الشّيخ ساركوزي

منذ 2010-09-05

لفت نظري وأنا أتابع الأخبار أنّ الرّئيس الفرنسيّ عرض مشروعه الجديد "رمضان فرنسا" في مسجد مارسيليا الكبير، بمناسبة بداية شهر رمضان، وضمن سياسة ساركوزي الرّامية إلى تحسين اندماج الأقليّة المسلمة في المجتمع الفرنسي..


الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين.

لفت نظري وأنا أتابع بعض المواقع الإخباريّة على شبكة المعلومات الدّولية أنّ الرّئيس الفرنسيّ عرض مشروعه الجديد "رمضان فرنسا" في مسجد مارسيليا الكبير، وذلك بمناسبة بداية شهر رمضان الكريم، ويأتي هذا المشروع ضمن سياسة ساركوزي الرّامية إلى تحسين اندماج الأقليّة المسلمة في المجتمع الفرنسي، وقال الرّئيس في كلمته أمام روّاد المسجد يشرح فيها مشروعه حسبما أورد موقع الـ CNN:

"إخواني المواطنين، المسلم الفرنسيّ هو فرنسيّ قبل أن يكون مسلماً، وعليه فإنّ قهوة الصّباح مع الهلاليّة (كرواصون) تقليدٌ فرنسيٌّ عريقّ لا يجب التخلّي عنه، لذا وانطلاقاً من فتاوى الأزهر حول فقه الأقليّات فإنّه يجوز للمسلم الفرنسيّ الصّائم أن يبدأ صباحه بقهوة مع هلاليّة، كغيره من أبناء الشّعب الفرنسيّ على السّاعة الثامنة قبل الانطلاق للعمل، إخواني المواطنين، صلاةُ المسلم الفرنسيّ لا يمكن أن تشبه صلاة مسلمي الشّرق، لذا فإنّه لا معنى لمواطنٍ أوروبيٍّ أن يقضي ساعة أوساعتين بعد العشاء في صلاة التّراويح، التي اتفق علماء المسلمين على أنّها ليست فريضة، وعليه إخواني فلقد أصدرت قراراً جمهوريّاً يدعو مساجد فرنسا لإغلاق أبوابها بعد صلاة العشاء مباشرة، حتى ينصرف المواطن إلى بيته ويستمتع بمشاهدة أخبار وبرامج التلفزيون الفرنسي".


إنّ عجب المرء لا ينتهي من هذه الحملة الشّرسة على المسلمين وعلى الهويّة الإسلاميّة، فكيف يكون ساركوزي حكماً وخصماً في آنٍ واحدٍ؟ وساركوزي معروفٌ بعدائه الشّديد للإسلام، وحربُه على الحجاب لا تخفى على أيّ أحد، وسنُّ القانونٍ الـذي يُجرّم فيه ارتداء النّقاب، وغرامةٌ لمن ترتديه في الأماكن العامّة، ثمّ بعد ذلك يجعل من نفسه شيخاً يحدّد للمسلمين صياماً جديداً يتّفق مع تقاليد فرنسا.

ويعدّ ساركوزي من أشدّ المعادين للهجرة غير الشّرعية إلى فرنسا، ومعلومٌ أنّ العرب المسلمين هم أكثرُ النّاس هجرة إلى فرنسا، وله عبارات شهيرة في ذلك، منها: (تنظيف حارات فرنسا من نفايات المجتمع) ويقصد (بالنفايات ) المهاجرين هجرة غير شرعيّة إلى فرنسا.

وأيّ أزهرٍ يتكلّم عنه ساركوزي؟ هل يقصد تلك المؤسّسة العريقة الموجودة في مصر؟ أم يقصد أزهراََ آخر؟! أنا لم أقرأ، ولم أسمع، لأحد من أهل العلم من علماء الأزهر، قالوا بهذا الكلام الذي تفوّه به هذا المأفون، ونسبه إلى علماء الأزهر.


فإنّ المسلم الذي يعلم أبجديات الإسلام يعلم أنّ الصّيام هو الإمساك عن المفطرات (الأكل والشّرب والجماع) من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس، وإن خالف ذلك وتعدّى أمرَ اللّه أثم وفسد صومه.

ثمّ ذكر ساركوزي أنّ صلاة المسلم الفرنسيّ لا يمكن أن تكون شبيهةً بصلاة مسلمي الشّرق، فانظر بعين التّأمل لهذا الكلام تجد العنصريّة والحقد والكراهية ظاهرة من ثنايا كلامه، وكأنّه يريد أن ينقسم المسلمون في الشّرق والغرب في الصّلاة التي تقرّبهم من ربّهم وتساعدهم على تحمّل ضريبة الغربة في بلاد الكفّار، فإن كانوا في الشّرق يصلّون التّراويح فلا ينبغي لمسلمي فرنسا أن يوافقوهم على ذلك! لماذا؟؟ لأنّه فرنسيّ له عاداته وتقاليده، ولا يعرف هذا المجرم المحروم هذه النعمة التي كفر بخالقها، من أنّ الصّلاة صلةٌ بين العبد وربّه، وتُعينه وتقويه وتبثّ فيه روح الإيمان، والدافع من هذا الكلام، أن يستمتع المواطن الفرنسيّ المسلم بمشاهدة التلفاز، وأن لا يُثقل كاهلَه بصلاة التّراويح، لأنّها ليست مفروضةً على المسلم!! ألم أقل لكم إنّه شيخٌ يتكلّم بكلام المشايخ والعلماء، ولكن مشايخ الضّلال والفتنة، الذين يجعلون من أنفسهم بوقاً يسهل من خلاله تسلّل أعداء الإسلام لاقتناص أيّ فرصة لمهاجمة هذا الدّين الحنيف.
ثمّ أصدر قراراً يتعنّت فيه، ويغلق المساجد، وليس هذا بغريب على رجلٍ أمتلأ قلبه حقداً وحنقاً على الإسلام وعلى المسلمين.


وأخيراً:

لا بدّ للمسلم من إظهار دينه، وإظهار الدّين كما يقول الشّيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه اللّه وهو من كبار أئمّة الدّعوة السّلفية التجديديّة في نجد:

وأمّا المسألة الرّابعة: وهي مسألة إظهار الدّين، فإنّ كثيراً من النّاس قد ظنّ أنّه إذا قدر على أن يتلفّظ بالشّهادتين، وأن يصلّي الصلوات الخمس، ولا يُردّ عن المسجد، فقد أظهر دينه، وإن كان مع ذلك بين المشركين، أو في أماكن المرتدّين، وقد غلطوا في ذلك أقبح الغلط.

فاعلم أنّ الكفر له أنواع وأقسام تتعدّد بتعدّد المكفّرات، وقد تقدم بعض ذلك، وكلّ طائفة من طوائف الكفران، اشتهر عندها نوع منه، ولا يكون المسلم مظهرًا لدينه حتى يخالف كلّ طائفة بما اشتهر عندها، ويصرّح لها بعداوته والبراءة منه، فمن كان كفره بالشّرك، فإظهار الدّين عنده التصريح بالتّوحيد، والنّهي عن الشّرك والتحذير منه، ومن كان كفره بجحد الرّسالة، فإظهار الدّين عنده التّصريح بأنّ محمّداً رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والدّعوة إلى اتِّّباعه، ومن كان كفره بترك الصّلاة، فإظهار الدّين عنده فعل الصّلاة والأمر بها، ومن كان كفره بموالاة المشركين والدخول في طاعتهم، فإظهار الدّين عنده التّصريح بعداوته والبراءة منه ومن المشركين.

وبالجملة فلا يكون مُظهرًا لدينه إلا من صرّح لمن ساكَنه من كلّ كافر ببراءته منه، وأظهر له عداوته لهذا الشّيء الذي صار به كافراً، وبراءته منه، ولهذا قال المشركون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: عاب دينَنا، وسفَّه أحلامَنا، وشتم آلهَتنا.

وقال اللّه تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّـهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ } [يُونس:104-106]، فأمر اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول لهم: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ.. } إلى آخره، أي: إذا شككتم في الدّين الذي أنا عليه، فدينكم الذي أنتم عليه أنا بريء منه، وقد أمرني ربّي أن أكون من المؤمنين الذين هم أعداؤكم، ونهاني أن أكون من المشركين الذين هم أولياؤكم.

وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ. وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافِـرون]، فأمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول للكفّار: دينكم الذي أنتم عليه أنا بريء منه، وديني الذي أنا عليه أنتم بَراء منه، والمراد: التّصريح لهم بأنّهم على الكفر، وأنّه بريء منهم ومن دينهم،
فمن كان متَّبعًا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [فعليه] أن يقول ذلك، ولا يكون مُظهراً لدينه إلا بذلك، ولهذا لمّا عمل الصّحابة بذلك، وآذاهم المشركون، أمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالهجرة إلى الحبشة، ولو وجد لهم رخصة في السّكوت عن المشركين لما أمرهم [بالهجرة] إلى بلد الغربة.


وفي السيرة: أنّ خالد بن الوليد رضي اللّه عنه لما وصل إلى العِرْض -وهو وادي اليمامة- في مسيره إلى أهل اليمامة لما ارتدّوا، قدَّم مائتي فارس وقال: من أصبتم من النّاس فخذوه، فأخذوا (مُجَّاعة) في ثلاثة وعشرين رجلاً من قومه، فلمّا وصل إلى خالد قال له: يا خالد! لقد علمت أنّي قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حياته فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإن يك كذَّابًا قد خرج فينا، فإنّ اللّه يقول: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعـَـام:164]، فقال: يا مجاعة! تركت اليوم ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذّاب وسكوتك عنه وأنت أعزّ أهل اليمامة -وقد بلغك مسيري-، إقراراً له ورضاءً بما جاء به، فهلَّا [أبديت] عذراً وتكلّمت فيمن تكلّم؟! فقد تكلم ثُمَامة -ثُمَامة بن أثال بن النعمان الحنفي، أبو أمامة اليمامي رضي اللّه عنه- فردّ وأنكر، وتكلّم اليشكري -عُمير بن ضابئ اليشكُري، كان سيدًا من سادات أهل اليمامة، ولما ارتدوا كان يكتم إسلامه-، فإن قلتَ: أخاف قومي، فهلَّا عمدتَ إليَّ أو بعثتَ إليَّ رسولاً؟! فقال: إن رأيتَ يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كلّه؟ فقال: قد عفوتُ عن دمك، ولكن في نفسي حرجٌ من تركك. انتهى. (مختصر السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهّاب (1/280، 281) بزيادة فيه)

أبو حاتم عبد الرّحمن الطّوخي
 

المصدر: أبو حاتم عبد الرّحمن الطّوخي - خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 3,290

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً