نحو نهضة أمة

منذ 2017-01-02

فلتراجع نفوسنا أمورها وخوفها وعزيمتها، ولنراجع الاستهانة بالأعمال والآثار، ولنراجع إيذاءنا للنفوس واستهانتنا بجرحنا للآخرين، فرب كلمة آلمت كثيرا ورب عبوس أهمّ أخاك، ورب ابتسامة فرّجت وكلمة خير بشرت وتلطف في إيصال نصيحة طابت لها النفس، ويوم تلقى الله تعالى ستجد كلا مُحضَرا.

من لوازم قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7:8]
ما تسوقه الآية الكريمة من حقيقة ضخمة وثقيلة من الحساب بمقدار مثاقيل الذر له لوازم كثيرة منها:
- ما توجبه من الخوف وتعظيم أمر الله تعالى وتعظيم يوم لقائه ومعرفة جدية ما وعد تعالى من الحساب.
- عدم الاستهانة بالمحقَرات من الأعمال.
- عدم الاستهانة بإيذاء الخلق ولو قليلا، أو القيام بمصالحهم ولو قليلا،  جاء سائل إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فلم تجد في البيت شيئا تعطيه إياه فكان أمامها طبق به عنب؛ فأمرت خادمها أن يعطيه حبة من عنب، فرأت الخادم يتعجب، فقالت له: أتعلم كم فيها من ذرة؟
- شدة اليقظة والحذر الدائم، لما يقوم بالقلب، ولما تقوم به الجوارح من عمل، ومن أثر للعمل.
- المسألة المهمة ـ وهي مقصود هذا المقال ـ هو عندما تجمع هذه الآية مع قوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] تعلم أن بإمكان الإنسان، وفي قدرته، أن يعمل على هذا المستوى من الدقة والمراعاة، وأن من ظن عدم إمكانية المراعاة للمصالح والمفاسد والأوامر والنواهي وللعمل وأثر العمل على هذا المستوى فإن هذا الظن خطأ وهذا التراجع عن القيام بهذا المستوى راجع إلى ضعف الخوف وكسل النفوس، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل، والكسل هنا ضعف الإرادة.

وغالب الخلل يرجع إلى خلل في أحد الأمرين: التذكر أو العزيمة، ولذا جمعهما سبحانه في قوله {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63]، ودوام التذكر ودوام العزم تابع للخوف، ولذا يكرر تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48]،  {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40]،  {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:41].

فلتراجع نفوسنا أمورها وخوفها وعزيمتها، ولنراجع الاستهانة بالأعمال والآثار، ولنراجع إيذاءنا للنفوس واستهانتنا بجرحنا للآخرين، فرب كلمة آلمت كثيرا ورب عبوس أهمّ أخاك، ورب ابتسامة فرّجت وكلمة خير بشرت وتلطف في إيصال نصيحة طابت لها النفس، ويوم تلقى الله تعالى ستجد كلا مُحضَرا.

إن النفوس التي ترتبط بالقرآن تلاوة وتدبرا يجب أن تنطبع بهذا الانطباع وأن تتربى على هذا المستوى،
ومن ظن في نفسه العجز عن هذا المستوى فليتدبر أمر لقاء الله تعالى وما أخبر به تعالى برؤية جزاء مثاقيل الذر من الخير والشر، ولا طاقة لأحد على هذا إلا بربه تعالى، ولذا فلا قيام بهذا المستوى من العمل والمراعاة إلا بالتوكل عليه تعالى {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9].
سمع أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية الكريمة فقال: أئنا محاسبون بمثاقيل الذر؟ حسبي حسبي، ما أبالي ألا أسمع غيرها.

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • -1
  • 0
  • 906

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً