وقفات مع سورة التكاثر

منذ 2016-06-11

تخيل معي: شاب يبلغ من العمر 18 عامًا، يحافظ على الصلاة في المسجد. سمع صوت الأذان فقام مسرعًا وتوضأ فأحسن الوضوء ثم نزل مسرعًا ليدرك تكبيرة الإحرام كعادته. أثناء الطريق إلى المسجد فوجىء بقطعة ذهب على الأرض...

تخيل معي: شاب يبلغ من العمر 18 عامًا، يحافظ على الصلاة في المسجد.

سمع صوت الأذان فقام مسرعًا وتوضأ فأحسن الوضوء ثم نزل مسرعًا ليدرك تكبيرة الإحرام كعادته.

أثناء الطريق إلى المسجد فوجىء بقطعة ذهب على الأرض.

كانت أول مرة يمسك بقطعة ذهبية بيديه، أخذ ينظر إليها معجباً مندهشًا وظل يفكر يا ترى كم تساوي هذه القطعة؟؟ هل سوف تحقق بعض الأماني التي أحلم بها؟ لو أن لي قطعة أخرى فقط.... قطعة واحدة أخرى وسوف أحقق كل ما أتمناه في هذه الدنيا.

وبالفعل إذا ببصره يقع على قطعة أخرى على الأرض تبتعد عن الأولى مسافة قصيرة ولكن.....

ولكن في غير اتجاه المسجد، تردد ذلك الشاب هل يذهب ليدرك الصلاة أم أنه يذهب ليأخذ هذه القطعة الأخرى...

وبعد تفكير قليل ترك طريق المسجد وسار في طريق جمع الذهب.

وكلما سار في هذا الطريق وجد قطعة تلو أخرى، وظل يجمع ويجمع وتكبر معه الأحلام والأماني ....... حتى أصبح يريد أن يقول لكل الناس أنا أكثر منكم مالاً.

كل ما بداخله كان يصرخ ارجع... أدرك الصلاة..... وهو يقول في نفسه لحظات وأعود.

«يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَطُولُ العُمُرِ» (البخاري [6421]).

قابله أحد الأشخاص وسأله هل من مساعدة؟ فقال له: أريد خزنة صغيرة لأضع فيها الذهب.

ثم بعد ذلك أصبح يبحث عن خزنة أكبر وأكبر.

بعد فترة لم تعد أي خزنة تستوعب كم الذهب الذي يجمعه ويريد أن يكاثر به الناس.

فقابله ذلك الشخص الأول وسأله ماذا تتمنى فقال له أتمنى واديا ًمن ذهب فلم تعد أي خزنة كافية. وبالفعل تحققت الأمنية.

استمر ذلك الشاب يجمع ويتمنى إلى أن قابله ذلك الشخص مرة ثالثة وسأله ماذا تتمنى بعد حصولك على أكبر واد من الذهب؟

فأجاب الشاب بدون تردد أتمنى وادياً آخر فقط ولن أبحث عن شيء بعده.

أصبح له واديان وثلاثة وأربعة.. «ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» (سنن الترمذي [3898]).

وفجأة قابله شخص آخر هذه المرة، لم يكن يتوقع رؤيته ولم يفكر أبدًا في لقائه.......إنه ملك الموت.

قابله ملك الموت وقد بلغ ذلك الشاب من العمر 60 سنة.

أول ما رآه ذلك الشاب العجوز تذكر أنه نزل ليدرك الصلاة وقال يآآآه لقد نسيت لقد ذهلت لقد غفلت وفوجئ أنه ظل ملهيًا مدة 42 سنة إلى أن مااااات.

هل من الممكن أن يظل إنسان غافلاً شارد الذهن ملهيّاً كل هذه المدة؟ هل هذا معقول؟!

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] نعم كثير من الناس يعيش في غفلة سنوات متتاليات، ولأجل هذه السكرة جاءت هذه السورة تهز أولئك الناس هزاً عنيفًا حتى يفيقوا في الدنيا.

كل منا بداخله هذا الطمع، بداخله حب التكاثر والتباهي أمام الناس ولو بالإنجازات الدينية (ختمات، كتب، إنفاق، .......)

لذلك جاءت هذه السورة بأسلوب شديد لم يتكرر في غيرها من السور.

هذه السورة عبارة عن 8 آيات.

3 آيات متتاليات تهز الناس وتنادي عليهم تبدأ بكلمة (كلا) {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:3-5].

ثم 3آيات متتاليات يبدأ كل منها بقسم من الله (لام القسم) {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:6-8].

كل هذا الغضب المتتابع من الزجر والقسم جاء بعد هذه الكبيرة التي ارتكبها كثير من بني آدم {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2].

كلا ليس الأمر كما تظنون من أنكم خلقتم عبثًا بل سوف تعلمون عاقبة ما تفعلون في الدنيا وسوف تعلمون عاقبة فعلكم في القبر وفي الآخرة. كلا لم تخلقوا لهذاوليس الفائز من قال لأخيه أنا أكثر منك مالاً بل من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز هذه هي الحقيقة التي لو علمتموها علم اليقين لتبدل حالكم ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله.

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} أي والله لترون الجحيم بأعينكم إذا استمريتم على ما أنتم فيه من الغفلة ورفضتم هذه الموعظة ولم تؤثر فيكم هذه السورة.

والله لترونها حقيقة لا خيالاً بل والله لتقفُن على شقيرها بل سوف تذوقون حرها وتقاسون لهيبها وتأكلون من زقومها وتشربون من حميمها وغساقها {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7].

وليس هذا فحسب بل والله لتسألن عن كل قطعة ذهب جمعتموها وعن كل درهم عبدتموه بل عن كل شربة ماء وعن كل لحظة عافية وعن.... {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8].

 

أحمد عبد المنعم

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 11
  • 0
  • 17,591

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً