مسلكيات - (10) أقسام الجمال

منذ 2016-12-01

"جمالُ الباطنِ يَمحو قُبحَ الظاهِرِ وأثَرَه، وقُبحُ الباطِنِ يمحو جمالَ الظاهرِ وأثَرَه"

عندما تنقلبُ معاييرُ التقييم للأشخاصِ يكونُ الحكمُ على جمالِ شخصٍ ما من خلالِ طولِ قامتهِ ولونِ بشَرَتِهِ وقَسَماتِ وجهِه... إلخ. 
وهذه هي صورةُ الظاهِرِ التي لا يَدَ له في تشكيلِها، فلا يستحقُّ المدحَ على حُسنِها ولا الذمَّ على قُبحِها، إنَّما يستحقُّ المدحَ على صورتِهِ الباطنةِ التي هي جمالُ التقوى والعِفَّةِ وطهارَةِ النفسِ وسلامةِ القلبِ والتي سعى في بنائِها وتكميلها، والتي يُسمَّى انعكاسُها على الظاهِرِ بحُسنِ الخُلُق، وضدُّها يُسمَّى بسوءِ الخُلُق. 
والناسُ في هذه القِسمَةِ أربَعَةُ أصناف:

الأول: جمعَ بين جمالِ الباطِنِ والظاهرِ، وهذا أكملُ الأربعة، ومثالُهُ جميعُ الأنبياءِ وفي مُقدّمَتهِم نبيُّنا محمَّدٌ ونبيُّ اللهِ يوسُفُ عليهم جميعًا صلواتُ اللهِ وسلامُه. 

الثاني: مَن جمَعَ بينَ قُبحِ الباطِنِ والظاهِرِ، فهو ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعض، وهو شرُّ الأربَعَة، وأظهَرُ مثالٍ عليه الأعورُ الدجَّال. 

الثالثُ: مَن كان جميلَ الباطنِ قبيحَ الظاهِرِ، وهذا لا يضرُّهُ صورتُهُ الظاهرةُ لفيوضاتِ روحِهِ الراقيةِ على ظاهرِهِ ومَحوِها، فلا يكادُ الناظِرُ يلمَحُها، وقد كانَ عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ أسودَ اللونِ أعوَرَ العينِ أفطَسَ الأنفِ أعرجَ أشَلَّ، وكانَ سيّداً من ساداتِ مكَّةَ وفقهائها الكبار، وكان مَوئلًا للعُلماءِ يهابُهُ الملوكُ ويخطِبونَ ودَّه. 
ويقابلُهُ الرابعُ وهو مَن جمَّلَ اللهُ صورتَهُ الظاهِرَةَ وقَبَّحَ هو صورتَهُ الباطِنةَ بسوءِ خُلُقِهِ، وقد يكونُ جمالُ صورتِهِ الظاهرَةِ أحدَ أسبابِ فسادِ صورَتِهِ الباطِنَة، ويكفيكَ مثلاً له أبو لهَبٍ الذي لُقِّبَ بذلك لشدَّةِ وضاءَةِ وجههِ الأبيَضِ المُشرَبِ بالحُمرَةٍ!! 
ما أغنى عنهُ مالُهُ ولا جمالُهُ شيئًا فهو البغيضُ المَقيت. 

وأسوقُ لكَ قاعدةً بديعَةً في حُكمِ الثالثِ والرابعِ وهُما مُتعاكِسان:
"جمالُ الباطنِ يَمحو قُبحَ الظاهِرِ وأثَرَه، وقُبحُ الباطِنِ يمحو جمالَ الظاهرِ وأثَرَه"
فعادَ الأمرُ إلى صورةِ الباطِنِ حُسنًا وقُبحًا. 

فيا مَنْ جمَّلَ اللهُ صورتَهُ الظاهرةَ لا تُفسِدْها بقُبحِ صورتِكَ الباطنة. 
ويا مَن حُرِمَ جمالَ الظاهِرِ استَدرِكْ بِجمالِ روحِكَ وطباعِكَ وحُسنِ دينِكَ ومنطِقِكَ، فهو موضِعُ الأُلفَةِ والنُّفرَةِ عند المُخالَطَة. 

قد ذَكرتُ لكَ أيُّها الموَفَّقُ قِسمَي الجمالِ؛ الظاهِرِ والباطِنِ، وبَقيَ جمالٌ لم يُشِرْ إليهِ أحَدٌ قبلي ألا وهو.. كاتبُ هذا المَقالِ .. جمال الباشا.

 

جمال الباشا

مؤهلات الشيخ جمال بن محمد الباشا: ماجستير في القضاء الشرعي، دكتوراه في الفقه وأصوله، رسالة الدكتوراه في السياسة الشرعية، مدرس في أكاديمية العلوم الشرعية.

  • 2
  • 1
  • 3,460
المقال السابق
(9) مفتاح المجاهدة
المقال التالي
(11) أيام حياتك ...أم حياة أيامك

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً