وعاشروهن بالمعروف

منذ 2004-03-15
الحمد لله الذي خلق الذكر والأنثى، من نطفة إذا تُمنى، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن الله عزّ وجلّ خلق لنا في هذه الدنيا أزواجاً نسكن إليها، وجعل المودة والرحمة دوحة نستظل بها. ورغبة في تجديد ما تقادم من المعلومات، وتذكير من غفل من الإخوان والأخوات، فإن الحقوق الزوجية عظيمة ويترتب عليها أمور مهمة فقد قال الله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } .

وهذه المرأة- أخي المسلم- التي تحت يدك أمانة عندك، مسؤول عنها يوم القيامة، هل أديت حقوقها أم فرطت وضيَّعت؟!

ومن أهم حقوقها ما يلي:

أولاً: الوصية بالنساء خيراً امتثالاً لقول الله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء » [متفق عليه]. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة » [رواه أحمد].

ثانياً: إعطاؤها حقها وعدم بخسها، فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: « أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت » [رواه أحمد]. وبعض الناس يأخذه الكرم والسخاء مع الأصدقاء وينسى حق الزوجة، مع أن المرء يؤجر على إنفاقه في بيته أعظم من غيره، كما روى ذلك أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك » [رواه مسلم]، وآخرون اتخذوا ضرب زوجاتهم مهنة لهم فلا يرفع يده عنها، وعائشة رضي الله عنها تقول: " ما رأيت رسول الله ضرب امرأة... " [رواه مسلم]. والرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والمثل. وآخرون اتخذوا الهجر عذراً وطريقاً لأي سبب حتى وإن كان تافهاً، وربما هجر المسكينة شهوراً لا يُكلمها ولا يؤانسها، وقد تكون غريبة عن أهلها أو شابة صغيرة يُخشى على عقلها من الوحدة والوحشة.

ثالثاً: تعليمها العلم الشرعي وما تحتاج إليه من أمور العبادات وحثها وتشجيعها على ذلك، يقول الله تعالى: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ } وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" [رواه البخاري].

وعلى الزوج أن يتابع تعليمها القرآن الكريم والسنة المطهرة ويشجعها ويعينها على الطاعة والعبادة، قال تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَليْهَا } قال صلى الله عليه وسلم: « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » [رواه أحمد].

رابعاً: معاملتها المعاملة الحسنة والمحافظة على شعورها وتطييب خاطرها، قال تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله ذكره بقوله: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } . ومن أهم الأمور التي انتشرت في أوساط بعض الأسر المسلمة من المخالفات في تلك المعاملة الحسنة التي أُمرنا بها: بذاءة اللسان، وتقبيح المرأة خِلقةً أو خُلقاً، أو التأفف من أهلها وذكر نقائصهم، وكذلك سب المرأة وشتمها ومناداتها بالأسماء والألقاب القبيحة، ومن ذلك إظهار النفور والاشمئزاز منها.

ومن ذلك أيضاً تجريحها بذكر محاسن نساء أخر، وأنهن أجمل وأفضل، فإن ذلك يكدر خاطرها في أمر ليس لها فيه يد.

ومن المحافظة على شعورها وإكرامها، مناداتها بأحب أسمائها إليها، وإلقاء السلام عليها حين دخول المنزل، والتودد إليها بالهدية والكلمة الطيبة، ومن حسن الخلق وطيب العشرة عدم تصيد أخطائها ومتابعة زلاتها، بل العفو والصفح والتغاضي خاصة في أمور تجتهد فيها وقد لا توفق. وتأمَّل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخياركم خياركم لنسائكم » [رواه أحمد].

خامساً: المحافظة عليها من الفساد ومن مواطن الشبه، وإظهار الغيرة عليها، وحثها على القرار في البيت، وإبعادها عن رفيقات السوء، والحرص على أن لا تذهب إلى الأسواق بكثرة وإن ذهبت فاذهب معها، وأن لا تدعها تسافر بدون محرم، واستشعر أن هذه أمانة عندك مسؤول عنها يوم القيامة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » [متفق عليه].

سادساً: اعفافها وتلبية حاجاتها، فإن ذلك يحفظها ويغنيها عن التطلع إلى غيرك، واحرص على إشباع حاجاتها العاطفية بالكلمة الطيبة، والثناء الحميد، واقتطع من وقتك لها، واجعل لبيتك نصيباً من بشاشتك، ودماثة خلقك، روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا عبد الله، ألم أُخبرك أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ » قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: « فلا تفعل، صُم وأفطر، وقُم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً » [رواه البخاري]. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: « وفي بضع أحدكم صدقة » قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: « أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر » [رواه مسلم].

سابعاً: التأسي بخير الأزواج في مؤانسة الزوجة وحسن العشرة وإدخال السرور على قلبها، روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا: تأديبه فرسه، ورميه بقوسه، وملاعبته أهله » [رواه أبو داود والترمذي].

ومن أحق منك بحسن الخلق وطيب المعشر، ممن تخدمك وتطبخ لك، وتنظف ثوبك، وتفرح بدخولك، وتربي أبناءك، وتقوم بشؤونك طوال حياتك؟!ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة، إدخالاً للسرور على قلبها، ويناديها بيا عائش، تقرباً إلى قلبها، وكان صلى الله عليه وسلم يؤانسها بالحديث ويروي لها بعض القصص، ويشاور زوجاته في بعض الأمور مثلما شاور أم سلمة في صلح الحديبية.

ثامناً: تحمل أذاها والصبر عليها، فإن طول الحياة وكثرة أمور الدنيا لا بد أن توجد على الشخص ما ينغص عليه من زوجه، كأي إنسان خلق الله فيه الضعف والقصور. فيجب تحمل الأذى إلا أن يكون في أمر الآخرة: من تأخر الصلاة، أو ترك الصيام، فهذا أمر لا يُحتمل، ولكن المراد ما يعترض طريق الزوج خاصة الأيام التي تكون فيها الزوجة مضطربة، وتمر بظرف شهري معروف، وقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه، ويقع منهن تصرفات تستوجب الحلم والعفو.

تاسعاً: المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها، فقد يكون لها مال من إرث أو عطية أو راتب شهري تأخذه من عملها، فاحذر التعرض له لا تصريحاً ولا تلميحاً ولا وعداً ولا وعيداً إلا برضاها، قال الله تعالى: { وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسَاً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميناً على مال زوجته خديجة فلم يأخذ إلا حقه ولم يساومها ولم يظهر الغضب والحنق حتى ترضيه بمالها! قال تعالى مُحذراً عن أخذ المهر الذي هو مظنة الطمع وهو من مال الزوج أصلاً: { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانَاً وَإِثْمَاً مُّبِيناً . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَاقاً غَلِيظَاً } فما بالك بأموال زوجتك التي تكدُّ وتتعب لتجمعها.

وأخذ المال منها ينافي قيامك بأمر القوامة، ووجوب النفقة عليها حتى وإن كانت أغنى منك، وليحذر الذين يتعدون على أموال زوجاتهم ببناء مسكن أو استثمار ثم يضع مالها باسمه ويبدأ يستقطعه، فإنه مال حرام وأخذ مال بدون وجه حق، إلا بإذن صاحبه.

عاشراً: من حقوق الزوجة التي عدَّد زوجها، العدل بين الزوجات في البقاء والمكث مع كل زوجة والتسوية في المبيت والنفقة، قال تعالى: { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } وقد مال كثير من المعددين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل » [رواه احمد].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين زوجاته فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان عليه الصلاة والسلام يراعي العدل وهو في مرض موته حتى أذن له زوجاته فكان في بيت عائشة، وكان لمعاذ بن جبل رضي الله عنه امرأتان فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء.

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم أصلح زوجاتنا وذرياتنا، وبارك لنا في أموالنا وأولادنا، وتقبل منا واغفر لنا وارحمنا إنك أنت السميع العليم. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[من كتاب 40 درساً لمن أدرك رمضان]


دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم
  • 6
  • 2
  • 25,765
  • أم عبدالله

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاكم الله خيرأ
  • محمد عماد فطاير

      منذ
    [[أعجبني:]] الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبنا رسول الله وبعد جزاك الله يأخي كل الخيرفما ورد في المقالة تذكير لمن يعرف حقوق المرأه والزوجة في الاسلام وما هو ورد في المقالة جزء بسيط من حقوق المرأة بالاسلام .لا يسمح الحديث التفصيلي هنا ولكن أقول لدعاة حقوق المرأة من المتفرنجيين ان الاسلام منح المرأة حقوق لم ولن تعطيها لها أي من القوانين الوضعية .وجميع الأخوات المسلمات اللواتي يعتنقن الاسلام في الغرب يجدن في جانب الحقوق المرأه ذلك وبما يحققن ذاتهم ويرفعن من مكانتهن.أم ان الأوان يا من تركضن وراء الحقوق الوضعية للمرأه أن تعدن الى كنز الدنيا والأخرة وهو القران الكريم وسنة الحبيب المصطفى(صلعم).
  • fouadismail

      منذ
    [[أعجبني:]] i think its verey good cz it talks about the woman writes cz many think [un muslim] we dont give awoman any writes .so this who we are .bark allah fikom god bless u
  • حازم محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] والله إنها لمقالة رائعة وإنها لتبين مدي إهتمام الأسلام باللبنة الأولى وهي الأسرة وكيف أن تكون بيوت المسلمين سويةفتنبت نبات حسن والله إنه لدين حق من سارعلى نهجه على وأرتفع وتقدم وجزاكم الله خيرا على هذا التوضيح والتعليم للمسلمين
  • nada

      منذ
    [[أعجبني:]] المقالة جميلة ولكن أين من يعقلون أود القول أن للمرأة دور كبير في ان تاخذ كل هذا من الرحل إذا تحلت بأخلاق الإسلام وأدت ما عليها من الحقوق و الواجبات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً