المرأة السعودية الجديدة (طموحات وتحديات)

منذ 2010-11-13

إنه منظر مؤثِّر حقًّا؛ إذ يندفع الرجال والنساء، والشبان والفتيات جميعًا إلى أبواب المترو، ويحصل هناك كل أنواع وأشكال التدافُع والتراكُل، بدون تمييز ولا عنصرية، فإذا دخل الجميع إلى المترو، وقفوا فيه كلهم متلاصقين كتلاصق (أعواد الكبريت) في (علبة




تعيش المرأةُ السعودية (الجديدة) مرحلةً حرجة جدًّا في تاريخها؛ فهي تخوض معركة مع (الرجعيين) الذين يقفون في وجه (الحضارة)، والذين لا يسمحون لها بالضغط على المجتمع (الظالم الغاشم)؛ لكي يعطيها حقوقها التي تتمتع بها أترابها من النسوة في العالَم الغربي، أو حتى العالَم العربي (المتحَضِّر).

كما أنها تعيش تحدِّيًا كبيرًا في إثبات وُجُودها وتأثيرها على الرأي العام السعودي؛ ولذا فهي تقوم - بنفسها - مُطالبة بحقوقِها، غير منتظرة عونًا من أحد، ولو كان من الرِّجال (المتحرِّرين) (المتحضِّرين)؛ عملاً بقول الشاعر الحكيم:
مَا حَكَّ جِسْمَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ

فالرجل وإن كان ليبراليًّا أو يَساريًّا من أقصى اليسار، أو مخنَّثًا من (المخنثين)، فهو رجل ولا بد أن فيه عنصرية ضد المرأة.

ومِن ثَم قامت المرأة السعودية (الجديدة) بتولِّي قضاياها بنفسها؛ فرفعتْ مَطَالبها إلى مجلس الشورى، وغيره من الدوائر المختَصَّة؛ مطالبة بأخذ حقوقها، ومنادية بإعطاء الفُرْصة لها لتثبت وجودها وكفاءتها، وخطورة دَوْرها في بناء المجتمع السعودي.

لَم تَكتَفِ المرأة السعودية (الجديدة) بهذه النجاحات التي حقَّقَتْها المرأة السعودية القديمة في مجال إدارة الأعمال، أو في مجال البحث العلمي؛ حيث رأى الناس طبيبات وباحثات يحضرن المؤتمرات، ويُقَدِّمنَ الأبحاث العلمية الرصينة، لكن مع كل أسف يفعلْنَ ذلك وهن متوشحات بالسواد، ويبثثن علمَهن وأفكارهن من وراء حجاب.

وهذه هي المرحلة الحَرجة التي أخذت المرأة (الجديدة) على عاتقها تجاوُزها، والعمل على التخلُّص منها، وإزالة ذلك الساتر والفاصل العنصري بين الرجل والمرأة (الحجاب).

فالمرأة السعودية (الجديدة) تسعى لقفزة (حضارية) غير مسبوقة، ستذهل العالم أجمع أكتع؛ ولهذا كانت ورقة الحقوق التي تنادي بها المرأة الجديدة تدور حول محاور مهمة، من شأنها تغيير وضع المرأة في المجتمع السعودي، بما يضمن قفزة (حضارية تاريخية)، تجعل المملكة العربية السعودية في مصافِّ الدول العُظمَى.

وعلى رأس هذه المطالب النبيلة الرفيعة: مطالبة المرأة الجديدة بحقها في (قيادة السيارة)، فإن هذا سيمثِّل قفزة غير مسبوقة في سُلَّم الترقِّي والتمدُّن.

نَعَم، المرأة السعودية حاليًّا تركب السيارة، وعندها (سائق خاصٌّ) يقوم بتوصيلها - معزَّزة مكرَّمة - إلى حيث شاءت، متى شاءت، (وترميه) خارج الأسواق، و(مشاغل) التجميل بالساعات الطوال، لكن من حقِّ هذه المرأة أن تمارسَ متعة القيادة بنفسها من (الضغط على الفرامل)، و(مراقبة الإشارات) حتى تفتح، وإعطاء (البوري) للسائقين غير المنتبهين، ثم (التفحيط).

وإذا كانت المرأةُ السعودية تَتَعَرَّض للموت في حوادث يتسبب فيها رجال، فمِن حقِّها أن تَتَعَرَّض للموت بنفسها، بدون وساطة من أحد، وإذا كان الرجال يقعون في قتْل الخطأ لأجل الحوادث التي تقع منهم، فما الذي يمنع المرأة ويحرم عليها أن تقتل خطأ؟ أم أن قتلَ الخطأ لا يكون إلا للرجال؟!

وإذا كان الناس قد اعتادوا أن يروا كل صباح تقريبًا سيارة أحد الشباب وهي متفحِّمة، أو متحطمة، وبداخلها شابٌّ في مقتبَل العُمر، فلا وجه لحرمان الناس من رؤية سيارة إحدى الفتيات قد تفحَّمت أو تحطَّمت، وبداخلها فتاة في ريعان شبابها.

وإذا كانت نسبة حوادث الطُّرُق في المملكة من أعلى النسب على مستوى العالَم، إن لم تكن أعلاها، فإذا أعطي للمرأة الحق في قيادة السيارة بنفسها، فمنَ المحتمَل أن تقوم المملكة بتحْطيم الرقْم القياسي في حوادث الطرُق على مستوى العالَم، وتدخل موسوعة (جونز ريكورد) بكل سهولة.

ومن المتطلبات التي تنادي بها المرأة السعودية (الجديدة): السماح لها بالعمل في كافَّة القطاعات، وبدون أي شروط وقيود فقهية (بالية)، كمنْع الاختلاط، وتحديد عمل المرأة في قطاعات مناسبة لها، وغير ذلك من قيود (الرجعيين).

فللمرأة الحق أن تعملَ في كلِّ مكان، وفي أي مجال، حتى وإن كانت (جارسونًا) في مطعم من المطاعم تقدِّم الوَجَبات والمشروبات للزبائن، مع ابتسامة عريضة للزبون: (هل تريد شيئًا آخر يا سيدي؟) على نحو ما تفعله الفتيات الجميلات في مطاعم (لندن) المتحضِّرة.

فالذي تريده المرأة الجديدة الخروج من عقدة (رجل وامرأة)، وتحديد قطاعات دون غيرها لعمل المرأة، والفصل اللامعقول بِجُلُوس النساء في مكان خاص بهنَّ بعيدًا عن الرجال، على نحو ما يقع في الأماكن العامة والدوائر الرسمية - كأن المرأة جرب معدٍ - تبعًا لفتاوى (شيوخ النكد)، الذين حرَّموا كل شيء على المرأة، حتى الزنا.

فالمرأة السعودية (الجديدة) تريد أن تأخذَ حُقُوقها كما أخذتها نساء العالَم، ومسألة منع الاختلاط، وتحديد نوعية عمل المرأة ونحو ذلك - أفكار قديمة، عفا عليها الزمن، ولا وجود لها في العالَم المتمدن، غربيًّا كان أو شرقيًّا.

نعم، ماتت هذه الأفكار، ليس فقط في المجتمع الأمريكي أو الأوروبي؛ بل في المجتمعات العربية المتمدنة.

فها هي المرأة (الجديدة) في أم الدنيا (مصر المحروسة)، كيف حالها؟ ومساواتها للرجل ومشاركتها له في العمل في كل مجال وفي كل مكان؟

فعندما تشرق الشمس تخرج المرأة (الجديدة) مع الرجل إلى الشارع جنبًا إلى جنب، ويقفان معًا على الرصيف، وينتظران معًا (الباص)، ثم يجريان سويًّا للحاق به، ثم يقفان فيه سويًّا مشدودي الأيدي إلى (الماسورة الحديدية) المتدلية من سقف الباص؛ لأنَّهُما لا يجدان مكانًا من شدة الزحام، بلا تفرقة عُنصرية بين رجل وامرأة، وذَكَر وأنثى.

أما المنظر الأكثر روعة وجمالاً، فهو في مترو الأنفاق في ساعتي الذروة: (الثامنة صباحًا) و(الثانية ظهرًا)، إنه منظر مؤثِّر حقًّا؛ إذ يندفع الرجال والنساء، والشبان والفتيات جميعًا إلى أبواب المترو، ويحصل هناك كل أنواع وأشكال التدافُع والتراكُل، بدون تمييز ولا عنصرية، فإذا دخل الجميع إلى المترو، وقفوا فيه كلهم متلاصقين كتلاصق (أعواد الكبريت) في (علبة الكبريت)، بلا (تفرقة) ولا (عنصرية)، وهناك أيضًا يَتَصَبَّب العرقُ من الجميع من شدة الزِّحام، الذي لم ينجع فيه (تكييف) الهواء، فيقوم الجميع بإخراج المناديل الورقية ليجففوا - رجالاً ونساء - عرق الجبين، الذي بذلوه ثمنًا لتحضُّر المرأة (الجديدة).
وهكذا أخذت المرأة المصرية (الجديدة) المجاهِدة المناضِلة حقوقها، وصارت تكد وتتعب، وتمسح عرق الجبين، فطوبى لها والعُقبى للمرأة السعودية.

وأما القضية التي لن تتنازل عنها المرأة الجديدة، حتى وإن سالت دماؤُها كالأنهار في شوارع جدة والرياض، فهي قضية (النوادي النسائية)، وحرية المرأة (الجديدة) في المشارَكة في المسابَقات الدولية، بلا استثناء من (كرة القدم) إلى (الكاراتيه) و(الكونغ فو) و(المصارَعة الحرة).

ولسوف تحقِّق المرأة السعودية الجديدة إنجازات تُبهر العالَم، ولا تخطر بالبال، ويعجز عنها الرجال، ولسوف يهزم (منتخب كرة القدم السعودي النسائي) (المنتخبَ الصِّهيَوْني النسائي): (10/ صفر) في عقر داره في (تل أبيب)، وعندها ستجف دموع الثكالَى والأرامل واليتامى، الذين فقدوا ذويهم في الحرب على (غزة)، ولسوف تسجد (اللاعبات) سجود الشكر في قلب الملْعب بعد إحراز كل هدف؛ إظهارًا لشعائر الإسلام في قلب دولة الصهاينة، بلا أدنى خوف أو جبن.

لكن الذي يقلق المرأة (الجديدة)، هو رُدُود الفعل الإقليمية والعالمية تجاه نجاحها في افتتاح الأندية الرياضية والمشاركة في المسابقات الدولية والأوليمبيات الرسمية.

فتسلط الدول الكبرى والدول ذات الأطماع في المنطقة معروف للذكي والبليد، وإذا حصلت هذه الطفرة من افتتاح الأندية والمشاركة في المسابقات العالمية، وحصد الميداليات الذهبية، وإحراز المراكز المتقدِّمة، وتحطيم الأرقام القياسية، فإن وضع (المملكة) العسكري والسياسي سيتغير، وتصبح دولة خطيرة على الأمن الدولي في نَظَر الدول الاستعمارية.

وقد تقوم (إسرائيل) بتوجيه ضربة جوية للنوادي النسائية في (جدة) و(الرياض)، على نحو تلك التي قامت بها تجاه المفاعل النووي العراقي سنة 1980م.

أجل؛ فافتتاح أندية رياضية نسائية في المملكة من شأنه تغيير توازن القوى في المنطقة والعالم بأسره فيما بعد، ومن غير المستبعَد أن يصدر مجلس (الرعب) الدولي الذي تهيمن عليه الدول (الإمبريالية) قرارًا بفَرْض عقوبات اقتصادية وغيرها على المملكة، إن لم تَتَوَقَّفْ عن افتتاح المزيد من هذه الأندية، التي من شأنها - على المدى الطويل - التمهيد لدخول المملكة (النادي النووي)، وامتلاك أسلحة الدَّمار الشامل.

على كل حال، ومهما يكن من أمْرٍ، فلن تتركَ المرأة السعودية (الجديدة) قضاياها المصيرية وحقوقها المسلوبة، مهما كلَّفَها هذا من تضحيات.

(هذه حكاية المرأة الجديدة وقضاياها الملحَّة، فإذا ابتسم ثغرك - أيها القارئ - وبكى قلبك في آن واحد، فدونك، لستُ ألومك).

كتبه علي حسن فراج

المصدر: موقع الآلوكة
  • 1
  • 0
  • 4,833

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً