هل النقاب أو الحجاب كفر بالإسلام؟؟

منذ 2016-11-22

حق لنا أن نتسائل عن سبب التشدد مع النقاب مع أنه في أقل أحواله هو حريةٌ شخصيةٌ بينما يتم التساهل مع كل مظاهر الخراب والفساد التي يعج بهما المجتمع.

شهد النقاش حول النقاب تشددًا ضده في العديد من المناسبات، فمن قائلٍ إن النقاب يهدد الأمن العام لأن المجرمين من الممكن أن يتخفوا وراءه ليرتكبوا الجرائم، ومن قائلٍ أنه ليس من الدين في شئ فلا يجوز لبسه، ومن قائلٍ أنه يعرقل عملية التحقق من الشخصية، إلى غير ذلك من الحُجج التي نرى أنها مجرد تشددٍ ضد قضية خلافيةٍ لكل شخصٍ الحريةُ في تبني ما يشاء بشأنها.

النقاب في الشرع وحسب أراء العلماء هو من الإسلام لكنهم اختلفوا، فمنهم من قال أنه مندوب أي من تفعله تأخذ ثواب ومن لا تفعله فليس عليها وِزر، أو كما يقال باللغة الدارجة هو سُنةٌ فقط، ومن العلماء من قال هو فرضٌ، ومنهم من قال هو مندوبٌ لكنه يصير فرضًا إذا خيفت الفتنة بسبب عدم ارتدائه، فهذه هي أراء العلماء السابقين عندما كان العلماء لا يتأثرون بشئٍ سوى حكم الشرع، لا يهمنا هنا آراء بعض العلماء الذين يتأثرون في فتاواهم وآرائهم بمناصبهم الحكومية أو علاقاتهم بمراكز القوة أو يتأثرون بحبهم للظهور في صورة من لا تتعارض آراؤهم مع مفاهيم الحضارة الغربية الحديثة أو حتى القديمة بغض النظر عن توافق ذلك كله مع الحكم الشرعي الحقيقي أم لا.

التشدد ضد النقاب لا بد أن يكون سمة هذه الأيام مادام السيد الأوروبي غير راضٍ عن هذا المظهر الإسلامي، وكيف لا والهجوم على الحجاب الحقيقي نفسه لا يكلُ ولا يمل، لا هنا ولا في أوروبا، تعرية الأنثى لجسمها سواءًا بكشفه وتحريره من الملابس الساترة أو بلبس الضيق أو الشفاف الذي يظهر الجسم اللابس وكأنه عاري تمامًا إذا جرى الكلام عنه فنحن هنا نتكلم عن الحرية وتحرير المرأة وتقدمها، أما إذا لبست الأنثى النقاب بمحض إرادتها فالحديث هنا يكون عن التشدد والغلو في الدين وقهر المرأة وجهلها وتخلفها، الحديث عن التعري المذكور يقرنه المتحدثون بأن الإيمان في القلب وناقصٌ ثانية واحدة ويقولوا أن المتعرية قديسة من القديسات أو أحد أولياء الله الصالحين لأن إيمان قلبها قويٌ جدًا، أما الحديث عن النقاب (أو حتى الحجاب الحقيقي) فيقترن بالقول بأن صاحبته ترائي بلبسها وتجهل حقيقة الإيمان وناقص ثانية ويقولوا أنها كافرة و بنت ستين في سبعين لأنها لبست النقاب، وكأن أحد أركان الإيمان أن يتخفى هذا الإيمان في القلب فلا يظهر له أي أثرٍ على الجوارح فإن ظهر له أي أثر كان إيمانًا كاذبًا!!!

و نفس الذين يتشددون ضد النقاب (وأحيانا ضد الحجاب) يتكلمون عن التدين المنقوص، و هنا يطرح السؤال نفسه: أنتم في كلامكم عن التدين المنقوص تطرحون أن التدين لم ينعكس في سلوك أصحابه وهذا حق، إذ لابد أن ينعكس التدين (أي الإيمان) ويظهر في سلوك أصحابه، أفلا ترون أن النقاب (و مثله الحجاب الحقيقي) هو سلوك شخصيٌ لابد أن يكون إنعكاسًا للتدين غير المنقوص؟

وفي الواقع فإن أي محتوى لابد ان ينعكس على مظاهر الشئ الذي يحتويه إلا في حالاتٍ نادرةٍ ولأسبابٍ محددة، والقول بأن بعض المنتقبات غير ملتزمات دينيًا فهذا أمرٌ لابد أن نتركه لله تعالي لأن القانون المصري لا يحاسب أي أحدٍ على مدى التزامه الديني فلماذا المنتقبة بالذات سوف نفتش في ضميرها ونراقب مدى التزامها؟

تبقى الحجج السطحية التي تساق لتبرير التشدد ضد النقاب، وهي أضعف من أن تحتاج إلى ردٍ عليها، فالقول بأنه يمكن للمجرمين التخفي في النقاب يرد عليه بأن أي عمليات تجميل ممكن للمجرمين أن يستعملوها في التخفي فامنعوها تمامًا لا سيما أن صاحبة النقاب يحق لأي جهة أمنية أن تتحقق من شخصيتها عبر الإطلاع على بطاقة اثبات شخصيتها في أي وقتٍ ومطابقتها بوجهها وممكن تقنين ذلك عبر شرطةٍ نسائية، بينما من يعمل عملية تجميل يتغير شكله تمامًا، و كذلك امنعوا تداول أدوات المكياج لأنها ممكن أن تستعمل في التنكر من قبل المجرمين، و امنعوا ملابس رجال الدين الإسلامي والمسيحي على حدٍ سواء لأنه ممكن للمجرمين أن يلبسوها لتسهل عليهم التحرك أثناء ارتكاب الجرائم.

أما القول بأن النقاب يعوق التحقق من الشخصية في كافة الإجراءات الرسمية من عقودٍ و بيعٍ وشراءٍ وغير ذلك فكله كلامٌ سطحي لأن الشرع نفسه الذي شرع النقاب شرع إزالته في حالة التعاقد أو غير ذلك من الإجراءات التي تحتاج التحقق من الشخصية ثم تعيده الأنثى المعنية لوجهها بعد إتمام الإجراء المطلوب.

وإذا ظهرت سطحية كل هذه الحجج حق لنا أن نتسائل عن سبب التشدد مع النقاب مع أنه في أقل أحواله هو حريةٌ شخصيةٌ بينما يتم التساهل مع كل مظاهر الخراب والفساد التي يعج بهما المجتمع.

 

 

Editorial notes: نشرت هذا المقال بالمدونة القديمة في 23 يوليو 2009.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 3
  • 0
  • 10,276

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً