لسنا كلنا لصوصاً

منذ 2016-10-03

لطالما لفت نظري هذا العنوان الصادم لرواية إحسان عبد القدوس الشهيرة "يا عزيزي كلنا لصوص"

يا عزيزي كلنا لصوص!!
لطالما لفت نظري هذا العنوان الصادم لرواية إحسان عبد القدوس الشهيرة "يا عزيزي كلنا لصوص"
إن هذا المعنى هو ببساطة التبرير الأشهر لأكثر الأخطاء والخطايا التي يرتكبها مقترفوها ثم يتمكنون من التعايش معها من خلال تعميم الخطأ على الجميع من خلال جملٍ مشهورةٍ من نوعية: هي يعني جت عليّ أنا؟!
ما كل الناس كدة، اللي زي الناس ما يتعبش، هي كدة كدة بايظة.
هكذا يتم تبرير الخطأ والتعايش معه ويتلاشى مبدأ الاعتراف به وتختفي ثقافة الاعتذار والإصلاح نظراً لتلاشي واختفاء الشعور أصلاً بأن ثمة خطأ ما، يحدث ذلك أيضاً مع إتخاذ المواقف وتحمل مسؤولية الكلمة والرأي والصدق في إعلان الحق فكل ذلك لابد أن يكون له تبعات، هذه التبعات تتباين في شدتها من زمان إلى آخر وتختلف باختلاف الظرف والمكان وقد تصل في أحيانٍ معينة إلى ضررٍ ماديٍ أو معنويٍ يحيق بصاحب الموقف أو الرأي، وفي تلك الحالة تبرز سياسة الهروب بالتعميم أيضاً وإرادياً أو لا إرادياً ينتهج البعض هذه السياسة -الهروب بالتعميم- عند خشيتهم من تحمل تبعات تلك المسؤولية.

كلهم زي بعض، الجميع سيئون، الكل أشرار، هذه الجمل والتصورات تعد من أوضح الصور لهذا الوجه من وجوه الهروب، تعميم الخلل على الكل و إلقاء اللوم على الجميع وإخراج رسالةٍ ضمنيةٍ مفادها تلك الجملة المشهورة التي عَنون بها إحسان عبد القدوس روايته جملة: يا عزيزي كلنا لصوص.
عندما يُصدِّر لك الهاربون من تحمل المسؤولية ذلك المعنى بهذا الإطلاق فإنهم بذلك يظنون أن الأمر قد انتهى وأن المعضلة الأخلاقية قد تم حلها وأنه ما دام الجميع سيئين ؛ فانفض يدك منهم واكتف أنت ببرجك العاجي النقي الطاهر المطهر من دنس أولئك الأوغاد الأوباش الذين هم جميعاً سواءن و تلك الكلمة الأخيرة هي الأهم
لابد من ترسيخها في الوعي الجمعي، كلمة: سواء، كلهم سواء، زي بعض، جميعهم واحد: المسروق والسارق، المقتول والقاتل، المظلوم والظالم، الضحية والجلاد.
يا عزيزي كلنا لصوص، أو بلاش "كلنا"، خليها "كلهم" أحسن ولتظل أنت في نقاوتك وطهارتك المزعومة
المهم أن تزول الفواصل والفوارق كلها كي نستريح من عناء الانحياز حتى لو كان انحيازاً جزئياً أو انحيازاً في آحاد المواقف التفصيلية
وتلك الكلمة الأخيرة -انحياز- هي العدو اللدود وهي التي يحاول أصحاب سياسة التعميم السابق ذكرهم سحقها بالكلمة الأسبق كلمة سواء، إذ لا "انحياز" لطرف مادام الجميع "سواء" في الشر والإجرام، المشكلة أن هؤلاء وأمثالهم يتصورون أن الانحياز لابد أن يكون كاملاً ولذلك يرفضونه ويبررون لأنفسهم الهروب منه عن طريق التسوية السالف ذكرها، وينسى هؤلاء أو يتناسوا عدة حقائق مهمة للغاية منها:
- أن المواقف تقوم بذاتها.
- وأن هناك انحيازاً جزئياً وهو يختلف عن الإتباع المطلق.
- وأن الحق المطلق على طول الخط لا يملكه مخلوق غير معصوم.
- وأن وجود الخطأ لا ينفي وجود الحق أو جزء منه أحيانا مع ذلك المخطيء
- وأن الأخطاء مراتب ودرجات.
- وأن الخطأ لا يبرر الخطأ الأكبر منه.
- وألا تزر وازرة وزر أخرى.
إن كل قاعدة أو حقيقة مما احتوته السطور الأخيرة على قصرها توضح بعد تفصيلها كارثية ذلك الطرح القائم على تعميم الخطأ وقد لخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطورة ذلك الطرح بجملة جامعة مانعة كعادته فقال: «إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكُهم» ( رواه مسلم في صحيحه: 2623)
ورواه الإمام أحمد في المسند ولفظه: «إذا سمعتم رجلا يقول قد هلك الناس فهو أهلكهم» يقول الله إنه هالك
قيل في معنى هذا الحديث: إذا قال ذلك استحقارا للناس واستصغارا لهم فما اكتسب من الذنب بذكرهم وعجبه بنفسه أشد. وقيل: هو أنساهم لله، وقال الإمام مالك معناه هو أفلسهم وأدناهم
يعني ببساطة ليس من حق أحدٍ تعميم الخطايا على الناس سواءً كان ذلك لتبرير خطئه هو أو للهروب من تحمل مسؤولية اتخاذ موقف أو إعلان رأي أو انحياز لما يراه حقاً، أو ببساطة أكثر يا عزيزي لسنا كلنا لصوصاً.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,442

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً