وقفات مع سورة العاديات
سورة ترسم صورة للمجاهد المتفاني المنطلق الذي لايوقفه شيءٌ ولا يعوقه عائق، وترسم صورة أخرى معاكسة للأولى، صورة للكسول الكنود الذي لا يفكر إلا في نفسه.
عشت طويلا مع هذه السورة أسمع ضبح خيلها وأبصر شرارة النار تخرج من تحت أقدام خيل مجاهديها، أتابع انطلاق المجاهدين حتى وصلوا إلى أرض المعركة.
بين الانطلاق والإحجام.
إنها ترسم صورة للمجاهد المتفاني المنطلق الذي لايوقفه شيءٌ ولا يعوقه عائق، وترسم صورة أخرى معاكسة للأولى، صورة للكسول الكنود الذي لا يفكر إلا في نفسه.
وبدون مقدمات تبدأ هذه السورة بمشهد صوتي متواصل لا يتوقف لخيل مسرعة لا تريد حتى أن تستريح لتأخذ أنفاسها.
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات:1] الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدون وقيل صوت الفرس يكتم أنفاسه لئلا يعلم به العدو.
هكذا تبدأ السورة بصوت قوي يعدو وينطلق.
ثم تأتي الآية الثانية بمشهد ضوئي
{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} [العاديات:2] الموريات جمع مورية اسم فاعل من الإيراء وهو إخراج النار.
(القدح) ضرب شيء بشيء لكي يخرج من بينهما شرر النار.
أي أن هذه الخيل التي تجري بسرعة يخرج من أثر احتكاك حوافرها بالحجارة شرارة النار. لم تتوقف الخيل بسبب صعوبة التنفس وشدة الجري؛ لم تتوقف بسبب الظلام الدامس ولا بسبب شرر النار الذي يخرج من حوافرها.
إلى أين تتجه؟ إلى متى تستمر؟
إنها تتجه للجهاد في سبيل الله (لتُغير) على أعداء الله وتستمر في الجري حتى (الصباح)
{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات:3] أي التي تُغير على الأعداء في الصباح.
وتستمر الخيل بالمجاهدين دون توقف؛ ويتصاعد الغبار وتضطرب الرؤية.
{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات:4] أي أثارت الخيل الغبار في أرض المعركة من شدة الكرّ والفرّ.
وتستمر أيضا حتى تصل إلى وسط ساحة المعركة في وسط القتال في مظنة الموت.
{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}[العاديات:5] أي لقد وقفت الخيل بالمجاهدين في وسط جموع الكافرين.
ماذا حدث لهم؟!! هل قُتلوا؟؟؟ أم انتصروا؟؟؟؟
أيًّا كانت النتيجة، المهم أنهم استطاعوا أن يصلوا إلى هذا المكان. هذا هو النجاح هذا هو النصر.
أيا كان فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم).
يقول الشيخ الغزالي: "إنه الجهاد يحرس العقيدة، ويحمى الحقيقة، ويصون البلاد والحرمات. إن الباطل يمتد فى أى فراغ أمامه، وإذا وجد مقاومة ضعيفة اجتاحها وبلغ غرضه. وقد رأيت الخنا يفرض تقاليده على الشعوب لأنه يستند إلى سلطات قوية، ورأيت الشرف يذوب أمامه ويزول. وكثيرا ما أتذكر قول الفتية أصحاب الكهف، بعضهم للبعض الآخر: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف:20]"انتهى كلامه.
لكنّ المفاجأة أن هناك صنف من الناس يعيش عاشقا للراحة التامة لايفكر إلا في نفسه وشهواته؛ إنه بخيل يمنع كل خير عنده عن الناس بل يفعل ذلك حتى مع ربه {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:6]، هو يعلم ذلك من نفسه، هو يعلم ما بداخله من طمع وجشع، من بخل وحرص، من خوف ورعب {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات:7].
لذلك لا يفكر إلا في نفسه، إنه عبد الدينار إنه عبد الدرهم: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8]
بين الإقدام والإحجام. من أي الفريقين أنت؟
هل أنت مع المنطلقين الذين وصلوا إلى وسط المعركة أم أنت مع القاعدين المانعين للخير الذين قال عنهم الله: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}[الليل:8]؟
على أية حال، سوف يأتي يومٌ يُحاسب فيه الجميع وينتزع الجميع من مكانه ويبعثر من قبره {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} [العاديات:9].
وعندها يُحصّل ما كان بداخل الصدور من حبٍ لله ورسوله وللجهاد أو حبٍ للدنيا ولشهواتها {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10].
هناك تُعلن النتيجة وتُبلى السرائر ف {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:11].
اللهم استرنا واستعملنا لنصرة دينك.
بقلم/ أحمد عبد المنعم
- التصنيف: