لا تكن يهودياً بالعمل ببث الأسى والضعف بل بث النصر
تمكّن قطاع غزة، رغم الألم والشهداء، من امتصاص الضربة الصهيونية الأولى والكبرى التي كان الاحتلال يعوِّل عليها كثيراً بأن تكون مقدمة لإسقاط حكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي لطالما نادى بتقويضه...
تمكّن قطاع
غزة، رغم الألم والشهداء، من امتصاص الضربة الصهيونية الأولى والكبرى
التي كان الاحتلال يعوِّل عليها كثيراً بأن تكون مقدمة لإسقاط حكم
حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي لطالما نادى بتقويضه.
فجيش الاحتلال قطع أعياد السبت، وشرع ظهراً بقصف مكثف من خلال عشرات
الطائرات الحربية التي ظهرت فجأة في أجواء قطاع غزة، ووجّهت عشرات
الضربات بشكل مكثف على مواقع الأمن والشرطة، من أجل أن تباغت قيادة
حركة "حماس" وتفاجئها، في ظل الحديث عن تجديد التهدئة وأن تكون الأمور
مهيّأة لها بعد ذلك لإسقاط حكمها.
حياة طبيعية رغم الفاجعة
إلاّ أنّ هذا السيناريو الذي رسمته القيادة الإسرائيلية كي "تسقط حكم
حماس في غزة"، حسب تعبيرها، بدا فاشلاً بعد أربع وعشرين ساعة من هذه
العملية، لا سيما وأنّ الأمور تسير بشكل شبه طبيعي في قطاع غزة رغم
الدمار والموت والقتل الذي يعمّ كل ركن وزاوية، لتعيد مرة أخرى ضرب
تلك المواقع التي قُصفت سابقاً، بعد نفاد قائمة الأهداف التي
حددتها.
فبعد أن انتهت طائرات الاحتلال من الضربة الأولى وقصف المواقع
الأمنية والشرطية على طول الشريط الساحلي الضيق لقطاع غزة، وسقوط هذا
العدد الهائل من الشهداء والجرحى؛ انتشر أفراد هذه القوات في شوارع
المدن والمخيمات لحفظ الأمن، وتسهيل عمليات الإنقاذ، واتخذوا من هذه
الشوارع مقرات ميدانية حتى أخذت تعود الأمور إلى ما كانت عليه بعد كلّ
غارة.
والمثير في الأمر أنّ الحملة الحربية الجارية جاءت بعد تجويع وحصار
مشددين لسكان قطاع غزة، كي يثوروا وينتفضوا باتجاه الوضع الداخلي
القائم، إلاّ أنّ التفاف الجماهير حول "حماس" كان يتأكد في مناسبات
عدة، وآخرها مهرجان الذكرى الحادية والعشرين لانطلاقة الحركة الذي جمع
قبل أيام في غزة حشداً مليونياً غير مسبوق في التاريخ
الفلسطيني.
وتوجّه الآلاف من المواطنين للتبرع بالدم وإنقاذ الجرحى، ما أظهر مدى
حالة التعاون والتكاتف وأنعش الوحدة الوطنية، فالقصف الذي كان يستهدف
المنازل لم يفرِّق بين الفلسطينيين.
وقد لجأت قوات الاحتلال بعد الضربة الأولى، إلى قصف سيارات الشرطة
المتحركة التي كانت تتابع عملها ميدانياً بعد قصف كل مواقعها، دون
تخلّف أي من هذه القوات.
إدارة القطاع رغم العدوان
ومع حلول المساء أصرّ إسماعيل هنية، رئيس حكومة الوحدة الوطنية
المقالة، التي تحكم غزة، لإلقاء كلمة متلفزة رغم المخاطر الكبيرة لهذا
الخروج، وعلى الرغم من أنه وجّه قبلها رسالة مكتوبة كان لها الأثر
الكبير في رفع معنويات المواطنين في قطاع غزة بعث خلالها بعدة رسائل،
كان أهمها تأكيده على مواصلة العمل الحكومي والإداري بشكل طبيعي
.
ودعا هنية أبناء الشعب الفلسطيني إلى "الوحدة والتلاحم والتماسك أمام
هذه المحنة والعدوان المتواصل"، مشدداً في الوقت ذاته على أنّ العدوان
"لن يكسر إرادة الصمود والتمسك بالثوابت والمبادئ والحقوق
الفلسطينية".
وكرّر هنية قسمه بالله عدة مرات، أنّ حركة "حماس" والحكومة
الفلسطينية والشعب الفلسطيني الصامد، لن يتنازلوا عن الحقوق والثوابت
الفلسطينية، وقال "والله لو علّقونا على المشانق، وأسالوا دماءنا في
الشوارع والطرقات، ومزقونا إلى أشلاء، فإننا لن نتنازل عن فلسطين أو
القدس أو حرية أسرانا، ولن تأخذوا منا موقفاً يسيء لشعبنا ومقاومتنا"،
حسب ما شدّد عليه.
قصف لما بعد "سديروت"
أما الجانب الصهيوني؛ فقد حاول بعد سقوط العشرات من صواريخ "القسام"
و"غراد" على أهداف صهيونية يصل مداها إلى ثلاثين كيلومتراً، بحيث طالت
مدينة أسدود الإستراتيجية، المحتلة سنة 1948، بعد عسقلان و"سديروت"؛
فقد حاول الإيحاء بأنّ العملية في بدايتها وأنها "متدحرجة"، وأنها
تحاول تحريك دباباتها باتجاه قطاع غزة.
وبعد قصف كل المواقع الأمنية والشرطية ومواقع تدريب "كتائب القسام"،
لجأت القوات الصهيونية وأجهزتها الإستخبارية إلى الحرب النفسية، من
خلال الاتصال هاتفياً بمنازل المواطنين الفلسطينيين، والطلب منهم
إخلاء منازلهم لقصفها، حيث قامت بقصف عدد منها بالفعل، قبل أن يهبّ
الآلاف من المواطنين ليشكلوا دروعاً بشرية لحماية بقية المنازل
المستهدفة.
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة قصف مسجد الشفاء المجاور لمجمع الشفاء الطبي،
أكبر مستشفى في القطاع، وتدمير المسجد بالكامل، ومن ثم تدمير مقر
فضائية "الأقصى" التابعة لحركة "حماس"، ضمن اتجاه لمواجهة الإعلام
الفلسطيني الميداني.
إعلام المقاومة .. استمرار رغم التدمير
إلاّ أنّ عدم انقطاع بث فضائية "الأقصى"، ومواصلة المحطة التلفزيونية
العمل من مكان سري غير معروف، وتأكيدها أنها ستواصل عملها "لفضح
ممارسات الاحتلال"، كانت رسالة مهمة قرأها كثيرون بأنّ حركة "حماس" قد
أخذت احتياطات مسبقة لمثل هذا العدوان. كما أنّ إذاعة "الأقصى"
المحلية واصلت عملها بشكل طبيعي، وواصلت نقل الأخبار والحث على "الصبر
والصمود" في وجه هذه الحرب.
ومع بزوغ شمس اليوم الثاني للعدوان، عات الطائرات الاحتلال لتدكّ
المواقع التي قصفتها يوم أمس السبت، بعد أن تحولت إلى أكوام من
الحجارة، ولتقول أنّ عملياتها متواصلة، ما يؤشر بحسب متابعين ميدانيين
إلى "إفلاس قائمة الأهداف"، وأنّ المراهنة هي على الوقت من اجل إسقاط
الحكومة في غزة.
وفي هذه الأثناء؛ نزل قادة "حماس" إلى الخنادق، حيث يواصلون عملهم
بشكل طبيعي على ما يبدو، في حين يُعتقد أنّ طائرات الاحتلال تتعقبهم
لتصفيتهم، لتسجل بذلك ضربة معنوية للحركة والمقاومة بشكل عام.
إفلاس الاحتلال
وفي هذا السياق أكد مشير المصري القيادي في حركة "حماس" أن العملية
العسكرية ضد غزة هي من بدايتها إلى نهايتها "تدلل على إفلاس الاحتلال
على الأرض، وذلك حينما استعمل الطائرات، ستين طائرة دفعة واحدة،
وإلقاء ما يزيد مائة طن من المتفجرات دفعة واحدة على غزة"، وقال "هذا
يؤكد جبن الاحتلال وفشله وإفلاسه في مواجهة المقاومة على
الأرض".
وقال المصري لـ "قدس برس"، "إنّ يأتي هذا القصف بعد أن فشل العدو
والإدارة الأمريكية وفريق رام الله (جناح السلطة برئاسة محمود عباس)،
وكل الذين تواطئوا في المؤامرات والحصار على غزة، في تركيع حركة حماس،
وفك الارتباط مع الجماهير الفلسطينية والشعب، وفي فرض سياسة الاستسلام
ورفع الرايات البيضاء، وبالتالي جاء الرد العسكري بهذا المستوى الغير
مسبوق على المستوى"، على حد تعبيره .
امتصاص الضربة
وأضاف القيادي البرلماني الفلسطيني "نحن نؤكد أنّ ارتقاء نحو 300
شهيد لن يؤثر على مسيرة المقاومة، فحماس تمتلك عشرات الآلاف من
المجاهدين، ولكن جبن العدو الصهيوني أنه استهدف المدنيين، وأنه يستهدف
قوات الشرطة الخدماتية التي تقوم على خدمة الجمهور وتأمين الحياة
الآمنة والمستقرة لشعبنا الفلسطيني، لكنه يخشى المواجهة على الأرض
لأنه يدرك مدى الخسائر التي ستواجهه، ويدرك أنّ دخول قطاع غزة ليس
كالخروج منه"، كما قال.
وقال القيادي في "حماس" إنّ الحركة "امتصت هذه الضربة كما امتصت
ضربات من قبل حينما استهدف العدو قادتها الكبار والمؤسسين، وأعتقد أنّ
الجرائم التي كان يرتكبها العدو كانت على مستوى شهور بمثل هذا العدد
وزيادة، لكن هذا لم يضعف حماس، ولكن زادها قوة بفضل الله"، حسب
تأكيده.
وأضاف النائب مشير المصري "اليوم وأمام استهداف المقرات والوزارات،
وأمام استباحة العدو كل شي في غزة، أؤكد أنّ الأمور مضبوطة ومستقرة
وتُدار بحكمة وبكل عقلية سياسية وإدارية متزنة، وأنّ مواصلة العدوان
لأسابيع على هذا النحو لن يفقدنا السيطرة لإدارة الأمور على الأرض"،
كما ذكر.
وتابع المصري أنّ "العدو لم ينل من حماس عسكرياً، هو نال من بعض
الأجهزة الأمنية، نال من المقرات، من الأحجار، نال من المدنيين، لكن
على مستوى حركة حماس العسكري بجيشها الذي يُعدّ بعشرات الآلاف وعتادها
العسكري؛ نحن نؤكد أنّ العدو الصهيوني لم ينل منها ولن ينال، لأنّ
غياب أي قائد وغياب أي مجاهد سيخلفه الكثير من بعده"، وفق ما شدّد
عليه.
1/1/1430 هـ الموافق 29-12-2008 م
- التصنيف: