في الابتلاء وحكمته

منذ 2016-07-28

إن فيما يبتلى به الناس في هذه الدنيا التعرض للكروب والشدائد من فقد حبيب أو تلف نفيس أو الإصابة بمرض حابس، أو التعرض للدين والغرم الكبير، أو الابتلاء بظالم أو ضيق ذات يد إلى غير ذلك من صنوف الابتلاء التي يبتلي الله بها العباد والحكم عظيمة منها أن يعرف المرء نفسه وحاجته إلى ربه تبارك وتعالى وأن حيلته وأمواله وأسبابه ومنصبه وصحته لا ترد عنه قدر الله ولا تنجيه مما أراد الله به وأنه فرد من أفراد ملك الله العظيم المدبر بتدبير العليم الحكيم.

الحمدلله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل الحياة الدنيا دار فتنة وابتلاء يتميز بهما السعداء والأشقياء، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عبد الله المصطفى ورسوله المجتبى الذي أخبر أن أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم يبتلي المرء على قدر دينه.

أما بعد:

فيا أيها الناس اتقوا الله فإنه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق من الآيتين:2-3]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:4]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق من الآية:5].

أيها الناس:

إن فيما يبتلى به الناس في هذه الدنيا التعرض للكروب والشدائد من فقد حبيب أو تلف نفيس أو الإصابة بمرض حابس، أو التعرض للدين والغرم الكبير، أو الابتلاء بظالم أو ضيق ذات يد إلى غير ذلك من صنوف الابتلاء التي يبتلي الله بها العباد والحكم عظيمة منها أن يعرف المرء نفسه وحاجته إلى ربه تبارك وتعالى وأن حيلته وأمواله وأسبابه ومنصبه وصحته لا ترد عنه قدر الله ولا تنجيه مما أراد الله به وأنه فرد من أفراد ملك الله العظيم المدبر بتدبير العليم الحكيم.

عباد الله:

لقد وردت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تبين هذه الحقيقة وتوجه إلى التعامل معها بأفضل طريقة قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157].

وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، وقال تعالى: {الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3]، وقال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} [الرعد من الآية:31].

عباد الله:

وكم في السنة النبوية من الأحاديث الصحيحة المروية التي تبين أن الابتلاء سنة كونية ماضية وأنه مما تكفر به خطايا المؤمنين وترفع به درجات الصابرين كقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (صحيح البخاري [5645])، وقوله: «ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ ، حتَّى يلقَى اللهَ وما علَيهِ خطيئةٌ» (سنن الترمذي [2399]).

إلى غير ذلك من النصوص التي تبين حكمة الابتلاء وأنه من تدبير الله لخلقه وملكه ويفعل الله ما يشاء من الابتلاءات التي يجريها الله وأنه تعالى ليعُرف الناس أنفسهم ويذكرهم بحاجتهم إلى ربهم ويكفر بها خطيئات قوم ويضاعف بها حسنات آخرين ويرفع بها درجات المتقين الصابرين وينقيهم الله بها من المجرمين ويجعلها أنموذجًا لكرب الموت والصبر ويوم القيامة تذكرة للظالمين ودلالة عظيمة على قدرة وبطش ذي القوة المتين.

عباد الله: لقد أخبر الله تبارك وتعالى عباده بأنه وحده هو الذي ينجي من الكرب والملمة والخطوب الملهمة {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [لأنعام:63-64] وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].

أيها المسلمون:

ولقد أكثر الله جل وعلا من ذكر نماذج لطفه بعباده بكشف الكروب وتحقيق المطلوب وأبدى في ذلك وأعاد تذكيرًا بعظيم القدرة وحظًا على استلهام العبرة، وتنبيهًا على سابغ النعمة ولتكون على بال المؤمن عند كل كرب وغمه وحسبكم من ذلك قوله تعالى عن نبيه ورسوله أيوب عليه السلام في كتاب مبين {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:83-84]، وما أخبر به تبارك وتعالى عن نبيه ورسوله يونس عليه السلام الذي تذكر عظيم قدرة الله تعالى وخفي لطفه وأيقن لسمع الله تعالى للدعاء وقدرته على كشف الكرب والبلاء وأحسن الظن بالله جلا وعلا فظن أن الله تعالى لن يضيق عليه فنادى وهو في الظلمات {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء من الآية:87]، "ظلمة بطن الحوت وظلمة قاع البحر وظلمة جنح الليل" {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء من الآية:87] فكان الله تعالى عند حسن ظنه به {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]، ولقد أنجى الله خليله إبراهيم عليه السلام من النار وأظهر خليله محمد - صلى الله عليه وسلم - ممن حاصروه لقتله من الكفار، ففي ذلك أبلغ مدكر لمن أراد أن يتذكر.

أيها المؤمنون:

وكم في صحيح السنة من الأحاديث المذكرة بقدرة الله تعالى على تفريج الكرب وكشف الغمة والمنبهة على الأسباب النافعة للمؤمن عند كل من الهمة وأن أعظم تلك الأسباب إخلاص الدعاء والعمل الصالح ابتغاء وجه الله جل وعلا وتنفيس كرب المكروبين والتيسير على المعسرين في هذه الحياة الدنيا، ففي هذا الحديث الصحيح عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلِّمُكِ كلِماتٍ تَقولينَهُنَّ عندَ الكَربِ أو في الكَربِ؟ اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا» (صحيح أبو داود [1525]).

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا لله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم»، وفي المسند بإسناد صحيح عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلمة لا يقولها عبد عنده موته إلا فرج الله عنه كربته" وأشرق لونه "أي الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حين حضره الموت" لا إله إلا الله، وكان صلى الله عليه وسلم حين يرقي المريض يقول: «أمسح أو وأذهب البأس رب الناس، بيدك الشفاء، لا يكشف الكرب إلا أنت» رواه أحمد وأصله في الصحيحين.

أيها المؤمنون:

وأما أثر العمل الصالح في تنفيس الكرب وسرعة لطف الرب فدليله قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أنجاهم الله تبارك وتعالى بتوسل أحدهم إلى الله جل وعلا ببر والديه وتوسل الثاني بعفته عن الزنا وتوسل الثالث بأداء الأمانة وحفظ تنمية مال أخيه.

أمة الإسلام:

وأما التيسير على المعسرين والتنفيس عن المكروبين فإن أثره عجيب في سرعة الفرج عند الكرب والخروج من عظيم الخطب فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلييسر على معسر أو يضع عنه»"، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»، وفي المسند بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر».

  • 3
  • 0
  • 10,181

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً