المربية تـمام أبو السعود.. حكايـة صبر بلا حدود

منذ 2010-11-29

في الضفة تتناثر الحكايات التي تاهت وهي تطرق أبواباً موصدة أثقلها الصمت، فلم تعد حصناً لمن خلفها... وفي الضفة أيضاً تتراجع الذكريات لتختفي بعد أن عصف الألم بأهلها، وبدت برغم ما فيها من أمل باكية لحال الشرفاء ممن وهبوا أنفسهم للرباط ..

مـختطفة ونـجلها بسجون "فتح" وابنها الآخر عند الاحتلال
المربية تـمام أبو السعود.. حكايـة صبر بلا حدود

في الضفة تتناثر الحكايات التي تاهت وهي تطرق أبواباً موصدة أثقلها الصمت، فلم تعد حصناً لمن خلفها... وفي الضفة أيضاً تتراجع الذكريات لتختفي بعد أن عصف الألم بأهلها، وبدت برغم ما فيها من أمل باكية لحال الشرفاء ممن وهبوا أنفسهم للرباط حول حمى الدعوة التي لا تلين.. وفي الضفة كذلك يختلط الحابل بالنابل وتسبق الخيانة الشرفاء، ويزأر الجبناء وتشنق الفضيلة على مذابح الموت في سجون الأجهزة الأمنية... في الضفة حيث يحكم الغثاء.. ساقة ترتاد وقادة تنقاد.

في بـداية العام 2006 تـوفي زوجها تاركاً لهـا خمسة أبناء؛ ثـلاثة من الذكور هم عامر ومعتصم وخضر، وبنتين هما نجائب وآفاق.. إنـها الداعية تـمام أحمد أبو السعود "أم عامر"، أرملة المرحوم إن شاء الله خالد خضر أبو السعود، وخريجة كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، والمختطفة في سجون مـخابرات مليشيا عباس، داخل زنازين الموت في سجن جنيد، الذي شهدت جدرانه على آهات وعذابات من ألهبت أجسادهم سياط أبناء "فتح" في الضفة الغربية .
داعية فاضلة


عملت المربية والداعية أبو السعود في مجال الدعوة إلى الله، وكان لها الأثر الطيب في نفوس الناس الذين يشهدون بذلك، حيث تميزت بالأسلوب اللين الذي جذب إليها الكثير من القلوب العطشى لتعاليم دينها، وعلى مدار أعوام عديدة تنقلت "أم عامر" بين قرى مختلفة لتعلم الناس تعاليم دينهم الحنيف، وذلك قبل اندلاع الانتفاضة التي جعلت الأمر فيما بعد مقتصراً على مدينة نابلس فقط لصعوبة التنقل بين القرى بسبب انتشار الحواجز، واستمرت على هذا النحو إلى أن منعتها الأجهزة الأمنية في الضفة من تقديم الدروس في المساجد إلا بعد أخذ الأذن منهم.

تنقلت حياة الفاضلة"أم عامر" بين محطات الألم الذي ارتشفته بصبر وثبات، حتى باتت كما النخلة الشامخة تهزأ من الصعاب، بفضل من الله تعالى، فبعد وفاة زوجها -رحمه الله- قررت أم عامر أن تكون على قدر الأمانة التي تركها لها زوجها، فقامت بافتتاح مشروع صغير لتؤمن من خلاله مستقبل أبنائها الخمسة، وهو شركة للدعاية والإعلان أطلقت عليها اسم شركة شمس الفنية للدعاية والإعلان.

تولى ابنها البكر "عامر" ابن الـ 19 ربيعاً -في ذلك الوقت- مسؤولية تسيير أمور الشركة الصاعدة، وبـعد أقل من خمسة أشهر على وفاة والده اعتقلته قوات الاحتلال، لكن هذا الاعتقال لم يكن ليعرقل طريقه الزوجة المكلومة والأم الرؤوم فأصرت على المضي قدماً حتى تقدم العمل وبدأ يكبر أمام عينيها، وأصبحت الشركة تزدهر يوماً بعد يوم ما اضطرها لنقل مقر الشركة إلى "نابلس مول".


مضايقات متتالية

في صيف عام 2007 اقتحمت قوات الاحتلال "نابلس مول" المكان الذي توجد فيه شركة شمس، و قامت بإغلاقه لمدة أسبوع بحجة أن ملكية "المول" تعود لجمعيات تابعة لحركة "حماس"، وبعد التأكد تم إعادة فتح "المول" بـما فيه من محال تجارية، وبعد أشهر قليلة اقتحمت مخابرات مليشيا عباس مقر الشركة القديم الكائن برفيديا، وكان يحتوي على مطبعة حريرية، حيث قاموا بمصادرة جميع الأجهزة بـحجة أن هذه المطبعة تطبع "أوشحة" لحركة "حماس"، وصادرت أجهزة وبضائع بقيمة تقدر بثلاثين ألف شيكل، وفي الوقت نفسه اقتحمت مقر الشركة في "نابلس مول" بطريقة همجية، وصادرت أجهزة الحاسوب التابعة للشركة وأغلقتها لمدة ثلاثة أشهر لنفس الحجة، لكن على الرغم من كل ما حصل إلا أنـه لم يمنع أبنائها وبناتها من إعادة فتح الشركة، وبـهمة جديدة أقوى من سابقتها.

في صيف العام 2008 داهمت قوات الاحتلال منزل المربية أبو السعود وقاموا بعملية تفتيش واسعة واعتقلوا نجلها الأكبر عامر، و قد تزامن هذا العمل مع اقتحام مخابرات مليشيا عباس لمنزلها الكائن في رفيديا عدة مرات لتفتيش للسكن التابع له .

وما لبث عامر أن خرج من سجون الاحتلال حتى قامت مخابرات مليشيا عباس باعتقاله بعد استدعائه للمقابلة في سجن الجنيد بنابلس، حيث مارسوا بحقه أبشع أنواع التعذيب، ما دعاه إلى ترك البلاد والهجرة إلى كندا للحفاظ على صحته ومستقبله، ولإعالة أمه وإخوته.


صابرة شامخـة

ومع هذا لم تنحني هامة أم عامر.. و بقيت صابرة راضية بقضاء ربها.. تسعى خلف رزق أبنائها الذين كبروا قبل أوانهم، فواجهوا مع أمهم صعوبة الحياة محتسبين أمرهم عند ربهم.

واليوم.. حـق لأم عامر أن تفتخر وقد نذرت نفسها لتعليم الناس تعاليم دينهم، فجازتها مخابرات مليشيا عباس باختطافها وزجها في الزنازين بلا أخلاق ولا رحمة، بعد أن اختطفت نجلها الأصغر "خضر" بالتزامن مع اعتقال الاحتلال لأبنها "معتصم".

ولم تقف المعاناة عند ذلك، فقد نقلت المختطفة أبو السعود إلى المستشفى بحالة حرجة حيث أجريت لها عملية قسطرة، نقلت مباشرة بعدها إلى سجن الجنيد حيث ما زالت تقبع هناك تدافع عن كرامة طالما داستها أفراد تلك الأجهزة بأقدامها غير عابئة بقانون أو أخلاق.


24/11/2010 م

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام
  • 0
  • 0
  • 1,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً