دليل المسلم الجديد - [43] حقوق الزوج والزوجة

منذ 2016-10-15

أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته، وكذا العكس، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين. وسنذكر - بحول الله تعالى- ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم.

الحمد لله
قال الشيخ محمد صالح المنجد: أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته، وكذا العكس، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين.

وسنذكر -بحول الله تعالى- ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم.
أولاً:
حقوق الزوجة الخاصة بها:
للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي: المهر، والنفقة، والسكنى.
وحقوق غير مالية: كالعدل في القسم بين الزوجات، والمعاشرة بالمعروف، وعدم الإضرار بالزوجة.
1. الحقوق الماليَّة:
أ - المهر: هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل ، قال  الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزاز للمرأة وإكراما لها.
والمهر ليس شرطا في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح باتفاق الجمهور لقول الله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد.
فإن سمِّي العقد: وجب على الزوج، وإن لم يسمَّ: وجب عليه مهر " المِثل "  - أي مثيلاتها من النساء - .
ب - النفقة: وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة.
والحكمة في وجوب النفقة لها: أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له.
والمقصود بالنفقة: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية، لقول الله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة:233]، وقال الله عز وجل: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق:7].  
وفي السنة النبوية:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة  - زوج أبي سفيان  رضي الله تعالى عنهما وقد اشتكت عدم نفقته عليها - «خذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروف» .
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك». رواه البخاري (5049) ومسلم (1714).
وعن جابر رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» رواه مسلم (1218).
ج. السكنى: وهو من حقوق الزوجة، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته ، قال الله تعالى : {أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم } [الطلاق:6].
2. الحقوق غير الماليَّة:
أ.   العدل بين الزوجات: من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته، إن كان له زوجات، في المبيت والنفقة والكسوة.
ب.   حسن العشرة: ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقول الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19]، وقول الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228].
وفي السنَّة النبوية: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «استوصوا بالنساء» رواه البخاري (3153) ومسلم (1468).
وهذه نماذج من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه - وهو القدوة والأسوة -:
1. عن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة رضي الله تعالى عنهن قالت: حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنفستِ؟ قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة».
قالت: "وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة". رواه البخاري (316) ومسلم (296) .
2. عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهم قال: قالت -أم المؤمنين-عائشة- رضي الله تعالى عنها-: "والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو". رواه البخاري (443) ومسلم (892) .
3. عن أم المؤمنين عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع" . رواه البخاري (1068).
ج. عدم الإضرار بالزوجة: وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى.
عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى «أن لا ضرر ولا ضرار» رواه ابن ماجه ( 2340) . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم.
انظر : (خلاصة البدر المنير:2 / 438).
ومن الأشياء التي نبَّه عليها الشارع في هذه المسألة: عدم جواز الضرب المبرح.
عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» .
رواه مسلم (1218) .


ثانياً :
حقوق الزوج على زوجته:
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة:228].
قال الجصاص رحمه الله تعالى: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه .
وقال ابن العربي رحمه الله تعالى: هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها.
ومن هذه الحقوق:
أ - وجوب الطاعة: جعل الله سبحانه الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خص الله تعالى به الرجل من خصائص جسمية وعقلية، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء:34].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {الرجال قوامون على النساء} يعني: أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله تعالى به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله.
وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك رحمهم الله تعالى. (تفسير ابن كثير:1 / 492) .
ب - تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب، وذلك أن يسلمها مهرها المعجل وتمهل مدة حسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة إذا طلبت ذلك لأنه من حاجتها، ولأن ذلك يسير جرت العادة بمثله .
وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» رواه البخاري (3065) ومسلم ( 1436).
ج - عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله: ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، ....» . رواه البخاري (4899) ومسلم (1026) .
وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص -رضي الله تعالى عنهما- حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» رواه الترمذي (1163) وقال : هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1851) .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» . رواه مسلم (1218) .
د - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج: من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه.
وقال الشافعية والحنابلة: ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج ، وله منعها من ذلك .. ؛ لأن طاعة الزوج واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب.
هـ - التأديب: للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن.
وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب، منها: ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك  الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة، ومنها : ترك الصلاة ، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه.
ومن الأدلة على جواز التأديب:
قول الله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء:34].
وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} [التحريم:6].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وقال قتادة رحمه الله تعالى: تأمرهم بطاعة الله تعالى، وتنهاهم عن معصية الله سبحانه، وأن تقوم عليهم بأمر الله تعالى، وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيتَ لله سبحانه معصية قذعتهم عنها (كففتهم) ، وزجرتهم عنها.
وهكذا قال الضحاك ومقاتل رحمهم الله تعالى: حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه .
(تفسير ابن كثير: 4 / 392 ) .
و- خدمة الزوجة لزوجها : والأدلة في ذلك كثيرة، وقد سبق بعضها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
(الفتاوى الكبرى:4 / 561) .
ز - تسليم المرأة نفسها: إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها وذلك لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحق المرأة العوض وهو المهر.
ح- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف: وذلك لقول الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228].
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
وعنه - أي: عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهم- أيضا أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن.
وقيل: إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري .
وقال ابن زيد: تتقون الله تعالى فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم.
والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية .
(تفسير القرطبي: 3 / 123 ، 124).
والله تعالى أعلى وأعلم.

  • 17
  • 3
  • 57,382
المقال السابق
[42] مسائل فقهية خاصة بالنساء
المقال التالي
[44] الخطبة الشرعية وأركان عقد النكاح

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً