عقائد وأحقاد (5)
منطق الأمة لا الأقليات
منطق الأمة لا الأقليات
ويبقى المسلمون في تعاملهم مع الأقليات لا يتعاملون بمنطق الطائفة بل يتعاملون بمنطق الأمة، كما يبقى أهل السُنة ليسوا طائفة بين الفرق والطوائف، بل هم الأمة الجامعة، والأمة هي الإطار الشامل، والقدرة العقدية والقيمية والتاريخية على إنشاء المجتمع العالمي المستقر الذي يجد فيه الجميع مكانه.
أمام طائفية الأقليات في مناطق الأمة ومنطقهم التفتيتي الإنعزالي والتآمري وروحهم الحاقدة؛ يبقى الإسلام وأهله ودعوتهم لإقامة الدين وسيادة ظلال الشريعة وارتفاع حكمها وعُلو كلمتها لتحفظ الهوية والقيم وتحقق النظام الراشد، يبقى هذا ليس منطقًا طائفيًا، فالمسلمون ليسوا طائفةً بل هم الأمة الجامعة التي تحمل من القيم والأحكام والممارسات ما تجمع به مختلف الأديان والعقائد مع احتفاظ الأمة بسمتها وهويتها، وهذا ما لا يفهمه الكثير ممن يريد ألا يفهم!
يقول سيد قطب رحمه الله ـ المتهم بالتطرف! ـ في كلامه عن آية المائدة وحل أكل طعام أهل الكتاب وحل تزوج نسائهم (إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية؛ ثم يعتزلهم ، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين - أو منبوذين - إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية، والمودة، والمجاملة والخلطة، فيجعل طعامهم حِلًا للمسلمين وطعام المسلمين حِلاً لهم كذلك. ليتم التزاور والتضايف والمؤاكلة والمشاربة، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة، وكذلك يجعل العفيفات من نسائهم - وهن المحصنات بمعنى العفيفات الحرائر - طيبات للمسلمين، ويقرن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات. وهي سماحة لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام من بين سائر أتباع الديانات والنحل . فإن الكاثوليكي المسيحي ليتحرج من نكاح الأرثوذكسية، أو البروتستانتية، أو المارونية المسيحية، ولا يقدم على ذلك إلا المتحللون عندهم من العقيدة!
وهكذا يبدو أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمعٍ عالمي، لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الكتابية؛ ولا حواجز بين أصحاب العقائد المختلفة، التي تظلها راية المجتمع الإسلامي، فيما يختص بالعشرة والسلوك) انتهى كلامه.
أما الدعوات القومية فقد فتّتت الأمة ومزقتها، فبرزت مشكلة الأكراد حتى مالوا غلى الغرب والصهاينة والصفويين وتآمروا مع المتآمرين، وبرزت مشكلة الأمازيغ، والفرس، والأفارقة مقابل العرب، كما هي مشكلة القوميات في بلاد شرق آسيا المسلمة.
ثم حدث تفتيت أكثر فأصبح الانتماء القُطري مناوئا للأمة وعلى حساب بقية الجسد، وأصبح تمزيق البلد الواحد وتشقيقه إلى مِزقٍ قوميةٍ وطائفيةٍ (دينية ومذهبية)، وجهويةٍ واجتماعيةٍ، وسياسيةٍ وإيديولوجية، وعلى محاور عدة..
بينما الإسلام هو الإطار الجامع، والهوية الضلمة لكل طوائف الأمة وهو محور نجاتها اليوم، كما كان وسيبقى عبر التاريخ..