فهلا نملة واحدة!!
أما كان يكفيك أن تعاقب تلك النملة التي آذتك بدلا من أن تعمم عقوبتك على سائر جنسها؟! هو سؤال استنكاري مختصر يبين قاعدة عظيمة كثر ذكرها في الكتاب والسنة قاعدة تضىء بالعدل وتسمو بالإنصاف وتتألق بالحكمة المفتقدة
- فهلا نملة واحدة!!
كانت تلك معتبة ربانية وجهها الله جل وعلا لأحد أحب خلقه إليه
وجهها لنبي من أنبيائه!
القصة بتمامها وتفاصيلها ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وأورد رواياتها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما
وتدور أحداثها في زمان سابق لعصر رسولنا حيث نزَل نبيٌّ منَ الأنبياءِ تحتَ شجرةٍ، فلدَغَتْه نملةٌ، فأمَر بجهازِه فأُخرِج من تحتِها، ثم أمَر بقرية النمل فأُحرِقت بالنارِ
هنا صدرت المعتبة الربانية ونزل الوحي الإلهي يلوم ذلك النبي على تلك العقوبة الشاملة قائلا: "أحرقت أمة من الأمم تسبح الله" ثم ختمت المعتبة بتلك الجملة التي صدَّرت بها مقالي:
فهلا نملة واحدة
أما كان يكفيك أن تعاقب تلك النملة التي آذتك بدلا من أن تعمم عقوبتك على سائر جنسها؟!
هو سؤال استنكاري مختصر يبين قاعدة عظيمة كثر ذكرها في الكتاب والسنة
قاعدة تضىء بالعدل وتسمو بالإنصاف وتتألق بالحكمة المفتقدة بين كثير من الناس مع بعضهم البعض وليس مع نملة
مجرد نملة
إنها تلك القاعدة القرآنية التي تكررت بنفس اللفظ خمس مرات في كتاب الله
قاعدة: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}
ذلكم المبدأ المنطقي البسيط الذي هو على الرغم من بساطته ووضوحه وبدهيته صار يغيب عن أذهان كثير من الناس اليوم فيعتمدون خطاب الجمع والتعميم ويختارون ثقافة السلة الواحدة التي هي ثقافة مريحة بلا شك لكنها راحة الاستسهال واطمئنان التنطع والكسل
فلماذا ينفق الظالم شيئا من وقته وفكره في التفصيل والإنصاف بينما هو يستطيع أن يلقي الجميع في سلة واحدة و(يخلص)
وإن ذكرته بأنه "لا تكسب كل نفس إلا عليها" وأن "كل نفس بما كسبت رهينة" وأن "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" و"إن أعظمَ الناسِ فريةً الشاعرُ يَهجو القبيلةَ بأسرِها" .. تأمل.. القبيلة بأسرها!!
إلى آخر تلك الأدلة القرآنية والنبوية الناصعة التي تبرق بنور الإنصاف والعدل فإن تذكيرك لهذا الصنف بها سيصطدم للأسف بحواجز مصمتة وضعها على عينيه مروجو تلك الثقافة
ثقافة السلة الواحدة والتعميم المقيت ومبدأ السيئة تعم والعقوبة على المشاع
ولو أتعب أولئك المستسهلون ذلك العضو الذي وُضع في جماجمهم وأمروه بالتفكير هنيهة في مآل تلك الطريقة لحقروا أنفسهم ولربما لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك على سطحية رؤيتهم وسماجة مبدأهم ثم لا يلبث ضحكهم إلا وينقلب إلى بكاء حين يكتشفون مدى الظلم والغبن الذي دفعهم إليه شنئان قوم.
حين يتفكرون للحظات كيف يحاسب كل أسمر على خطيئة من يشاركه لونه وكيف يعاقب كل أشقر على جريمة ارتكبها شبيهه ولماذا يُلام سمين على كل ذنب اقترفه سمين مثله
مشهد هزلي هو لكنه للأسف يحدث يوميا
مجرد أن تسمع أو تقرأ لإنسان يتكلم مهاجما مخالفه بصيغة الجمع قائلا: أنتم فعلتم وسويتم تعلم حينئذ أنك بصدد أحد أبناء تلك الثقافة
ثقافة التعميم المريح ومبدأ امتداد العقوبة وعمومها وشمولها
ذلك المبدأ الذي حذر منه يوسف عليه السلام بكل وضوح حين عرض عليه إخوته أن يأخذ أحدهم بدلا من أخيهم بنيامين فقال: {معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون}
وأيضا قالها ذو القرنين حين استنجد به أقوام ليعاقب ظالميهم فقال {أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً}
فقط من ظلم..
هذا هو الأصل والقاعدة الشرعية الواضحة
حتى على مستوى الأعراف البشرية الطبيعية -باستثناء الحقب الفاشية والأمم القائمة على التطهير العرقي والإبادة الطائفية- فإن رفض ذلك المبدأ هو الأصل
بينما المنصفون في كل زمان ومكان لا يجرمنهم شنئان ولا يستخفنهم بهتان ولا يعممون طغيان بل يُفَصِّلون ويميزون ويفرقون بين الصالح والطالح وبين المحسن والمسىء ويرفعون دوما ذلك الشعار القرآني الجليل "ليسوا سواءً" ولو افترضنا جدلا وقوع الخطأ من أي مخلوق غير معصوم فلتكن المحاسبة من نصيب مقترفه ولتكن العقوبة للنملة الشاردة لا لقريتها بأسرها
ولا تزر وازرة وزر أخرى.
محمد علي يوسف
- التصنيف: