مع القرآن - يُدبر الأمر: والعصاة ناكرون!

منذ 2017-02-09

الكون كله ينطق بتوحيد الخالق ونفسك وتكوينك يدلك عليه، فلماذا الإعراض وإلى متى الابتعاد؟؟؟!!!

يبحث معظم الخلق عن مُدبرٍ غيره ومشرعٍ سواه ليحكم بينهم ويُسَير أمور معايشهم  وإن ادعوا بألسنتهم خلاف أفعالهم الصريحة، و يميل معظم أهل الأرض إلى تبني مناهج وتوجهات وفلسفات تباين وتخالف منهج التوحيد الصافي، فأي نكران هذا ؟؟؟!!!!!


كل ما حولنا يدلنا عليه سبحانه الكون بما فيه والنفس وما تحويه، وإلا فبالله عليك: من رفع السماوات وبنى هذا الكون بلا أعمدة ظاهرة بل أي رابطٍ ظاهر يحافظ على بنيان كل ذرةٍ بلا أعمدة تصل البروتونات بالإلكترونات ؟؟!!!.


الكون كله ينطق بتوحيد الخالق ونفسك وتكوينك يدلك عليه، فلماذا الإعراض وإلى متى الابتعاد؟؟؟!!!
الشمس، القمر، النجوم، الأفلاك، المجرات كل هذا الكون الهائل الفسيح يدلنا عليه ويسبح بحمده ويتقيد بأمره إلا عصاة الجن والإنس.


الكل خاضعٌ إلا العصاة سواء كانت المعصية الكبرى بالشرك أو ارتكاب ما يغضب الملك سبحانه من الكبائر.
سخر لك الأرض بامتدادها بما فيها من أنهار وبحار ورواسي تحافظ على استقرارها وأخضعها لك مذللةً لتتفرغ لعبادته وحده، فأسرع الإنسان باختراع كل شريكٍ له والابتعاد عن توحيده سواء في العبادة (اختراع الأوثان) أو الطاعة (طاعة الطواغيت) أو الاتباع (التحاكم لغيره وتبني مناهج للحياة تخالف منهجه أو الغلو في اتباع الأحبار وعلماء السوء).


يرزقنا من أنواع الثمرات ونشكر غيره، يحبونا بالنعم فنعصيه بنعمه.
و قد نسي معظمنا أن كل شيءٍ بيده وهو وحده القيوم وهو وحده من يدبر الأمور كلها:
استوى العظيم على سرير ملكه وارتفع، يدبر الأمور في العوالم  العلوية  والسفلية، يخلق ويرزق، ويُغني ويُفقر، ويرفع أقوامًا ويضع آخرين، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ الأقدار ويرسل ملائكته الكرام لتدبير ما جعلهم على تدبيره.


وينزل الكتب الإلهية على رسله ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع والأوامر والنواهي، ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها.
ثم يبحث معظم الخلق عن مدبر غيره و مشرع سواه ليحكم بينهم ويسير أمور معايشهم،  أي نكران هذا ؟؟؟!!!!!.


{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 2-4].

قال السعدي في تفسيره:


يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير، والعظمة والسلطان الدال على أنه وحده المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له فقال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ}على عظمها واتساعها بقدرته العظيمة، {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي: ليس لها عمد من تحتها، فإنه لو كان لها عمد، لرأيتموها {ثُمَّ} بعد ما خلق السماوات والأرض {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} العظيم الذي هو أعلى المخلوقات، استواء يليق بجلاله ويناسب كماله.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم، {كُلِّ} من الشمس والقمر {يَجْرِي} بتدبير العزيز العليم، {لأجَلٍ مُسَمًّى} بسير منتظم، لا يفتران ولا ينيان، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طي الله هذا العالم، ونقلهم إلى الدار الآخرة التي هي دار القرار، فعند ذلك يطوي الله السماوات ويبدلها، ويغير الأرض ويبدلها. فتكور الشمس والقمر، ويجمع بينهما فيلقيان في النار، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة؛ فيتحسر بذلك أشد الحسرة وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.


وقوله {يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ } هذا جمع بين الخلق والأمر، أي: قد استوى الله العظيم على سرير الملك، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي، فيخلق ويرزق، ويغني ويفقر، ويرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها علمه، وجرى بها قلمه، ويرسل ملائكته الكرام لتدبير ما جعلهم على تدبيره.


وينزل الكتب الإلهية على رسله ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع والأوامر والنواهي، ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها، {لَعَلَّكُمْ} بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية والآيات القرآنية، {بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها، من أسباب حصول اليقين في جميع الأمور الإلهية، خصوصا في العقائد الكبار، كالبعث والنشور والإخراج من القبور.


وأيضا فقد علم أن الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى، ولا يتركهم عبثا، فكما أنه أرسل رسله وأنزل كتبه لأمر العباد ونهيهم، فلا بد أن ينقلهم إلى دار يحل فيها جزاؤه، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء، ويجازي المسيئين بإساءتهم.

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ} أي: خلقها للعباد، ووسعها وبارك فيها ومهدها للعباد، وأودع فيها من مصالحهم ما أودع، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} أي: جبالا عظاما، لئلا تميد بالخلق، فإنه لولا الجبال لمادت بأهلها، لأنها على تيار ماء، لا ثبوت لها ولا استقرار إلا بالجبال الرواسي، التي جعلها الله أوتادا لها.


{وَ} جعل فيها {أَنْهَارًا} تسقي الآدميين وبهائمهم وحروثهم، فأخرج بها من الأشجار والزروع والثمار خيرا كثيرا ولهذا قال: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: صنفين مما يحتاج إليه العباد.
 {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} فتظلم الآفاق فيسكن كل حيوان إلى مأواه ويستريحون من التعب والنصب في النهار، ثم إذا قضوا مأربهم من النوم غشي النهار الليل فإذا هم مصبحون منتشرون في مصالحهم وأعمالهم في النهار.
{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.


{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} على المطالب الإلهية {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}  فيها، وينظرون فيها نظر اعتبار دالة على أن الذي خلقها ودبرها وصرفها، هو الله الذي لا إله إلا هو، ولا معبود سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، وأنه القادر على كل شيء، الحكيم في كل شيء المحمود على ما خلقه وأمر به تبارك وتعالى.


ومن الآيات على كمال قدرته وبديع صنعته أن جعل {فِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ}  فيها أنواع الأشجار {مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ} وغير ذلك، والنخيل التي بعضها {صِنْوَانٌ} أي: عدة أشجار في أصل واحد، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} بأن كان كل شجرة على حدتها، والجميع  {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} وأرضه واحدة  {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ}  لونًا وطعمًا ونفعًا ولذة؛ فهذه أرض طيبة تنبت الكلأ والعشب الكثير والأشجار والزروع، وهذه أرض تلاصقها لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء، وهذه تمسك الماء ولا تنبت الكلأ وهذه تنبت الزرع والأشجار ولا تنبت الكلأ وهذه الثمرة حلوة وهذه مرة وهذه بين ذلك.


فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها؟ أم ذلك تقدير العزيز الرحيم؟
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: لقوم لهم عقول تهديهم إلى ما ينفعهم، وتقودهم إلى ما يرشدهم ويعقلون عن الله وصاياه وأوامره ونواهيه، وأما أهل الإعراض، وأهل البلادة فهم في ظلماتهم يعمهون، وفي غيهم يترددون، لا يهتدون إلى ربهم سبيلًا ولا يعون له قيلًا.

#مع_القرآن

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,689
المقال السابق
"وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ"
المقال التالي
بين إنكار البعث ونسيانه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً