سرٌ خطير!

منذ 2016-10-19

إن أرقى أنواع المحبَّة هي المحبَّةُ في الله، ألفةٌ وترابطٌ، وشوق وجدانيٌّ، واتفاقٌ في غاية، وبرٌّ تضعه عند أخيك، فما بالُك لو كان شريكَ حياتك؟!

سرٌّ خطير جدًّا ذاك الذي تعرفُه هي، سحرٌ ربما سحرت به زوجَها! لماذا يحبُّها كلَّ هذا الحب؟ ولِمَ هي تعشقُه بتلك الطريقة المجنونة؟

دعونا نتأمَّل حالَهما قليلًا:
إن غاب عنها فهو حاضرٌ، وإن غابت عنه فهي مخبوءة في صدرِه! عجيبٌ أمرُهما! من أين هذا الحبُّ غير المشروط؟ وما سببه؟ حساب مفتوح، وشِيكٌ موقَّع على بياض، ولسان حالها يقول:
افعَلْ ما شئت، وقُلْ ما شئت، وتصرَّف كما يحلو لك؛ طالما أنك لا تُغضِبُ اللهَ؛ فلن أغضب منك أبدًا، مهما قلتَ، فأنا أعلم أنك لا تقصدُ إلا المعنى الطيِّب، أما المعنى الآخر، فقد استبعدتُه تمامًا من خاطري؛ لأنني أعرفك أكثر من نفسك!

ثقة وحسن ظنٍّ، ويقين أن الطرفَ الآخر يحبُّك بشدة، ولن يخونك أبدًا، ولن يطعنك من الخلف!
إن زوجها ينجذب إليها كما ينجذب الحديد إلى المغنطيس، رغم صلابته وخشونة طباعِه! جذبتْه إليها فصارَا كقطعةٍ واحدة، أتدركون كيف هو هذا الشعورُ؟ أنت مطمئنٌّ، أنت مستقرٌّ، أنت مرتاح البال، وحتى لو ضاقت الدنيا في وجهك أنت تعلم أن لديك حبيبَك، وحتى لو كرهك الجميع لن تحزن؛ لأن لديك ارتواء نفسيًّا داخليًّا وإشباعًا روحانيًّا؛ لأنه يحبُّك، إن خفت فحضنُه مأواك، وصوتُه الحاني سيزيل فورًا تلك الارتجافةَ التي تجتاح صدرك، وستسكن وتطمئن؛ لأنك تحبه في الله، نعم ذاك هو السرُّ!

هل جربتَ أن تحبَّ زوجتَك في الله، لوجهِه تعالى وحدَه، وبنفْسٍ صافية كالحليب الحلو الباردِ؟ تسأل عنها إن طال صمتُها، تتوجَّع لوجعِها، تفرحُ لفرحِها، تجوعُ معها، وتشبعُ معها، وتفرحُ معها، وتغفرُ لها، وتُؤثِرها على نفسك، فتقدِّم لها ما تشتهيه وتتمنَّاه مِن قَبْلِ أن تطلبَه، تنصحها في الله برفقٍ؛ لتطيعه سبحانه، تعينُها على الطاعة، وتصبِّرها على البلاء، وتمدحُها إن أحسنتْ.

هل جربتِ أن تحبِّي زوجَكِ في الله ابتغاءَ مرضاته وحدَه، وبنفسٍ رائقة كالماء الحلو العَذْب؟ تُحسنين الظنَّ به دائمًا، تشكرين له حُسنَ خلُقه، تبتعدين معه عن الشبهات، تصلِّيان معًا، وتسجدان معًا، وتصومان معًا، وتبكيان من خشية الله معًا، تتودَّدين وتتجمَّلين له؛ ليتعفَّف بكِ، وتكونين له الحبيبة، والصديقة، والابنة، والأم.

إن أرقى أنواع المحبَّة هي المحبَّةُ في الله، ألفةٌ وترابطٌ، وشوق وجدانيٌّ، واتفاقٌ في غاية، وبرٌّ تضعه عند أخيك، فما بالُك لو كان شريكَ حياتك؟!

رصيدٌ روحاني؛ إن احتجتَ أن ترجع إليه في أي وقت، فستجد موفورًا منه؛ لأنه غيرُ مشروط؛ فالحب لجاهٍ فقط أو جمالٍ فقط، يزولُ بزوال هذا السبب، أما الحبُّ في الله، فيدوم حتى اللقاءِ على منابرَ من نور تحتَ ظلِّ العرش، وما أجملَ أن تجتمع بحبيبِك وكلِّك الآخرِ تحت ظل عرش الرحمن! يا لها من مكانةٍ! ويا لها من روعة! ويا له من شرفٍ!

ولن يكون الحبُّ في الله إلا لو كان الاختيارُ بما يرضي اللهَ، ولن تنبتَ زهرة الحبِّ الطيِّب إلا إذا غُرِستْ في تربة طاهرةٍ بقلب نقيٍّ أبيضَ، قلب ممتلئٍ بالإيمان، الإيمان يشبعُ النفس، ويسلِّي المحزون، ويقوي الضعيف، وفيه الأنسُ، وبحضوره في القلب يتحوَّل الحزن إلى أجرٍ وثواب.

الارتقاءُ بالنفس والروح يرفعُك إلى مكانة حيث تتعارفُ على شريكك، وتُوفَّق للِّقاء به بفضلٍ من الله، قال أحد الصالحين: (أرواحُ المؤمنين تتعارفُ).

وبعد الإيمان والاختيار الصحيح، فهل هذا يكفي وحدَه؟ هل يكفي إيمان الزوجين ليسعَدَا معًا تحت سقف بيت واحدٍ أم لا؟
الإيمان مهمٌّ؛ فهو وتدٌ يثبِّت الخيمةَ الزوجيَّة، ورباطٌ يقوِّي العَلاقة بين الطرفين لا ريبَ، ولكن لا بدَّ أن ننتبهَ لعوامل أخرى؛ فنحن بشرٌ؛ أولها تعزيزُ التواصل العاطفي بين الزوجين، واحترامُ مشاعر الآخرِ، فزوجتُك تحتاجُك، وأنت تحتاجُها، أنت تختلفُ عنها فلا تعاملها كأنها ذكَرٌ، وأنتِ لا تعامليه كأنه أنثى!

صورتُكِ مهمة له، احترامُكِ لرأيه مهمٌّ له، انتظاركِ لعودته مهمٌّ له، توقيرُه أمامَ أهلِكِ مهمٌّ له، عدمُ إصراركِ على فعلِ شيء يكرهُه إكرامًا لنفسه مهمٌّ له.

اهتمامُكَ بمشاعرِها مهمٌّ لها، إظهار إعجابكَ بما تفعلُه ولو كان بسيطًا مهمٌّ لها، إخبارُكَ لها أنها حبيبتُك عشرات المرات طوالَ اليوم مهم جدًّا، وذاك أمرٌ يظنُّ الرجال أنه ليس ضروريًّا، لكنه في الحقيقة يُؤرِّق الزوجات؛ فتراهُنَّ يتساءلْنَ كثيرًا في أنفسهن: "هل ما زال زوجي يحبُّني أم لا؟"، فاقطَعْ عليها استرسالَها في تلك الهواجسِ، وأكِّد لها حبَّكَ بالكلمة، والنظرة، والتربيتة على الكتف، والحضن الأبويِّ الذي تحتاجه الزوجةُ حين تتراكم عليها همومُ البيت والأبناء؛ فأنت زوجٌ وأبٌ لها، فلا تنسَ أنها تركتْ أبًا حنونًا، وأخًا ودودًا، وبيتًا دافئًا كانت تتدلَّلُ فيه، وانتقلت وحيدةً تحت جناحِك؛ فكن لها كلَّ هؤلاء معًا.

ولا تغفلا يا رعاكما اللهُ عن طريقةِ الحوار بينكما؛ فلا يحسُنُ أن يكون الحديث من طرفٍ واحدٍ فقط، والآخر ينصتُ في صمتٍ مجرد وعاء تفرغُ فيه الكلمات؛ لأن هذا سيُشعر مَن يقوم بدور المتحدث بالنفورِ، حاول أن تتفاعل مع شريكك وهو يُحدِّثُك، تواصل.

تستطيع أن تكون عالِمًا في أيِّ مجال، أو طبيبًا، أو مهندسًا، أو محاميًا، وتتحدَّث مع زوجتك في أمور تخصُّ عملَك بطريقة تجعلها تشعر أنك تقدِّرها وإن كانت لا تفهمُ مصطلحًا واحدًا مما تقوله، لكنها طريقتُك الذكية في الحوار.

وتستطيعين أن تتحدَّثي مع زوجك الذي لا يهتمُّ إطلاقًا بالقراءة والكتب - على عكسكِ أنت المثقَّفة، الواسعة الإطلاع - عما قرأتِه دون أن تشعريه أنه ضيِّقُ الأُفقِ، وحتى الحديث عن الأشياء التافهة أحيانًا يُعد تودُّدًا لو أنصت لمجرد أن مَن يُحادِثُك هو حبيبُك! لا تقطعوا حبالَ الوُدِّ، واعقدوها بالحديثِ الطيِّب، وتخيروا اللفظَ الجميل، لا تقفوا على كلِّ كلمة وكأنها محاكمةٌ.

عند اتِّخاذ القرارات، لا بأسَ بالشورى وإن كان القرارُ بيدِ أحدِكما؛ فهذا لا يعني تهميشَ الآخر تمامًا، فقد يكون رأيه أصوبَ، والاستشارة تعني: أنك تثقُ بشريكك، وتظنُّ به خيرًا؛ فانتظر بعدَها أثرًا جميلًا في نفسه، سينعكس على علاقتِه بك في لحظة أخرى؛ فلا تخسر تلك النظرةَ المُمْتنَّة من عينَيْه؛ لأنك وَثِقْت به واستشرته؛ فتلك لحظة لها متعة إن كنت حقًّا تحبُّه.

توزيع المسؤوليات يجعلُها أسهلَ، ويتيح الفرصة لكليكما ليُتقنَ أداء ما عليه من واجبات، فتشاركا في كلِّ شيء قدرَ استطاعتكما، من الخطأ إلقاءُ المسؤولية بالكامل على أحد الطرفين، وإرهاقُه لمجرد أنه لا يشكو ولا يعترضُ؛ فهو إن تحمَّلَ لعامٍ أو اثنين أو حتى عشرة، سيكلُّ وسيتعب وسينفجرُ، الحياة همومٌ، وبناء بيت ليس أمرًا هينًا سهلًا، وكذا تربية الأبناء، والعمل خارج المنزل ابتلاءٌ؛ فالحياة تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، فخفِّفا بعضكما عن بعض، واغتنما سنواتِ الزواج الأولى، واستمتعا بالحياة رغم ما فيها من تعبٍ وكدٍّ وسعيٍ، لا تؤجِّلا الحياةَ حتى يكبر الصغارُ، بل استمتعا بالحياة بينما يكبرُ الصغار، لا تؤجِّلي خروجَكِ مع زوجك حتى يكبر طفلُكما، بل احمليه واخرجي معه، طفلُك بيدٍ ويدك الأخرى معلَّقة بذراع زوجكِ، أو احمل أنت عنها صغيرَكما واتركها تستمتع بكفِّها وهي تدسُّها تحت ذراعك القويِّ وتسير وهي سعيدة؛ لأنها معك!

إن ضاقت عليكما الظروف، فحُسنُ الظنِّ بالله سيُوسِّعُها عليكما، وإن صعبت الحياة، فالحبُّ بينكما سيُسهِّلُها، وإن قدَّر الله بحكمته ابتلاءً، فهي الرحمةُ منه لا ريبَ؛ فكونا معًا تحت رحمته.

وبعد الإيمان الذي تتشرَّب به تلك المسمَّيات كلها سيأتي الحبُّ، والحبُّ شيءٌ عجيب، وأُحجية غريبة، وسرٌّ غامض، لكنه لا يخفى على قلب جعلَه صاحبُه وقفًا لله تعالى؛ فاجعل قلبَك من الآن وقفًا لله.

بعض الناس يتحدَّثون عن الحبِّ، وبعضهم يتساءلون عن حقيقةِ الحبِّ، وبعضهم غارقٌ في الحب، والبعض يفتقد الحبَّ، وأما عن هؤلاء الذين عرَفوا السرَّ، فطوبى لهم! طوبى طوبى!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

حنان لاشين

كاتبة إسلامية ملقبة بأم البنين

  • 39
  • 0
  • 11,708

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً