هلاك الأخيار

منذ 2010-08-01

ما من مسلمٍ سنيٍ تقي إلا وفي نفسه التعظيم والإجلال لصحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنك لوفتشت قلبه لرأيت هذه المحبة لها المكان الأعلى والمحل الأسنى..



ما من مسلمٍ سنيٍ تقي إلا وفي نفسه التعظيم والإجلال لصحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنك لوفتشت قلبه لرأيت هذه المحبة لها المكان الأعلى والمحل الأسنى، كيف لا وهم من ناصر الرسول الأكرم، وهم من فداه بماله ونفسه وأهله، ثم هم نقلوا لنا هذا الدين كاملاً غير ناقص، وهم من نصحوا للأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.

بل لو فتشت أكثر وأكثر فإنك ستجد أن العمرين أعني أبا بكرٍ وعمر قد تسنمى أعلى درجات الحب وأشرفه بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، ذلك أن لهما قدم الصدق في هذا الدين، ولهم التضحيات الجسام في نصرة خير البرية صلى الله عليه وسلم، هما وزيراه ومحل مشورته رضي الله عنهما.


كانا رضي الله عنهما ملء السمع والبصر، بل هما السمع والبصر حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر وعمر من هذا الدين، كمنزلة السمع والبصر من الرأس»، فقل لي سلم الله لك قلبك وحواسك كيف يكون الرأس بدون السمع والبصر...
قل من أمرٍ إلا وتجد هذين الجبلين حاضرين فيه، وتجد نبيك صلى الله عليه وسلم المؤيد من رب السماوات والأرض قد عرضه عليهما، كما في بدر حيث الأسارى، ويكونان معه دائما كما في صعوده إلى أحد، ولهذا جاء عن الهزبر حيدرا أعني أبا تراب كما في البخاري كتاب الفضائل:‏ عَنْ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ: ‏إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوْا اللَّهَ ‏‏لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏‏وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُوأَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ:‏ ‏كُنْتُ ‏‏وَأَبُوبَكْرٍ ‏‏وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ ‏‏وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ‏ َانْطَلَقْتُ ‏‏وَأَبُو بَكْرٍ ‏‏وَعُمَرُ،‏ ‏فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ ‏عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
وكانا أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم بعد زوجته عائشة، وهو يعلن هذا الحب ولا يخفيه أو يتستر عليه البتة، فعن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَي النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ: «عَائِشَةُ »‏، فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ، فَقَالَ: « أَبُوهَا »‏، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ، قَالَ: « ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب»‏،‏ فَعَدَّ رِجَالاً‏.‏ البخاري، فضائل الصحابة.


وقد بلغ إيمانهما المبلغ العظيم والمكان الرفيع، لقدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن يخبر بإيمانهما وهما غائبين، ففي البخاري أيضاً من نفس الكتاب فضائل الصحابة أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ»‏‏‏،‏ قَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ‏،‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُؤمِنُ بِذَلِكَ وَأَبُوبَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما »‏.
ولوشئنا أن نستقصي فضائل كل واحدٍ منهما بمفرده لطال المقام، ولعز أن نأتي بحق كل واحدٍ بمفرده، فكيف بهما مجتمعين، ويكفيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشرهما بالجنة في أكثر من موضع، وأخبر أن أبا بكر له اليد والمنة عليه صلى الله عليه وسلم فقال: « إن أمنَّ الناس علي في ماله وصحبته أبوبكر، ولوكنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته »، رواه البخاري، وشهد للفاروق بغزارة وعمق دينه، كما في حديث الرؤية عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ‏« بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ »‏‏، قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الدِّين»، رواه البخاري‏‏.


نعود إلى عنوان هذه المقالة حيث أخرج البخاري في كتاب التفسير عن ابن أبي مُليكة، قال كَادَ الخيران أنْ يَهْلِكَا ـ أبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ـ رضي الله عنهما، رَفَعَا أصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أحَدُهُمَا بِالأقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ نَافِعٌ لاَ أحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أُوبَكْرٍ لِعُمَرَ مَا أرَدْتَ إلا خِلاَفِي‏،‏ قَالَ مَا أرَدْتُ خِلاَفَكَ‏،‏ فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَاَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: ‏{‏َيأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ}‏ [سورة الحجرات:2]، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ‏.‏

بالله عليك أعد قراءة المشهد مرةً أخرى وتأمل فيه المرة تلوالمرة، وعشه كأنك تشاهد ما يحدث أمام عينيك، ثم استحضر فضائل كل واحد منهما التي ذكرناها هنا أو لم نذكرها والتي تحفظها جيداً، ثم تأمل قول ابن أبي مُليكة: "كاد الخيران أن يهلكا"، بالله تأمل وانظر ما هي مؤهلات الصديق والفاروق في هذه الأمة، والإجابة قد قدمناها وأنهما بلغا أعلى الدرجات وبلغا قدم الصدق في الدين وأنهما أعظم الأمة من الرجال محبةً في قلبه صلى الله عليه وسلم، ومع هذا وعندما اصطدم الأمر بحقه صلى الله عليه وسلم كاد عملهما أن يحبط ولهذا قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات:2].

تأمل يا رعاك الله أن هذه القصة كانت في السنة التاسعة في عام الوفود أي بعد سني الدعوة المكية وما فيها من مكابدة وشدة، وهذا بعد الهجرة ومراغمة النفس عليها، ثم بعد المعارك العظيمة والمشاهد الجليلة بدر وأحد والخندق والفتح، فإذا تأملت هذا ونظرت أن موقفاً واحد في آخر المطاف كاد أن يأتي على العمل كله...
بل لودققت أكثر لووجدت أن دافعهما والموقف كان للمشورة له صلى الله عليه وسلم وكان في مصلحة الدين ورفعته، ومع هذا كان رفع صوتهما سببا لأن يحبط العمل ويذهب وكأنه لم يكن.


فبالله عليك ما هو حال من يعارض نصوص الوحيين برأيٍ فاسد وهوى مستحكم؟
أين من يصف حديثه صلى الله عليه وسلم بأنه متوحش وأنه يضيق على الأمة أن تطبقه في هذه الأزمنة، وإذا رأيت أن هذا الكلام صادرٌ ممن عُرف بمعادة الشريعة ولمزها والحط منها ومن حملتها فكيف يكون حاله في ميزان مطلع سورة الحجرات؟
أين من يضرب النصوص بعضها ببعض من مطلع سورة الحجرات؟
أين من يتأول التأول السمج المفضوح لتقرير أمرٍ مخالفٍ لمحكمات الشريعة من مثل أمر الباري بالبراءة من كل من اسمه غير مسلم ومن الأمر بالتحوط في العلاقة بين الجنسين ومن تقديم أمره جل وعلا على كل أمرٍ مخالف للنفس والهوى؟
أين هم من مطلع سورةالحجرات؟!!


أخيراً إن قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته فوق كل مكانة، وإن تقديمه وتعظيمه أمر لا يعلوه أمر من أي انسان كائناً من كان حتى ولومن العمرين رضي الله عنهما.
وعليه فكل من استنقص منه صلى الله عليه وسلم أو من سنته أوشريعته أوأصحابه فهوعلى خطرٍ عظيم إلا أن يتوب الله عليه.

اللهم ثبتنا على دينك حتى نلقاك ولا تمكر بنا يارب العالمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 
زياد خمبشي
ربيع الثاني 1431 هـ
 
المصدر: زياد خمبشي - خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 3,558

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً