أربعة دروس من حلب الجريحة وسوريا الحبيبة
بعد مأساة حلب الأخيرة فرح أكابر المجرمين واستكبروا بينما حزن المؤمنون بل حزن كل محب للحق والحرية والعدالة مهما كانت عقيدته، وكتب عدد من كبار الكتاب الأوروبيين والأمريكيين عن ما اعتبروه "درس من حلب"، وكان أبرز ما قرأته درس كتبه أمريكى وآخر كتبه فرنسى (على ما أذكر) بالإضافة لدرس ثالث كتب عنه كل من كتب من الأخوة المسلمين عن حلب الجريحة الحبيبة، وقد كان لى رأي مختلف بشأن هذه الدروس الثلاثة حيث خالفت وجادلت فيهم كما أضفت درسًا رابعًا لتكون دروس حلب الحبيبة الجريحة بل دروس سوريا الحبيبة لنا نحن المسلمون هي أربعة دروس كالتالي:
بعد مأساة حلب الأخيرة فرح أكابر المجرمين واستكبروا بينما حزن المؤمنون بل حزن كل محب للحق والحرية والعدالة مهما كانت عقيدته، وكتب عدد من كبار الكتاب الأوروبيين والأمريكيين عن ما اعتبروه "درس من حلب"، وكان أبرز ما قرأته درس كتبه أمريكى وآخر كتبه فرنسى (على ما أذكر) بالإضافة لدرس ثالث كتب عنه كل من كتب من الأخوة المسلمين عن حلب الجريحة الحبيبة، وقد كان لى رأي مختلف بشأن هذه الدروس الثلاثة حيث خالفت وجادلت فيهم كما أضفت درسًا رابعًا لتكون دروس حلب الحبيبة الجريحة بل دروس سوريا الحبيبة لنا نحن المسلمون هي أربعة دروس كالتالي:
الدرس الأول: هل نجح القمع وفاز الديكتاتور؟
قالوا أثبت سقوط حلب أن الديكتاتور إذا قمع بشدة سينجح فى دفن الثورة والاستمرار في الحكم .. وهذا ليس درسًا جديدًا فهو مقرر محفوظ لدى العرب والمسلمين، فالكل يعلم هذا وظل هذا متبعاً بالمنطقة منذ ناصر ومنذ قالت CIA لناصر اقمع المعارضة بشدة مهما تصاعدت وشعرت أنها ستنتصر وإياك أن تتفاوض معها أو تقدم أى تنازل (راجع الدراسة التى قدمتها CIA لناصر ليسير وفقها فى الحكم فى مقدمة كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند).. وذكرنا بنفس النهج الغربي به مؤلف كتاب الأصولية الإسلامية في العالم العربي الصادر بأميركا عام 1982 (حيث مدح طريقة ناصر في التعامل مع الحركة الإسلامية كما مدح حافظ الأسد والقذافي لأنهما الوحيدان السائران على طريقة ناصر فى مواجهة الحركات الإسلامية، ولاحظ أن هذا جاء رغم المعاداة الظاهرية لأميركا للأنظمة الثلاثة لكن الأهم عندهم هو ضرب الاسلاميين طبعًا) وهذا الكتاب كان أصلا تقريرا أعده مؤلفه بطلب من الخارجية الامريكية إثر اغتيال السادات وقدم لها فى ديسمبر 1981 ليوضح لها السياسات التى ينبغى أن تسلكها لمواجهة الحركات الإسلامية فى العالم العربي.
إذن فأمر القمع الشديد لآخر مدى فى مواجهة المعارضة معروف للشعوب وللإسلاميين لكنهم مع الربيع العربي لاحت لهم فكرة ظنوا أنها ناجعة وهى الانتفاض الشعبي بسبب سيادة عصر الجماهير بالعالم فانتفضوا وغرتهم إزاحة بن علي فى تونس ومبارك بمصر وتدخل الناتو فأزاح القذافي فى ليبيا .. لكن إيران أولاً ثم روسيا تاليًا ساندت نظام بشار ضد ثورة الشعب السوري كما ساندته أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل عبر منع السلاح عن الثورة .. ومن هنا فالدرس ليس انتصار الديكتاتور بالقمع ولا نجاح قمعه بسبب استعانته بقوى إقليمية ودولية ولكن الدرس هو أنه لابد من تكتيكات واستراتيجيات مبدعة فى مواجهة هذا النمط من القمع، استراتيجيات وتكتيكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية لا تقتصر على ما فعلته فعلاً الثورة السورية حتى الآن بل تتعداه وتزيد عليه لتفعل كيسا وتنجح.
إذ يجب أن تتعداه إلى أشياء جديدة تستوحى وتستنبط وتطور (ولا تستنسخ) من تجارب أخرى متعددة حول العالم.
الدرس الثاني: هل ثبت أن القوى الدولية والأمم المتحدة لا يحمون الحرية والعدالة؟
قالوا أيضًا إن من دروس سقوط شرق حلب إن النظام الدولى بما فيه الغرب والأمم المتحدة (فضلاً عن ديكتاتورية الشرق الممثلة فى روسيا والصين) كل هؤلاء لا يقيمون وزنًا لحماية أمن الشعوب وسلامتها والدفاع عن حقوق الإنسان وأنه سقط أخلاقياً ..الخ وفى الواقع فإن هذا أيضًا ليس جديدًا على العرب والمسلمين فسبق أن جرت مذابح لشعوب مسلمة وعربية عديدة ليس فقط بتجاهل أو تواطؤ دولي بل بأيدي الشرق تارة والغرب تارة أخرى .. وليس مجهولاً ما حدث في كل من فلسطين وأفغانستان والعراق والبوسنة وكوسوفو وتتار القرم ومسلمى الصين وبورما وأسام وكشمير الهندية وعشرية الجزائر وحقبة ناصر ومبارك بمصر والقذافي بليبيا وحماة أيام حافظ الأسد وعراق صدام وما يجرى لعرب وسنة إيران حتى الآن.. الخ.
فكل هذا معلوم ومحفوظ لكن هناك اتجاهات إسلامية وعربية متميعة عقيدياً ومغفلة سياسيًا ظنت أنها يمكن أن تقنع النظام الدولي بأن يسمح للشعوب العربية والإسلامية السنية بالتحرر ولكن درس حلب الحقيقي (وسوريا) الآن جاء جليًا ليسقط كل هؤلاء المغفلين سياسيًا والمتميعين عقيدياً ويقول لكل مسلم وعربي:
"لن تنالوا حريتكم بالتوسل والتسول وإنما بالقدرة المادية والمعنوية، فافهموا جوهر هذه القدرة بكل تفاصيلها واحصلوا عليها بكل وسيلة وكل حيلة حتى تنتزعوا بها حريتكم وكرامتكم".
الدرس الثالث: هل خلافات الجماعات السورية هي من هزمت حلب؟
كل المتكلمين والكتاب العرب والمسلمين ذكروا أن الخلافات بين القادة والزعامات وكثرة التحزبات وتفرق الجماعات هو السبب فى الهزائم فى حلب خاصة وفى سوريا عامة، وهذا توصيف خاطئ للمشكلة لأن التحزبات وخلافات الزعامات تزول أو تؤجل عندما يداهم الخطر مصالح الجميع ولكن حقيقة ما حدث هو عقد القيادة والسيادة لبعض التافهين الأغرار الذين تم تقديمهم لمناصب قيادة الأحزاب والجماعات فى الثورة السورية إما لتهورهم وحمقهم وارتفاع صوتهم ورفعهم شعارات أسخن من شعارات غيرهم وإما لإجادتهم التلبيس والدجل على جماهير أتباعهم، لأن العقلية التى تؤثر الزعامة على بقاء أمة من المسلمين وعلى بقاء أجزاء حررتها دماء ذكية من أيدي الطاغوت هي عقليات صبية يعبثون وليست عقليات زعماء وقادة يتصارعون فأي قائد أو زعيم مولع بالزعامة والرياسة ويتصارع عليها بالدم والمال لو دهمه الخطر سيؤجل طموحاته فى الرياسة لحين دفع الخطر خاصة إذا كان خطراً وجوديًا كما هو الحال في سوريا (والعراق بل والعالم العربي والإسلامي الآن عامة)، وسأسمع الأصوات تنتقد نعتي لهم بأنهم مجرد صبية عابثون جلسوا على أرائك القيادة ولكنى أرد مقدمًا وأصر على هذا الوصف بل وأقول إنهم إن لم تكن عقولهم عقول صبية يعبثون وإذا ثبت أن عقولهم عقول طبيعية بالغة الرشد فهم إذًا مجرمون أفّاقون تسلموا القيادة ليوقعوا بالأمة فى الهلاك.
الدرس الرابع: لماذا لم تجدى شجاعة الشجعان من الثوار فى حلب وسوريا؟
ومن دروس حلب أيضًا المهمة أن هناك شجعان متحمسون قاتلوا فى حلب تحت الحصار حتى آخر رمق فمنهم من قتل ومنهم من أحيط به ولم يجد سبيلاً سوى الانسحاب مع المنسحبين بعدما مسهم الضر الشديد، والدرس هنا هو أنه يجب أن نتعلم أن الحماس والشجاعة وحدهما لا يحسمان معركة فضلاً عن حرب فهدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين هو الأخذ بالأسباب المادية في شؤون الحرب والسياسة ومقولة أننا "لا نجاهد بعدد ولا عدة وإنما نجاهد بهذا الدين" مقولة يخصصها ويشرحها بل ويعارضها مئات الأدلة من سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وسنة خلفائه الراشدين فمراعاة العدد والعدة والاهتمام بالعدد والعدة فى كل معارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكاد تكون متواترة تواترًا معنويًا إذا لو لم يكن النبى مهتماً ومراعيًا للعدد والعدة فلِمَ حفر الخندق حول المدينة؟؟ (وهذا مجرد مثال والأدلة كثيرة)، وحتى فى المعارك التي قل فيها عدد المسلمين وعدتهم عن عدوهم (وهى كثيرة جدًا طبعًا) تم تعويض هذا النقص بحيل عسكرية معتبرة عبر خطط عسكرية مبدعة سواء خطط الهجوم أو الدفاع أو الانسحاب أو الكر والفر أو توقيت ومكان الهجوم المفاجئ أو تكتيك القتال المبدع أو المفاجئ أو اختيار مسرح عمليات غير مناسب للعدو وفيه ميزة للمسلمين، فانتصارات المسلمين الكثيرة عبر التاريخ فى معارك قل فيها عددهم وعدتهم لم تكن بسبب الحماس وارتفاع المعنويات (الناتج عن العقيدة الإسلامية) فقط بل صحب هذا شيء مما ذكرناه آنفاً من الأسباب المادية العسكرية عبر إبداع عسكري، وإنما حصر الإخباريون والمؤرخون والخطباء الحماسيون أسباب الانتصارات في الحماس وروح التضحية وحب الاستشهاد لأسباب خاصة متعددة فتارة كانت بسبب مواجهة موقف معين فاقتضى الحال التركيز على هذا الجانب وتارة لأن المتحدث ليس متخصصًا في الشأن العسكري فلا يدرك ولا يدرس ولا ينقل ويشرح الأمور المتعلقة بهذا الشأن العسكري وتارة لأن التعابير الخطابية تتطلب التركيز على الجوانب الحماسية والمعنوية فهي التي تسخن الخطاب فيكون له نغمة جذابة تطرب آذان السامعين فضلاً عن أن ركون الناس للدنيا وتعلق قلوبهم بها صار لا حل لمواجهته غير بهذا الخطاب الحماسي ولكن عند التخطيط الاستراتيجي للمعارك والصراعات والحروب فإن هذا وحده لا يكفي وهذا ما أثبتته "دروس شرق حلب" بل وسوريا كلها، فالحماس والتضحية والدم العربي المسلم السني الذي نزف في سوريا حتى الآن لم يكف لتحقيق النصر فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان لحسم صراع المسلمين مع أعدائهم بل لا بد من الأخذ بهدي النبى محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم في الأخذ بالأسباب وحيازة القدرة والقوة، ولعلها ليست مصادفة أن أعظم ملاحم الإسلام وأول معركة كبرى فيه وهي "غزوة بدر الكبرى" إنما كان سببها هو خروج النبي صلى الله عليه وسلم لاستهداف عير قريش التي كانت تحمل ثروة ضخمة، ومع هذا قدر الله بدلاً منها ذات الشوكة وهى الاصطدام بجيش قريش المجهزبعدد وعدة، وفي الأمرين "استهداف العير والاصطدام بجيش قريش المجهز الضخم" دلالة واضحة لأهمية حيازة القدرة وأهمية الجهاد وكسر شوكة العدو بصرامة وحسم.
ومن هنا فهذا الدرس يقضى بأن يعيد الصادقون المتحمسون حساباتهم المادية ويهتموا بالقدرة ومن ذلك تعويض نقص القدرة بالخدعة والفكر العسكري والأمني والسياسي الإبداعي والمكر والدهاء والحيل المختلفة مع استيعاب دروس التاريخ والاستراتيجية قديمًا وحديثاً، فالحماس والتضحية وحدهما لا يكفيان أبدًا.
- التصنيف: