إنما عبادتك لك أنت (2)
أما الزكاة فهي الركن التالي للصلاة وعادةً ما تلحق بها في الآيات القرآنية التي لا نعرف عددها سواء وردت بمسماها المعروف أو بمسمى الصدقة أو مسمى النفقة كما في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [البقرة من الآية:3]
تكلمنا في المقالة السابقة عن الصلاة؛ أما الزكاة فهي الركن التالي للصلاة وعادةً ما تلحق بها في الآيات القرآنية مرات قد فاق عددها الاثنين وثلاثين مرة، سواء وردت بمسماها المعروف أو بمسمى الصدقة أومسمى النفقة كما في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة من الآية:3].
وإذا أخذنا مسمى الصدقة إذ أنه يتضمن الفريضة وهي الزكاة وكذلك يتضمن النافلة فنجد أن أثرها الرائع يشمل الفرد والمجتمع؛ فبالنسبة للفرد فإنه تطهره حقاً وهو المعنى اللغوي لكلمة الزكاة، فالزكاة هي التطهير والطهارة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة من الآية: 103].
فكما يقال أن المال هو شقيق النفس والجود به هو قمة الخلاص من العبودية للمال التي هى من أقوى أنواع العبودية، فكم من البشر يتنازلون ويبيعون كل ما هو نفيس غال في سبيل الحصول على المال، فكيف إذا تكلمنا عن إنفاقه في سبيل الله لا في سبيل مأرب من مآرب الدنيا، وقد تحدث القرآن واصفًا من يصل إلى مرحلة الإقبال على الإنفاق والتنافس عليه بقوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [لحشر من الآية: 9].
ووصف الفلاح يكون عادةً من كسب الدنيا والآخرة، وكسب الدنيا الحقيقي هو الشعور بالرضا وهذا الشعور يلازم المنفق العالم بقيمة الإنفاق من حيث المثوبة في الآخرة ومن حيث البركة في الدنيا، وهذا هو المعنى الثاني للزكاة وهو النماء، فالذي يزكي ماله إنما هو ينميه فواهب المال سبحانه هو القادر على إنماء هذا المال وفي الحديث الشريف: «
»(الترمذي، السنن، برقم:[2325]).فالمولى سبحانه وتعالى لا تنفد خزائنه وهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب.
ومن خلال التجارب الحياتية نجد أن المنفقين لا يصيبهم العوز أبدًا، وإنما يملؤهم الإحساس أنهم يعيشون حياة الرفاهية لفرط شعورهم بالإستمتاع بالمتاح على عكس المقترين الذين يشعرون بالفقر مهما أوتوا من المال، وهذا رزقٌ إضافي للمنفق؛ لأن الشعور بالقناعة هو غنى بحد ذاته هذا إضافة إلى ما يحصده من مشاعر طيبة ممن حوله فالمنفق حبيب الناس عمومًا وحبيب الفقراء خصوصًا وهذا هو الجانب الإيجابي على مستوى المجتمع، فالإنفاق يستأصل المشاعر السلبية من نفوس المحتاجين من حسد وغل وحقد وبغض، فالنفس أسيرة الإحسان وخاصةً وقت الشدة مما ينعكس على حالة المجتمع ككل فتجعله مجتمعاً متحاباً مترابطاً يسوده الأمن والإستقرار وتقل فيه الجريمة، وقد وصلت الدولة الإسلامية في بعض عصورها الذهبية إلى الإكتفاء التام بسبب الزكاة فالفقير يقلع عن السرقة بسبب عدم إحتياجه بعد أن كفاه الغني ذل السؤال كذلك أنه لا يحمل أي مشاعر عدائية للغني لأنه لم يحرمه نصيبه.
والحقيقة أن تآزر جهود الأثرياء كفيلة أن تجعل المجتمع مثاليًّا بعيدًا عن وصمة الجهل أو الفقر أو المرض لأن الإمدادات المالية الكبيرة هي التي تبني المدارس والمستشفيات والملاجئ وتدعم توفير الخدمات اللازمة لمجتمع خال من الآفات الإجتماعية والأخلاقية والصحية وجدير بالذكر أن كثيرًا ممن يرتكبون جرائم السرقة والسطو وغيرها يستحلون القيام بمثل هذه الأعمال بناءً على إعتقادهم أن لهم حقًا في مال الأغنياء، وبالتالي لهم الحق في الحصول عليه بأي وسيلة كانت، وهذا من الموبقات الكثيرة التي أراد الشرع منعها، وفي قصة من ألف قصة عن السرقة بالإكراه أن أحدهم خطف حقيبة امرأة كانت تسير في أحد الشوارع الرئيسية في المدينة وكان بها مبلغ كبيرمن المال وهاتف قيِّم وبعض الأوراق الهامة فأرادت الإتصال بالسارق عبر هاتفها لعله يرد إليها الأوراق الهامة بالنسبة إليها فرد عليها متهمًا إياها بسرقة حقوق الفقراء وأنها لا تستحق أدنى شفقة أو معونة.
وخلاصة القول أن الله مَنَّ علينا بهذه الفريضة كإجراء وقائي يحمي الفرد والمجتمع وقد تكرر الحث عليها في آيات كثيرة وكذلك ما ورد في السنة النبوية منها على سبيل المثال قول النبي ﷺ: « » (البخاري؛ صحيح البخاري؛ برقم:[1442]).
وهكذا نعلم بيقين أن الله سبحانه ما جعل العبادات إلا رحمة بخلقه، وإصلاحا لشئونهم، وحفاظا على مصالحهم.
فالزكاة هي حقا من فيوض العطاءات الربانية الرحيمة التي تحقق أفضل وسيلة للتكافل الإجتماعي التي تجني منه المجتمعات أعظم فائدة.
أما الخالق العظيم فهو الغني عن هذه العبادة وعن سواها وذلك كما في قوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج نت الآية: 37]
في حين أن المنفعة للمُزَكِّي والمجتمع مزدوجة تُحصد ثمارُها في الدنيا والآخرة.
سبقه مقالة: إنما عبادتك لك (1)
- التصنيف:
- المصدر: