عقائد وأحقاد (3)
يجب ألا يقيس غير المسلمين مواقفنا على أحقادهم العمياء؛ فالولاء والبراء ليس حقدًا بل مواقف واعية رافضة للانحراف
وأما عقيدة الولاء والبراء فهي ليست أحقادًا موجهة لأحدٍ؛ بل هي مواقف واعية حفاظًا على الحق نفسه. فالحق لا يتمثل في عقيدة مجردة بل لا بد من ترجمته في نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي ونظام فكري وأخلاقي، وصبغة فنية وإعلامية وتعليمة، وتصورات مستقلة، وجيوش تحمي وأمة تحمل العقيدة وأرض تحمل مقدرات الأمة شعوبًا وثروات ومحاريب وشعائر وأعراضًا. ومن لم يفهم هذا لم يفهم الإسلام نفسه، ولم يفهم عقيدته.
والولاء والبراء مبدأ عقدي للحفاظ على الأمة والحفاظ على الحق متميزًا؛ إذ إن من حق البشرية على المسلمين أن يحفظوا الحق متميزًا لأجل البشرية وأجيالها، بحيث من أراده وطلبه وجده، وإلا فلو اختلط بغيره لضاع الحق وتاهت معالمه، ولم يجده من طلبه، وقد يكون الحاقد اليوم على الإسلام، لجهله به، طالبًا له في غده لينقذ نفسه من الهاوية.
والبراء من الكافرين وكفرهم هو رفض للانحراف وتسجيل له وقطع لخطه وامتداده، ولا يتم حب لأحد إلا مع رفض أعدائه؛ فمن أحب الله تعالى أبغض من عاداه ومن رفض عبادته ودينه ومنهجه، ومن حارب قيمه ومنهجه، وإلا ما صدق في حبه.
والولاء والبراء هو حفظ لكيان الأمة وأرضها التي قامت عليها، وكياناتها القائمة، ومقدراتها، وأعراضها؛ وإلا سُمح بالتآمر مع العدو أو الاصطفاف معه ضد طوائف الأمة حتى تسقط بكاملها كما يحدث اليوم بتساقط أجزاء من الأمة وأرضها في العراق وسوريا وغيرهما.
يجب ألا يقيس غير المسلمين مواقفنا على أحقادهم العمياء؛ فالولاء والبراء ليس حقدًا بل مواقف واعية رافضة للانحراف؛ محافَظة على العقيدة وعلى شعوب وشعائر وشرائع ومنهج ومقدرات.
والمسلم يجمع بين أمور ثلاثة مهمة: يجمع بين تميز الحق والولاء له، ورفض الانحراف ورده له، والحنو على البشرية وحب الخير لها والرغبة في هدايتها والفرح بأن يظفر بشخص يهتدي على يده؛ كما يجمع مع هذا القيام بالحقوق وحفظ الحدود والأموال والأعراض وإقامة العدل على الخلق مؤمنهم وكافرهم.
ولذا كان من مقاصد هذا الدين تميز المسلمين كأمة وعقيدة ومنهج، ومنهج وأخلاق، حتى السمت والهدْي الظاهر. إن المسلم يقوم بعبادة عظيمة، وامتثال لأمر عظيم، ويقدم خدمة جليلة للبشرية حين يحفظ الحق ويقوم به عقيدة ومنهجًا ونظامًا، وهديًا وسمتًا، وخلقًا وأرضًا. ولو ضاع الحق لكان الفساد العظيم الذي حذر الله منه {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]، وقد حدث اليوم الفساد الكبير، ومن لم يفهم هذا عن ربه تعالى فما فهم دينه.
- التصنيف: