شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - 62- وافترشنا الأرض !!
فما إن تمددت على الأرض إلا و فراشي المهترئ بشدة افتقدت، سبحان الله ! فما كان لا يعجبني في مكة حاله، صار نعيما صعبا بل من المحال نواله !
تقـول صـاحبتنــا:
وحتى هنا لم أستطع الصمود، فقلت لرفيقاتي أود مكانا للرقود، فاتجهنا إلى أقرب بناية لمجسلنا، وصعدنا نبحث عن مكان يسترنا، وفي الطابق الثاني وجدنا كثيرا من القاعات الكبيرة، وفي نفس الطابق وجدنا دورات مياه جيدة كثيرة، ثم توضأنا للصلاة مرهقات، وصلينا جماعة مخففات، وجلسنا على الأرض العارية المحض ، فلم يكن ثَم أثاث أو فراش على الأرض، وهنا بدأ الجميع يبحث عما يقيت النفس؛ فلم يمس أحدنا طعاما منذ أمس: فمنا من كانت صائمة، ومنا من نسيت الطعام بسبب أحداث اليوم القاتمة، فالتفت أسأل معلمة القرآن في أمل قد بدا ولاح: أين وضعت طعام الصباح ؟
- قالت بتأسف: تركته في مكة لأتخفف.
-فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، وما يفعل أناس جائعون ؟!!
فتشنا في كل ما معنا من أمتعة وحمولات، فوجدنا لقيمات وبعض من الفتات فاقتسمناها جميعا قانعات، ثم إننا أردنا النوم بعد طول مشقة وعناء ، فما وجدنا ما نفرشه على الأرض للاتقاء؛ فأخرجنا كل ما كان من أغطية معنا، نفرشها ونتدثر بباقيها ما استطعنا، فما إن تمددت على الأرض إلا و فراشي المهترئ بشدة افتقدت، سبحان الله ! فما كان لا يعجبني في مكة حاله، صار نعيما صعبا بل من المحال نواله !
وبالطبع لم يكن ثمة وسائد، فوضعت رأسي على حقيبتي وأخذت ألما نشأ في رقبتي أجاهد، وتركنا بعض النور يضيء المكان، بعد أن تأكدنا من إغلاق جميع الأبواب علينا في أمان !
- فإذا بإحدانا تسأل عن حال الرجال ؟
- فأجابتها أخرى: رأيتهم في قاعة في نفس طابقنا بالجوار، ثم بدأنا نتسامر قبل أن ننام ، وقد أخذت كل منا مضجعها في المكان، وكأن بيننا تواطؤ على أن نرّوح عن أنفسنا؛ فجهدت كل منا ألا تذكر إلا ما يضحكنا!
وأذكر أن إحدى المقربات قالت لي قبل أن أذهب في سبات: أتذكرين أخيتي يوم السيارة، حين أصرت أختنا أم فلانة أن تقلنا كل منا إلى داره، بعد أن أنهينا مجلسنا، أصرت - حفظها الله -أن تقلنا نحن الأربعة، فقبلنا دعوتها و ركبنا سيارتها، فجلستِ أنت بجوارها، بينما جلس ثلاثتنا خلفها، فلما كنا جميعا متشحات بملابس سوداء، وسيارتها كملابسنا سواء، وكنا قبيل العصر، فما مررنا على قوم إلا نظروا إلينا في عجب، بينما غفلنا نحن عن السبب !
- فقال بعضنا لبعض في دهشة ، لم ينظر إلينا هكذا المارة ؟!
- ثم سمعنا أحدهم يقول بعجب فائق: كيف تسيرتلك السيارة بلا سائق ! حينها علمنا السبب فيما انتاب المارة من العجب: فداخل السيارة ظلام ونحن متجللات بالسواد التام، وكذا كانت السيارة سوداء بينما الضوء خارجها شديد والنهار ساطع وبهيج ؛ فلم يستطع أحد رؤية شخوصنا؛ وكأن السيارة تسير خاوية بدوننا ...!!
فأغرق كل من في الحجرة ضحكا، فاستمهلتهم لأزيدهم من تلك القصة بذاتها عجبا !!
ويتبـع .
- التصنيف:
- المصدر: