مع الالتزام وعدم الغياب لا يمكن أن يستمر رغم طول المدة لولا الفائدة والنفع والزيادة في العلم والفهم.

كما كشف الشيخ عن رحلة توثيق دروسه وخصوصًا القديمة منها، والتي كانت على أشرطة الكاسيت، والصعوبات التي اكتنفت مسيرة البحث عن شتاتها لتجميعها بعد أن اختفى جزء منها، حيث وجدوها بعد طول بحث لدى أحد طلبة العلم الذي أفاد أنه عثر عليها في الحراج تباع، لتكتمل بذلك منظومة تسجيل الدروس طوال الـ 30 عاماً، سواء بالتسجيل الصوتي قديمًا، أو بالتوثيق المرئي الذي بدأ منذ عام 1428 هـ.

وعن تفاصيل وكواليس هذه المسيرة العلمية يمكن الإصغاء إلى قارئ المتن الشيخ فهد العيبان الذي بدأ قبل 30 عامًا بالقراءة للشيخ شابًا صغيرًا ليس في وجهه "شعر"، وتركه وقد غزا الشيب وجهه الذي يقول: إنَّه لا ينسى وصية الشيخ ابن جبرين رحمه الله لطلابه بحضور درس الشيخ العمر مضيفا أنه لا ينسى موقف (العمر) عندما علم أن إحدى الصحف استهزأت بالقرآن الكريم، فبكى وقتها وتأثر تأثرًا شديدًا لم يستطع معها إكمال الدرس.

لم يكن الشيخ فهد العبيان وحده من لزم الدرس طوال هذه المدة، فها هو أحدهم "فهد الضويحي" الذي واظب على الدرس طوال 24 عامًا يشهد أنَّ الشيخ نجح -بالإرادة الصلبة وبفريق عمل متميز- أن يقدم هذا العلم طوال هذه المدة بكفاءة، قائلاً: "كان الشيخ العمر فيه صوت صدق ووضوح ومنهج وسط، تعلمنا منه الحماسة المنضبطة للدين وأهله".

ولعل مقترح "الضويحي" هو الأهم في شهادته وإشادته بمسيرة درس "منار السبيل"، حيث اقترح تقديم تجارب العلماء الأجلاء مثل الشيخ ناصر العمر وأمثاله في شكل دورات تدريبية يتم من خلالها إعداد قيادات الصف الثاني ليكون المنهج متميزًا والنجاحات أكبر تدعمها الخبرة المصقولة والرؤية الثاقبة، وتنفيذ الفكرة اليسيرة عبر الالتزام بها.

نعم، لا ينبغي لأمثال هذه التجربة العلمية الدعوية التربوية الفريدة أن تمر دون استفادة آنية ومستقبلية، فهي تؤكد أن الاستمرارية والالتزام بالكتاب والسنة هي كلمة سر النجاح في تعليم أبناء الأمة الصحيح من أمور دينهم، وتربيتهم التربية الإسلامية المنشودة، ناهيك عن توعيتهم بما يتربص بهم وبعقيدتهم من مخاطر وتحديات.

 

محمد الشاعر

Editorial notes: المقالة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة تعبر عن رأي الموقع
  • 1
  • 0
  • 7,960

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً