خريطة انفعالات المراهقين كيف نقرؤها؟

منذ 2016-07-31

ما هو النمو الانفعالي للمراهقين؟ وما سماته ومظاهره؟ وما الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأبناء حال مرورهم بتلك المرحلة؟ إليك هذه السطور

أعزائي المربين: من فضلكم، عدّوا معي على أصابعكم الخمسة:

-    سرعة في النمو.

-    نمو الغريزة الجنسية.

-    بقايا مرحلة الطفولة.

-    أهواء نفسية.

-    نمو عقلي مطّرد.

هذه النقاط الخمس كلها تنتج المراهق الذي نعرفه جميعًا، لقد تفاجأ طفل الأمس الذي كان يشغله اللعب، وتملأ خياله الحكايات والأساطير، وكان أفضل مكان عنده هو حجر أمه، وحضن أبيه؛ بانقلاب في كل حياته، في جسمه، وعقله، وغريزته، ونفسه، وهواه، وعليه أن يواجه كل ذلك بلا خبرة، ولا كفاءة، برأيكم ما هو شعور المراهق الآن؟ وما هو حجم انفعالاته؟

نلاحظ أن كل شيء في الأبناء يتغير ويختلف عنه في مرحلة الطفولة، والكثير من الآباء والأمهات يلاحظ بوضوح تلك التغيرات الجسدية الظاهرة التي تبدو واضحة على الفتيان والفتيات.

لكن ثمة تغيرات أخرى تحدث، وبالقوة نفسها، وبالسرعة نفسها، والتلاحق، غير أنها داخلية في وجدان الأبناء والبنات، إنها تغيرات النمو الانفعالي في مرحلة المراهقة، ذلك النوع من النمو الذي يغفل عنه الكثير من الآباء والأمهات، بل ويقفون أحيانًا عاجزين عن تفسير مظاهره الدالة على حدوثه، وربما أخطئوا في فهمها، وتعاملوا مع الأبناء بعنف!

فما هو النمو الانفعالي للمراهقين؟ وما سماته ومظاهره؟ وما الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأبناء حال مرورهم بتلك المرحلة؟ إليك هذه السطور:

أعزائي المربين!! نحاول أن نقرأ خارطة النمو الانفعالي للأبناء في مرحلة المراهقة.

يشكل النمو الانفعالي في مرحلة المراهقة جانبًا أساسيًا في عملية النمو الشاملة، كما يعد شعور المراهق نحو نفسه من جهة، ونحو الآخرين من جهة ثانية؛ من أبرز ملامح حياته الانفعالية، فهو قد كون عادات قوية ثابتة في نظرته إلى نفسه، وفي علاقاته بالآخرين، وخاصة الكبار المحيطين به، هذه العادات قوامها الاعتماد الكلي الذي يتصف به الأطفال، كما أنه يتوق إلى أن ينمو ويصبح كبيرًا مستقلًا كالكبار الراشدين، وبين هذا وذاك يقع المراهق في تناقضات قد تكون عنيفة أحيانًا، وقد تكون عبارة عن نقاط تحول أشبه بمفترق الطرق في أغلب الأحيان.

ولكن في جميع الأحوال لا يملك إلا أن يعيش هذا التناقض بكل مشاعره، وبكل ما يسببه له هذا التناقض من اضطراب.

العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي عند المراهق:

يتأثر النمو الانفعالي في مرحلة المراهقة بالتغيرات الجسمية السريعة المتلاحقة التي تتميز بها تلك المرحلة، وكذلك الدوافع القوية المتدفقة التي يجد المراهق نفسه أمامها عاجزًا عن الفهم، أو الإشباع، أو المواجهة، كل ذلك قد يوقع المراهق في حالات إحباط شديدة يكون ردّ الفعل الانفعالي عليها بنفس الدرجة من القوّة أو العنف التي تتناسب مع قوة تلك الدوافع والانفعالات.

فإذا أضفنا إلى ذلك حاجته الشديدة إلى تأكيد الذات، وتدعيم ثقته بنفسه، وحاجته كذلك إلى الحب والتقدير، والقبول الاجتماعي؛ فهو يبحث باستمرار عن نظرة المجتمع إليه؛ فإننا نستطيع أن نتصور الحياة الانفعالية للمراهق، خاصة بما يميزها عن غيرها من المراحل السابقة حيث كان ذلك الطفل الذي يتمتع بالهدوء والاستقرار الانفعالي إلى حد كبير.

أهم سمات النمو الانفعالي للمراهق:

تتصف الانفعالات في هذه المرحلة بأنها انفعالات عنيفة لا تتناسب مع مثيراتها، ولا يستطيع المراهق التحكم فيها، ولا في المظاهر الخارجية لها.

ففي الفترة الأولى من المراهقة قد يثور الفتى/الفتاة لأتفه الأسباب مثل الأطفال الصغار، فإذا أثير أو غضب فإنه قد لا يستطيع أن يتحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية، فقد يحطم، ويدفع الأشياء، أو يصرخ ويرفس، ويلقي بأطباق الطعام، وأكواب الماء على الأرض، أو يمزق ملابسه أو يتلف ما حوله، موجهًا بذلك الطاقة الانفعالية العنيفة إلى الخارج، وأحيانًا أخرى يوجه هذه الطاقة إلى الداخل مسببًا الإيذاء لنفسه، أو لممتلكاته، وفي البنات فقد تقوم الفتاة في حالة الانفعال فتقوم بالصراخ، أو لطم الوجه والتهديد بالانتحار! وقد يبدو شيء من هذه التصرفات عند شعور المراهق بالفرح، فهو يقوم بحركات لا تدل على الاتزان الانفعالي.

ويتعرض بعض المراهقين لحالات من اليأس والقنوط، والحزن والآلام النفسية؛ نتيجة ارتباكهم الشخصي تجاه فورة النمو التي وجدوا أنفسهم فيها، ويبدو عدم الاستقرار في مشاعره؛ فمن يأس وقنوط إلى أمل واسع، ومن ثقة بالنفس إلى فقدان الثقة كلية.

وفي الوقت نفسه تتميز هذه المرحلة بتكون بعض العواطف المرتدة نحو الذات مثل: الاعتداد بالنفس، والعناية بالملبس، وبطريقة الكلام، حيث يبدأ المراهق يشعر بأنه لم يعد ذلك الطفل الذي ينفذ ما يؤمر به دون إبداء الرأي، وحق المناقشة. 

كيف يُصرّف المراهق انفعالاته؟

تجد هذه الانفعالات لها سبيلًا آخر للتعبير عنها، وذلك في خيال المراهق، وأحلام اليقظة، وهي ظاهرة عامة عند المراهقين نظرًا لشدة الدوافع الجديدة في هذه المرحلة، وللقيود الشديدة التي تقع على تلك الدوافع، وعلى ذلك لا يجد أمامه إلا التصور والتخيل.

والذي يدرس أحلام اليقظة عند المراهقين يجدها مليئة بالتخيل عن المستقبل، وعن أعمال البطولة، وإنقاذ الضعيف وما شابه ذلك، مما يتمناه المراهق في حياته اليومية، ولا يستطيع الحصول عليه بالفعل. 

وقد يجد المراهق لخياله طريقا أكثر إيجابيًا في التعبير كالألعاب الرياضية، وخصوصًا كرة القدم (بين فئة الشباب)، وبالنسبة للفتاة نجد أنها تملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات، وتدرك ما يدركه من الاستثارة العاطفية، فهي تحب وتكره، وتهدأ وتغضب، تتأنى وتتعجل، وتجرؤ وتخاف، وهكذا لكن تنقصها الخبرة والتجربة، فهي لا تستقر في انفعالاتها، ولا تكون واقعية في التعبير عنها. 

وتتجه الفتيات إلى كتابة الشعر والرسم، أو قراءة القصص العاطفية كنوع من تصريف الانفعالات، ولا شك أن تنمية مثل هذه المواهب والاهتمامات لها أكبر الأثر في هذه الفترة بالذات في مساعدة الفتاة المراهِقة على حسن التوافق، وعلى التغلب على كثير من المشكلات الانفعالية.

أهمية المحافظة على توازن الانفعالات:

يخطئ من يظن أن الانفعالات خطأ أو جرم يرتكبه الأبناء، فالانفعالات لها أهميتها حيث تدفع الفرد نحو العمل والطموح، فهي ضرورة من ضرورات الحياة، وهي أيضًا تؤثر تأثيرًا حسنًا على مستوى نشاط الفرد، بحيث تمكنه من القيام بعمل يفوق طاقته العادية في شدتها ومداها، وقد يتجاوز حدود التعب اليومي، فلا يكاد يحس به وهو يمضي منفعلاً لإنجاز عمله.

كما تؤثر الانفعالات الحادة القوية على الصحة، وعلى النشاط العقلي، والاتجاهات النفسية، والعادات المختلفة؛ تأثيراً قد يعوق نموه وتطوره!

إذن فالفتاة المراهِقة أو الابن المراهق في حاجة إلى من يساعده على تحقيق الاتزان في حياته النفسية بين القوة الجارفة لانفعالاته، وبين النقص الملموس في قدراته الضابطة التي يمكنها أن تتحكم في دوافعه.

أهم واجبات الوالدين تجاه النمو الانفعالي للفتاة المراهِقة:

-  يقوم الوالدان بتشجيع الفتاة، ورفع مستوى التعامل معها على أساس من هذا التغيير النوعي والكمي الذي أصبح لديها في التفكير، والطاقة، والقدرات، بحيث تشعر أنها بعد تلك التغيرات بدأت تأخذ مكانتها وموضعها الفعلي، وتقوم بالمهمات المناسبة لها.

-  رفع مستوى المخاطبة، والتعامل اللفظي والتوجيهي، فلا يستعملان التلقين وصيغة الأمر بقدر ما يستعملان طريقة العرض، والمناقشة، والأساليب غير المباشرة.

-  مواصلة تدعيم صلة الفتاة بربها - جل وعلا -، وجعل حب الله تعالى، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أثقل في نفسها من ضغط المجتمع كله، وطاعة الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ أحب إليها مما سواهما.

-  تدعيم صلة الوالدين بالأبناء ذكورًا وإناثًا حتى تصل إلى الصداقة مع الفتاة، بحيث يجعلان الصلة التي تربطها بالبيت أقوى وأثقل من الصلة التي تربطها بالمجتمع كله، بما في ذلك الأقارب والجيران، وجماعة الصديقات.

- أن تكون علاقة المودة بين الفتاة وأمها كافية للمكاشفة التي يمكن عن طريقها تصفية الضغط الانفعالي الزائد، ومن ثمَّ التوجيه المباشر المغلف بمشاعر الحب والود.

-  الاهتمام بإقامة علاقة ناضجة بينها وبين قريناتها، وتعليمها قيم الصداقة التي تجعل علاقتها متوازنة وقوية في الوقت نفسه، مما يحفظ لها جانبًا كبيرًا من الاتزان الانفعالي في تلك المرحلة.

-  شغل وقت الفتاة بالطاعات والعبادات، والهوايات النافعة، إلى جانب التدريب على المهارات التي تهيئها لتكون زوجة وأمًا مستقبلًا.

 

-    قبول الفتاة المراهقة لشكلها وجسمها، واكتشاف مواطن القوة والجمال فيه.

 

-    تنمية مهارات التفاعل الاجتماعي لدى الفتاة بشكل جيد.

 

-    اكتساب القيم الأخلاقية، وتعميق الالتزام الديني.

وأخيرًا عزيزي المربي:

إنّ هذه القوة والغزارة في انفعالات الفتاة وعواطفها؛ يمهد لبناء شابة ذات عواطف فياضة، متفاعلة مع الحياة، متجهة للخير والإصلاح في مجتمعها، مؤثرة في علاقتها بالآخرين، كل ذلك إذا أحسن الوالدان توجيه الفتاة إلى القدرة على التحكم في انفعالاتها، وضبطها بشكل جيد، فقط علينا أن نقرأ خارطة النمو الانفعالي للفتاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: سحر شعير 

  • 1
  • 0
  • 7,603

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً