فلسطين... سلطة في خدمة الاحتلال

منذ 2010-07-11

الغريب أن الإعلام العربي -في مجمله- تعامل بلا مبالاة مع فضيحة سياسية جديدة اقترفتها السلطة الفلسطينية قبل أيام باغتيالها تقريرا أمميا جديدا لإدانة "إسرائيل".

 

تشكل السلطة الفلسطينية في رام الله عاملا مهما لأمن الاحتلال ورفاهيته، وغطاء لمخططاته وبرامجه المعلنة منها والخفية. فقوات أمن السلطة تمثل درعا بشريا يحول بين ثورة الشعب الفلسطيني على الاحتلال وممارساته، بعد أن أدت تلك القوات دورا مفصليا وهاما فيما عجز عنه الاحتلال، تفكيك المقاومة الفلسطينية وزج رجالاتها في المعتقلات أو تصفية أبنائها من خلال التعاون مع السلطات "الإسرائيلية" والتنسيق الأمني معها حتى في المراحل والتي يبدو أن ثمة خلافات ظاهرية بين الطرفين. بالإضافة إلى الخدمات الجليلة والتي تقدمها سلطة عباس للدولة العبرية من خلال استخدام الأخيرة لتلك السلطة كقنطرة للتطبيع مع العالم العربي وإقامة الصلات مع الدول الإسلامية، فإن الانشقاق الفلسطيني -والذي تتحمل السلطة الجزء الأعظم من أوزاره من خلال ارتباطها العضوي مع الاحتلال وانصياعها للضغوط الأمريكية- شكل ضربة قاسية للقضية الفلسطينية وذريعة للنظام العربي الرسمي للتهرب من واجباته والتزاماته.


النماذج والشواهد على ما ذكر أعلاه كثيرة وعديدة، ولعل مجرد المرور عليها يحتاج إلى أكثر من مقال، لكن لنكتف بالتطورات المتلاحقة في فلسطين بعد التجاوزات "الإسرائيلية" المستهترة بالسلام العربي والمستخفة بالجانب الفلسطيني بعد قرار استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، ومواقف السلطة منها. فبعد الإعلان عن هجمة استيطانية شرسة وجديدة، وعن افتتاح كنيس الخراب كنوع من استهداف للمسجد الأقصى والذي تحاصره الحفريات وتنتهك قدسيته الاقتحامات، وبعد بدأ الشارع الفلسطيني والمقدسي في الغليان، اتهم حاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس في حركة فتح -والذي استقال من حكومة فياض العام الماضي وزيرا لشؤون القدس احتجاجا على التقصير في مواجهة حملات تهويد المدينة المقدسة- الحكومة الفلسطينية بمنع أهالي الضفة الغربية من الخروج بمسيرات وتظاهرات شعبية للتعبير عن غضبهم مما يجري في القدس الأمر الذي أشادت به أجهزة الأمن الإسرائيلية، مشيرة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية لمنع انتشار الاحتجاجات التي جرت في مدينة القدس المحتلة إلى باقي مدن الضفة الغربية. فيما أكدت الإذاعة "الإسرائيلية" إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية أجرت تنسيقا على أعلى مستوى لمنع تحول إحداث القدس إلى انتفاضة عنيفة في الضفة الغربية.


وحتى يقطع عباس الشك باليقين، فقد شدد عقب لقائه في رام الله مع الرئيس البرازيلي على أن المفاوضات هي الطريق الأوحد للوصول إلى السلام، وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البرازيلي "إننا حريصون على الوصول إلى السلام من خلال المفاوضات ولا طريق آخر غير المفاوضات". وكان سلام فياض قال بعيد الإعلان "الإسرائيلي" بخصوص الحرم الإبراهيمي، إن خطة "إسرائيل" لضم مواقع دينية بالضفة الغربية إلى التراث اليهودي استفزاز واضح لكن الفلسطينيين لن ينجروا إلى العنف بسبب "إرهاب المستوطنين وإرهاب المشروع الاستيطاني"، وقال فياض إن الفلسطينيين سيردون بثورة هادئة.
هكذا تعطي السلطة الفلسطينية وبتصريحات لا لبس فيها ومن قبل عباس وفياض وبعد إعلان ضم الحرم الإبراهيمي وافتتاح كنيس الخراب التطمينات والتعهدات للاحتلال على أن لا طريق سوى المفاوضات، والتي لم يحصد منها الفلسطينيون سوى السراب والضياع ومزيد من التشتت والانقسام. فلمصلحة ولحساب من تعمل هذا السلطة ؟؟


الغريب أن الإعلام العربي -في مجمله- تعامل بلا مبالاة مع فضيحة سياسية جديدة اقترفتها السلطة الفلسطينية قبل أيام باغتيالها تقريرا أمميا جديدا لإدانة "إسرائيل". فلقد وجه ريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية، انتقادًا حادًا للسلطة الفلسطينية، وقال إنها طلبت تأجيل البت في تقريره أمام مجلس حقوق الإنسان الذي يدين "إسرائيل" بانتهاك حقوق الفلسطينيين، إضافة إلى طلبها منه التنحي عن منصبه. وكان فولك انتقد السلطة في أعقاب موافقتها الأولى على تأجيل البت في تقرير القاضي ريتشارد جولدستون في نهاية شهر ديسمبر الماضي والذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال عدوانها على غزة. وأبدى فولك انزعاجه من "ممارسات السلطة الفلسطينية"، وأكد أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه. وأشار المسئول الأممي إلى أن البعثة المشتركة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في مقر الأمم المتحدة في جنيف هي من طلبت تأجيل البت في تقريره الذي قدمه لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول انتهاكات "إسرائيل" للحقوق الفلسطينية.


قد يتساءل البعض عن نتائج تحقيقات السلطة فيما يخص اتهامات فهمي شبانه المصورة والموثقة عن فساد السلطة الفلسطينية، دون أن يتذكروا أن فساد تلك السلطة هو وأحد من أهم مؤهلاتها فيما يتعلق بمهماتها وخدماتها للاحتلال والتي تجاوزت بكثير خدمات جيش لحد وروابط القرى. أوليس من الظلم بعد ذلك وقبله أن يجري الحديث عن انقسام فلسطيني؟ فشتان بين مقاوم ومقاول وبين من يقدم روحه ومن يبسط كفه!!
 

6/4/1431 هـ
 

المصدر: د. ياسر سعد - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 3,894

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً